تأجيج مخاوف شعبية أمريكية من الإسلام لتحقيق مصالح سياسية
شهد شهر شباط/ فبراير 2015 العديد من الأحداث المزعجة التي استهدفت المسلمين تحديدا في أمريكا الشمالية، لكن الحادث الأسوأ على الإطلاق كان مقتل ثلاثة شباب في مدينة شابل هيل بولاية نورث كارولينا. وكان من الممكن النظر لمقتل ضياء بركات ويسر أبو صلاح ورزان أبو صلاح، كحادث فردي قام به شخص مختل لكن للأسف لم يكن هذا هو الحال بسبب حوادث أخرى بدأت تعزز المخاوف من تزايد المشاعر المعادية للإسلام في الولايات المتحدة وكندا قبل حادث شابل هيل.
وبدأت الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) في الظهور تدريجيا في كلمات وأفعال بعض الساسة، فعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي أوباما -وللإنصاف- سلفه جورج بوش، أكدا أن حروبهما ليست موجهة ضد الإسلام ولكن ضد التطرف والإرهاب إلا أن هذا لم يمنع الساسة على الجانبين من اللعب على مخاوف الناس سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بشكل متعمد أو من دون وعي، لتحقيق مكاسب شخصية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات في الولايات المتحدة (تشرين الثاني/ نوفمبر 2016) وكندا (تشرين الأول/ أكتوبر 2015)، بدأت نبرة التخويف في التصاعد، ولعل تعليق عضو مجلس النواب الأمريكي الممثلة لولاية تكساس، مولي وايت على صفحتها على الفيس بوك، يعطي مؤشرا على ما يمكن أن يحدث خلال الفترة المقبلة، إذ كتبت مولي على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي تعليقا قالت فيه إنها ستطالب المؤسسات الإسلامية بالإعلان عن التضامن العلني مع الولايات المتحدة لدى حضورهم لفعاليات يوم مخصص للمسلمين في مدينة أوستن. وأثار هذا التعليق عاصفة من الانتقادات كما أن المحتجين حاولوا التشويش على فعاليات اليوم بترديد شعارات كراهية.
تعاطي إعلامي مختلف بين كندا والولايات المتحدة
بدأت حكومة رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر في اللعب على كارت الخوف مستغلة حادث الهجوم على البرلمان الكندي (مجلس العموم ومجلس الشيوخ) والذي نفذه مايكل زيهاف–بيبو في الثاني والعشرين من تشرين أول/ أكتوبر 2014، لتمرير حزمة من التشريعات الجديدة ضد الإرهاب والمعروفة باسم Bill C-51 والتي تعطي صلاحيات واسعة جديدة لأجهزة الاستخبارات في الدولة وتمكنها من مراقبة الإنترنت والاطلاع على معلومات كانت تصنف بأنها خاصة داخل أجهزة حكومية أخرى. أما حقيقة كون زيهاف-بيبو مدمنا للمخدرات ويعاني من خلل عقلي، فقد فضلت الحكومة التغطية عليها لتواصل الظهور في صورة المدافع عن كندا ضد الإرهابيين الإسلاميين.
وفي خضم ارتفاع اعتراضات المدافعين عن الحقوق المدنية ووسائل الإعلام الرئيسية على هذه الإجراءات، خرج رئيس الوزراء هاربر ليقول إنه سيستأنف قرار المحكمة الاتحادية العليا التي سمحت للنساء بارتداء النقاب أثناء أداء اليمين ضمن مراسم الحصول على الجنسية. واختار هاربر في حديثه عن هذا الأمر، عبارات جعلت المسلمين يظهرون وكأنهم يختلفون عن باقي الكنديين إذ قال: "أرى، وأعتقد أن معظم الكنديين يتفقون معي، في أنه من المهين أن يخفي الشخص هويته في اللحظة التي يلتزم فيها بالانضمام للعائلة الكندية".
وفي الوقت الذي بذلت فيه وسائل الإعلام الكندية في معظمها، أقصى جهدها لعدم إشعال النيران من خلال بث المواد التي تذم المسلمين دون وضعها في السياق المناسب، فإن الأمر نفسه لم ينطبق للأسف على الولايات المتحدة. فما إن تم الإعلان عن إنشاء محكمة إسلامية في نورث تكساس، إلا وخرجت وسائل الإعلام ذات التوجه اليميني لتصف الأمر على أنه أولى خطوات السيطرة على نظام القضاء الأمريكي كما أن "الخبير القانوني" لمحطة فوكس نيوز أندرو نابوليتانو (لعب دور قاضٍ سابقا في عمل تليفزيوني) ذهب لأبعد من ذلك وزعم أن هذه المحكمة ستطغى على القانون الأمريكي إذا أجمع الطرفان على الالتزام بقرارات المحكمة".
ولا تتجاهل هذه الآراء حقيقة أن الدستور الأمريكي يحظر على أي جهة أن تحل محل النظام القضائي الأمريكي فحسب، لكنها أيضا تتناسى أن ديانات أخرى في الولايات المتحدة لديها نفس النوع من هذه المحاكم. فالكنسية الكاثوليكية لديها نحو 200 محكمة أبريشية تتعامل مع حالات مختلفة كما أن العديد من اليهود الأرثوذوكس يلجأون لمحاكم دينية لإتمام أمور الزواج وحسم خلافات العمل مع الشركاء اليهود. لهذا فإن الأمر في النهاية هو مساعٍ من قبل اللوبي المحافظ المتشدد لتأجيج المشاعر المعادية للإسلام، لتحقيق أهداف سياسية.
الصراع بين مؤججين ومهدئين
باميلا غيلر تعد واحدة من أعلى الأصوات المناهضة لفكرة المحكمة وهي المسؤولة عن الإعلانات على الحافلات تحض على الكراهية ضد المسلمين من خلال مساواتهم بهتلر. ودفعت منظمة "أوقفوا أسلمة أمريكا" التي تنتمي لها غيلر، مبالغ مالية مقابل وضع هذه الإعلانات على حافلات وعربات المترو في نيويورك وواشنطن وسان فرانسيسكو. ورغم أن قانون حرية التعبير الأمريكي لا يجرم مثل هذه الأمور إلا أن هذا لا يمنع أنها تحمل قدرا من الكراهية وتلعب على أسوأ الغرائز البشرية.
وفي خضم الغضب والصخب ومع وجود أطراف تحاول تصعيد أجواء الكراهية والخوف، تظهر محاولات للتهدئة وتقديم الدعم، فعندما تعرض مسجد للتلطيخ برسومات مسيئة في مدينة "كولد ليك" بمقاطعة ألبرتا بكندا في أعقاب الهجوم على البرلمان، تطوع سكان محليون من غير المسلمين لإزالة هذه الرسوم ورفعوا لوحات عليها عبارات دعم في مواجهة هذه الرسوم البذيئة. وفي الولايات المتحدة يتجاوز الناس الحدود العقائدية والسياسية للتعبير عن تعاطفهم مع أسر الشباب الثلاثة المقتولين علاوة على رفض الأعمال المعادية للمسلمين والتي ارتكبت في الشهور الأخيرة.
لكن لسوء الحظ ومع اقتراب الانتخابات في كندا والولايات المتحدة، فعلينا أن نتوقع زيادة وتيرة الخطاب القائم على الخوف سواء من قبل الساسة أو أطراف أخرى ما يزيد من حدة التوتر وبالتالي يزيد فرص استهداف المسلمين من قبل هؤلاء الذين تمتلئ قلوبهم بالكراهية وهو وضع محزن لاسيما لدولتين كان من المفترض أن يقدما الملجأ والأمل في حياة أفضل لهؤلاء الذين فروا من الملاحقة في بلادهم.
ريتشارد ماركوس
ترجمة: ابتسام فوزي