حملة ألمانية من أجل آلاف المعتقلين في مصر
شديد القسوة على المنتقدين ومتسم بالسلطوية ومذعور من فقدان السلطة: منذ توليه الدموي للسلطة في عام 2013، أسَّس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في البلاد نظامًا تجاوز بمراحل عديدة حتى نظام الرئيس حسني مبارك، الذي حكم مصر لفترة طويلة. تلاشت اليوم الآمال في إحداث تغيير سياسي واجتماعي حقيقي بعد الانتفاضة الجماهيرية، التي أطاحت بحسني مبارك من منصبه بعد ثلاثين عامًا من وجوده في السلطة، وتركت وراءها خيبة أمل منتشرة في كلِّ مكان.
أعداد كبيرة من الناس -عملوا قبل ثورة 2011 وبعدها بطرق مختلفة من أجل "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية" في مصر- باتوا اليوم عرضةً للترهيب وغير ناشطين سياسيًا أو هربوا إلى المنفى، ويقبع عشرات الآلاف في السجون لأسباب سياسية ويدفعون ثمنًا باهظًا لنشاطهم وشجاعتهم.
ولذلك فلا عجب من أن يستغل المعارضون المصريون الاهتمام الإعلامي بالذكرى السنوية العاشرة لـ"ثورة 25 يناير" من أجل التنبيه إلى مصير الأشخاص الذين قامت الأجهزة الأمنية والقضائية المصرية بسجنهم ومحاكمتهم بأحكام مؤلمة بالسجن لفترات طويلة أو الذين ما يزالون منذ سنين رهن الاعتقال الاحتياطي بسبب التزامهم السياسي. وبهذه المناسبة يشارك أيضًا سياسيون أوروبيون معارضون في نشاطات مشابهة.
Zehn Jahre nach den Aufständen von 2011 sind noch immer Tausende Menschen inhaftiert.
Unser neuer Amnesty-Bericht dokumentiert Todesfälle, Folter, unmenschliche Bedingungen für politische Gefangene in #Ägypten.
⇨ https://t.co/OpwgsaYOZI #Egypt pic.twitter.com/L5Y9u06NTC
— Amnesty Deutschland (@amnesty_de) January 25, 2021
.......................................
كتب فرع منظمة العفو الدولية في ألمانيا في تغريدة: "بعد عشر سنين على #ثورة_يناير 2011، لا يزال آلاف الأشخاص معتقلين. يوثِّق تقرير منظمة العفو الدولية الجديد آلاف حالات التعذيب والظروف غير الإنسانية، التي يعاني منها المعتقلون السياسيون في #مصر".
.......................................
تضامن مع جميع المقاومين
فقد قام ثمانية سياسيين ألمان من حزب اليسار بالتوقيع على بيان تضامني يطالب بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين ويُنبِّه -على سبيل المثال- إلى مصير ستة ناشطين يساريين وصحفيين ونقابيين معتقلين. وبحسب هذا البيان التضامني المنشور في ذكرى الثورة فإنَّ اليساريين المصريين هم مَنْ نقلوا المواجهات مع النظام في عام 2011 إلى المصانع وأماكن العمل، و"جهودهم ساهمت في تنظيم الإضرابات التي أجبرت حسني مبارك في نهاية المطاف على التنحي".
وبحسب صيغة البيان فقد تم منذ تولي السيسي السلطة تعليق الحريات المدنية الأساسية وسجن عشرات الآلاف لأسباب سياسية - من بينهم إسلاميون وليبراليون ويساريون ونقابيون وإعلاميون ومدافعون عن حقوق الإنسان، و"تم تفكيك النقابات والمنظمات الشبابية المستقلة" ولا يزال التعذيب منتشرًا كلَّ يوم في أقسام الشرطة المصرية.
يسلط هذا البيان التضامني الضوء على ست حالات فردية، ويعبِّر عن تضامنه ليس فقط مع اليساريين المصريين، بل كذلك مع جميع الذين -بحسب تعبير البيان- "يقاومون دكتاتورية السيسي". ويطالب السياسيون اليساريون الألمان بالإفراج عن الصحفي هشام فؤاد، الذي كان يدافع حتى قبل عام 2011 عن العمال المضربين والنقابات المستقلة، وبالإفراج أيضًا عن الكاتب أيمن عبد المعطي وعن المحامي والناشط النقابي هيثم محمدين وعن الناشط النقابي خليل رزق. وهؤلاء الأربعة يقبعون جميعهم خلف القضبان بتهم إرهاب وهمية.
وضمّت هذه القائمة أيضًا الناشط في منظمة حقوق الإنسان "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" باتريك جورج زكي، الذي تعرَّض للتعذيب أثناء احتجازه لدى الشرطة بعد اعتقاله في مطلع عالم 2020، وكذلك الناشطة السياسية ومحامية حقوق الإنسان اليسارية البارزة ماهينور المصري.
تعدُّ الناشطة الاشتراكية المُنحدرة من محافظة الإسكندرية ماهينور المصري واحدةً من أيقونات شباب الثورة وكانت تدافع من خلال وظيفتها كمحامية بشكل منقطع النظير عن الناشطين المعتقلين من جميع الأطياف السياسية، وأيضًا عن النقابيين أو اللاجئين.
لم تكن ماهينور المصري تخشى من أعمال السيسي القمعية. وقد حُكم عليها منذ عام 2011 بعدة أحكام بالسجن. وكان آخر اعتقال لها في خريف عام 2019 بعد حضورها تحقيقات مع متظاهرين معتقلين. وهي أيضًا متهمة بالانضمام إلى جماعة إرهابية.
هذه الحملة التي أطلقتها النائبة في البرلمان الاتّحادي الألماني (البوندستاغ) عن حزب اليسار، كريستين بوخهولْتْس، ليست النشاط الوحيد الجاري في هذا الوقت للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في مصر. إذ يجري بالتوازي معها عدد لا يحصى من الحملات المماثلة، مثلما قال الصحفي والناشط في حركة الاشتراكيين الثوريين، حسام الحملاوي، لموقع قنطرة.
وبحسب حسام الحملاوي "لا توجد حاليًا حملة مركزية مُوَحَّدة". وهذا -بحسب تعبيره- ليس خطأ الناشطين، بل يتعلق بكلّ بساطة بحقيقة وجود الكثير جدًا من المعتقلين السياسيين في مصر في هذا الحين: "يجري أيضًا في بريطانيا نشاط لنقابيين وناشطين يساريين يحاولون من خلاله جمع التوقيعات وتعبئة البرلمانيين والنقابات المهنية للتضامن مع المعتقلين الاشتراكيين بصفة خاصة ومع جميع المعتقلين السياسيين بشكل عام".
ألمانيا من أهم حلفاء السيسي
وصحيح أنَّ هذه الحملة في ألمانيا صغيرة حتى الآن، ولكن لها وزنها السياسي، بحسب الصحفي حسام الحملاوي: "ألمانيا من أهم حلفاء السيسي. ومصر هي من أكبر مشتري الأسلحة ومعدَّات التسليح الألمانية في العالم، والشرطة المصرية يتم تدريبها من قِبَل رجال شرطة ألمان. ولهذا السبب فإنَّ كلَّ ما يحدث في ألمانيا له صدًى قوي في مصر"، مثلما يؤكِّد حسام الحملاوي المشارك بشكل مباشر في حملة التضامن.
وعلى الرغم من أنَّ حملة سياسيي حزب اليسار الألماني تطالب بصراحة بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين بصرف النظر عن توجُّهاتهم السياسية، غير أنَّها تسلط الضوء بشكل خاص على ست حالات من الاشتراكيين المعتقلين. يعود أحد أسباب ذلك -بحسب انطباع حسام الحملاوي- إلى أنَّ الناشطين الاشتراكيين قد تم نسيانهم في الحملات اليوم وفي السنين الأخيرة. ويقول الناشط حسام الحملاوي: "نحن نعلم تمامًا أنَّ السيسي لن يطلق سراح جميع المعتقلين السياسيين بأية حال من الأحوال، ولكننا على الأقل نحاول هكذا تحقيق الإفراج عن بعض المعتقلين".
Solidarität mit Sozialist/innen in ägyptischen Gefängnissen! Wir fordern in Brief an ägyptische Botschaft: Alle politischen Gefangenen müssen frei gelassen werden. BReg fordern wir auf, Unterstützung für die Militärdiktatur von al-Sisi sofort zu beenden. https://t.co/Es3o9LRxiI pic.twitter.com/3YtFyQsgHf
— Christine Buchholz (@ch_buchholz) January 25, 2021
.......................................
كتبت السياسية الألمانية اليسارية كريستين بوخهولْتْس في تغريدتها: "متضامنون مع الاشتراكيين والاشتراكيات في السجون المصرية. نطالب في رسالة إلى السفارة المصرية بضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين. ونطالب الحكومة الاتِّحادية (الألمانية) بأن تنهي على الفور دعمها لديكتاتورية السيسي العسكرية".
.......................................
ومع ذلك فإنَّ نهاية أعمال القمع ضدَّ المعارضين والناشطين والنقابات المهنية في مصر لا تلوح في الأفق. وأسباب ذلك واضحة. "نظام السيسي معادٍ للثورة ومذعور للغاية، ولذلك فهو يبدأ في الهيجان بمجرَّد تشمَّمه وجود معارضة أو تهديد لحكمه في أي مكان"، مثلما يقول حسام الحملاوي: "السيسي سيعمل ضدَّ أي شكل من أشكال العمل الجماعي وأي هيكل يمكن أن يدعم التعبئة وأي مكان يمكن أن يتم فيه توجيه جهود المصريين في شكل من أشكال العمل الجماعي. وسيعمل ضدَّ ذلك سواء كان يتعلق بنقابة مهنية مستقلة أو منظمات إسلامية أو أحزاب يسارية. نظام السيسي مذعور للغاية وشهيته للقمع لا تعرف نهاية"، مثلما قال حسام الحملاوي.
وفي الوقت نفسه تتزامن حملة السياسيين اليساريين الألمان من أجل التنبيه إلى أعمال السيسي القمعية ضدَّ الحركة العمالية مع موجة إضرابات واحتجاجات في قطاع صناعة الحديد والصلب في مصر. فنظرًا إلى الخسائر القوية، تريد الحكومة المصرية تصفية شركة الحديد والصلب المصرية المملوكة للدولة، على الرغم من أنَّ النقابيين قدَّموا اقتراحات ملموسة لإصلاح الشركة.
وبالتالي فإنَّ نحو سبعة آلاف وخمسمائة وظيفة باتت عرضة للخطر. و بحسب موقع "مدى مصر" الإلكتروني الإخباري فقد استولى في مدينة حلوان جنوب القاهرة نحو أربعة آلاف عامل على مقر الشركة في منتصف شهر كانون الثاني/يناير 2021 ودعوا إدارة الشركة والحكومة إلى التفاوض.
سفيان فيليب نصر
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2021
....................................................
طالع أيضا
الخطايا السبع للمعارضة المصرية منذ ثورة يناير
مصر - سلاح التشويه لاأخلاقي ويؤذي المعارضة "أكثر من غيره"
الحكم الرشيد وليس الاستبداد هو المفتاح إلى الاستقرار في الأمد البعيد
"قانون الإرهاب يطيح بحرية الصحافة في مصر ولا يعاديها فقط"
عصف ممنهج بمعايير المحاكمة العادلة في مصر
تحية لذاكرة الألم المصري وللكاتب الشجاع علاء الأسواني
الدولة التسلطية تفرز مجتمعا تسلطيا تعزز به سلطتها
....................................................
[embed:render:embedded:node:42972]
[embed:render:embedded:node:42545]