غطاء قانوني لانقلاب البرهان العسكري؟
الانتقال السياسي السوداني في الميزان: أعلن الجيش السوداني التوصل إلى اتفاق لإعادة عبد الله حمدوك لرئاسة الوزراء وذلك بعد أقل من شهر من حل حكومته في انقلاب.
ويواجه الاتفاق معارضة من المحتجين الذين كانوا يرون في حمدوك من قبل رمزا لمقاومة الحكم العسكري لكنهم اعتبروا توقيعه على الاتفاق خيانة.
ما هو مضمون الاتفاق بين رئيس الوزراء حمدوك وقائد الانقلاب برهان؟
ينص الاتفاق الموقع يوم الأحد 21 / 11 / 2021 على أن يرأس حمدوك حكومة من أصحاب الكفاءات خلال فترة انتقال سياسي يُتوقع أن تستمر حتى 2023 وعلى إخلاء سبيل جميع المعتقلين السياسيين.
والقصد أن يكون هذا الاتفاق مبنيا على اتفاق سابق تم التوصل إليه بين الجيش والقوى السياسية المدنية في أعقاب الإطاحة بحكم عمر البشير في 2019 وتقاسم الطرفان بمقتضاه السلطة رغم أن هذه الشراكة تعطلت بوقوع الانقلاب.
كما ينص على التحقيق في الخسائر البشرية خلال المظاهرات الأخيرة واستكمال عملية السلام التي اتفقت عليها بعض الجماعات السودانية المتمردة في جوبا العام الماضي.
ما الذي تغير؟
يقول الجيش إن استئثاره بالسلطة كان خطوة تصحيحية لتجاوز الخلافات السياسية وإن بالإمكان الآن مواصلة مسيرة الانتقال صوب الانتخابات.
ويجادل معارضون بأن الاتفاق يتيح غطاء قانونيا للانقلاب ويسمح للجيش بتعزيز وضعه وذلك بإحلال موالين له محل الديمقراطيين في المناصب المهمة مما يفسد الانتقال السياسي وأهداف انتفاضة 2019 التي أطاحت بالبشير.
السودان: كيف وصل الحال إلى ما هو عليه؟
تعرض ترتيب اقتسام السلطة في السودان لتوتر متزايد مع مطالبة
المدنيين بإصلاح الجيش والقصاص للمحتجين الذين قُتلوا في 2019 وبتسليم البشير وآخرين مطلوبين في جرائم ارتُكبت في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية.
واتهمت المؤسسة العسكرية فصائل سياسية بالتحريض على الجيش في حين قالت جماعات مدنية إن الجيش يناور للاستئثار بالسلطة.
وحدث ذلك بالفعل في 25 أكتوبر تشرين الأول 2021 فألقى الجيش القبض على معظم معارضيه البارزين ووضع حمدوك رهن الإقامة الجبرية.
وندد قطاع كبير من المجتمع الدولي بالانقلاب وبدأت الجماعات المطالبة بالديمقراطية في السودان حملة احتجاجات جماهيرية وعصيان مدني. وسعت جهود محلية للوساطة أيدتها الأمم المتحدة للعودة إلى اقتسام السلطة مع تحرك الجيش لتعزيز وضعه.
ما مدى التأييد الذي يحظى به الاتفاق؟
قال حمدوك الذي قاوم ضغوط الجيش لحل حكومته قبل الانقلاب مباشرة إنه وقّع الاتفاق لحقن الدماء بعد الحملة الأمنية التي سقط فيها عشرات المحتجين قتلى.
ويحظى الجيش بدعم بعض الفصائل المتمردة السابقة التي وقّعت اتفاق السلام في جوبا وقيادات مدنية بارزة تنتمي لفترة حُكم البشير. ورحبت الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي بالاتفاق ترحيبا مشوبا بالحذر.
غير أن الاتفاق قوبل بالرفض من جانب تحالف قوى الحرية والتغيير السياسي الذي كان يتقاسم السلطة مع الجيش وناشطين من أنصار الديمقراطية قادوا الاحتجاجات منذ انتفاضة 2019.
ويطالب الرافضون للاتفاق الذين أغضبهم الانقلاب وسقوط قتلى من المحتجين بابتعاد الجيش عن السياسة والسماح بمحاسبة العسكريين أمام القضاء مما يثير شبح استمرار المظاهرات.
ما أهمية الاتفاق؟
سيحدد مصير الاتفاق ميزان القوى في السودان الذي يبلغ عدد سكانه 46 مليون نسمة ومثلت انتفاضته الشعبية خروجا على حكم سلطوي وصراع داخلي وعزلة اقتصادية على مدار عشرات السنين في عهد البشير.
ضمنت حكومة حمدوك الموافقة على تخفيف أعباء ديون خارجية تتجاوز 56 مليار دولار وهي خطوة أثار الانقلاب الشكوك في تحققها. كما نفذت حكومته إصلاحات اقتصادية مؤلمة قال إنها بدأت تؤتي ثمارها وسط أزمات في السلع وفقر واسع النطاق.
ووافقت الحكومة على أن تخطو خطوات للاقتداء بدول عربية أخرى قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وسيكون لمسار السودان تأثير على المنطقة المضطربة المتاخمة لمنطقة الساحل والبحر الأحمر والقرن الأفريقي التي تتنافس قوى دولية على النفوذ فيها.
وقد أدى الصراع في إقليم تيجراي الإثيوبي إلى تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين على السودان قبل عام وجدد التوترات على الأراضي الزراعية على الحدود المتنازع عليها.
البرهان يثبت انقلابه في السودان بإعادة رئيس الوزراء معزولا إلى منصبه
بإعادته رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الى منصبه بعد شهر من الانقلاب الذي قاده ضده وضد شركائه المدنيين، يحاول قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان إرضاء المجتمع الدولي شكلا مع تثبيت هيمنة العسكر على المرحلة الانتقالية، وفق ما يقول محللون.
ويقول الباحث في مركز ريفت فالي إنستيتيوت مجدي الجيزولي "رئيس الوزراء وحلفاؤه استسلموا تماما" أمام الفريق أول البرهان الذي اعتقلهم في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي 2021، يوم إعلانه حل مؤسسات الحكم الانتقالي وإقصاء المدنيين من السلطة، قبل أن يعيد حمدوك إلى منزله ولكن قيد الإقامة الجبرية.
الأحد 21 / 11 / 2021، بعد قرابة شهر على الانقلاب، رفعت الإقامة الجبرية عن حمدوك الذي وقّع مع البرهان اتفاقا يقضي بعودته إلى رئاسة الحكومة ولكن كذلك بالقبول بالتشكيلة الجديدة لمجلس السيادة، السلطة الأعلى خلال المرحلة الانتقالية الذي استبعد منه قائد الجيش أربعة مدنيين يمثلون ائتلاف قوى الحرية والتغيير، التكتل السياسي المنبثق عن الانتفاضة التي أسقطت عمر البشير عام 2019، والمطالب بتسليم السلطة كاملة إلى المدنيين.
وأبقى البرهان على نفسه رئيسا لهذا المجلس وعلى نائبه محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب انتهاكات في دارفور.
ويقول الجيزولي لفرانس برس "هذا ما كان يريده الجيش منذ البداية"، متابعا "إنها ليست مفاجأة ولكنها ببساطة تضفي على الانقلاب وضعا طبيعيا، فيصبح الأمر الواقع الجديد".
ويتابع الباحث "لو أن حمدوك سلّم قبل 25 تشرين الأول/اكتوبر، كان يمكن تجنب الكثير من الخسائر" في الأرواح، في إشارة الى سقوط 41 قتيلا في قمع تظاهرات معارضة للانقلاب، وفقا للجنة الأطباء المركزية المؤيدة للمدنيين.
وراهن البرهان على الوقت في مواجهة مدنيين في السجن أو في الإقامة الجبرية، وتمكّن من التوصل الى "اتفاق يساعد على نسيان وقوع الانقلاب ويتيح للجيش أن يسترد أنفاسه"، وفق تحليل الخبيرة في الشؤون السودانية في مركز إنسايت ستراتيجي بارتنرز خلود خير.
ويوحي الاتفاق أن البرهان استجاب لكل مطالب المجتمع الدولي، ما يمكنّه من استعادة الدعم الذي كان مهددا بفقدانه. وشددت تلك المطالب على إعادة حمدوك الى منصبه، والإفراج عن القادة المحتجزين مع وعد بأن تكون هناك قريبا حكومة مدنية.
بالإضافة الى ذلك، تمكّن العسكريون الذين كانوا قبل الانقلاب يصطدمون برئيس وزراء يرفض الخضوع لهم، اليوم من تحويله هدفا للاحتجاجات الشعبية بدوره. فأصبحت الهتافات في الشوارع تنال من حمدوك وليس من البرهان فقط.
وتضيف خير "سيفقد (حمدوك) قريبا كل مصداقيته وسيكون معزولا أكثر"، وذلك بعد استبعاد قوى الحرية والتغيير من مجلس السيادة ومحو اسمهم من الوثيقة الدستورية التي وضعت بعد الانتفاضة التي أسقطت عمر البشير والتي وضعت أسس المرحلة الانتقالية والشركة بين المدنيين والعسكر في العام 2019.
وتؤكد خير أن "الحكومة الجديدة ستكون تحت رحمة الجيش تماما وتحت التهديد اليومي بانقلاب جديد".
ويعتقد الجيزولي من جهته أن حمدوك "سيكون ما يريد له الجيش أن يكونه، لأنه أيا كانت العقبات التي سيواجهها، لن يستطيع الاعتماد على قاعدة شعبية أو رافعة سياسية كما كانت الحال من قبل".
أما بالنسبة للقادة المدنيين الآخرين، "فأولئك الذين لا يريدهم الجيش سيلاحقون بالتأكيد في قضايا جنائية"، وهو ما ألمح اليه البرهان منذ اليوم الأول، بحسب الجيزولي.
وفضلا عن التخلص من المعارضة السياسية داخل مؤسسات الحكم التي أعاد تشكليها، استطاع البرهان أن يمحو من ترتيبات المرحلة الانتقالية المداورة في رئاسة مجلس السيادة.
ولم يعد واردا أن يسلّم العسكر رئاسة المجلس الى المدنيين، وهو ما كان يفترض أن يتم في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وهي خطوة استبقها الانقلاب بثلاثة أسابيع.
ويشير الجيزولي إلى أن البرهان "سيبقى على رأس مجلس السيادة حتى الانتخابات" عام 2023.
ولم يعد من عقبة أمامه إلا الشارع الذي ما زال يطالبه بـ"الرحيل"، علما بأن تظاهرات الأسابيع الماضية لم تكن تركز، وفق خلود خير، على عودة حمدوك، إنما على "انسحاب الجيش من السياسة".
وإذا كان "الشهر الذي انقضى أثبت فاعلية تضافر الضغوط الدولية والداخلية"، فإن "الوضع تغيّر الآن". وتخلص خير إلى أن "الشكوك الأساسية في الشارع بصدقية هذه الضغوط ستزداد، وكذلك عدم الاستقرار في السودان". رويترز ، أ ف ب 22 / 11 / 2021