مقدمات الفرار الأمريكي المخزي من أفغانستان
تحليل باحث باكستاني: مشكلة باكستان مع أمريكا لن تنتهي قريبا - بعد شهور من إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية الذي طال انتظاره من أفغانستان، غادرت آخر مجموعة من القوات كابول. وجرى تسهيل هذا الخروج الآمن من خلال ترتيب تم بالتعاون بين واشنطن وحركة طالبان الأفغانية، الجماعة التي اقتلعتها واشنطن في عام 2001 وحاربتها منذ ذلك الحين.
ويقول سيد على ضيا جافري، الباحث الباكستاني بمركز أبحاث الأمن، والاستراتيجية، والسياسة بجامعة لاهور، في تقرير نشره موقع مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، إن حقيقة مغادرة الولايات المتحدة أفغانستان تحت رحمة طالبان تعكس كيف فشلت أمريكا بشدة في منع الجماعة المتمردة من استعادة ما فقدته بسبب عملية الحرية الدائمة، وهو: السيطرة الكاملة على أفغانستان.
ويؤكد جافري أن كثيرين يرون أن فشل أمريكا الذريع في منع طالبان من الإقدام على العودة إلى حكم أفغانستان سببه تبنى باكستان الدائم والقوي للحركة. وأشار دانيال ماركي في مقال افتتاحي نشرته مجلة فورين أفيرز إلى أن "طالبان لم يكن بوسعها أن تكون موجودة اليوم بدون دعم باكستان لها". وما قاله ماركي ليس بجديد. وبالنسبة لواشنطن، أدت ازدواجية تعامل إسلام اباد إلى عرقلة جميع جهودها ومخططاتها بالنسبة لكابول. وأنكرت إسلام أباد، ولا تزال تنكر، هذه المزاعم. كما أنه يبدو أنها تغض الطرف عن محاولات اعتبارها مسؤولة عن الاضطرابات في أفغانستان.
نصيحة باكستانية للولايات المتحدة الأمريكية
ومن ناحية أخرى، شهد العقدان الماضيان مشكلة باكستان مع أمريكا. قد عجزت واشنطن عن التعامل مع سلسلة من المتاعب التي خلقتها لنفسها عندما فككت علاقاتها مع إسلام أباد. وأصبح ذلك مقدمة لفرارها المخزي من أفغانستان.
وهناك عوامل أدت إلى خلق مشكلة باكستان الدائمة مع أمريكا، ومن بينها أنه بعد هجمات 11 سبتمبر، أصبحت باكستان حليفا في الواجهة مستعدا في الحرب العالمية التي تقودها أمريكا ضد الإرهاب. وكان القرار باهظ التكاليف، لأن باكستان فقدت الكثير من الرجال والعتاد، وما زالت لم تتعافَ تماما من العواقب الوخيمة لمواجهة الإرهاب التي أعقبت ذلك. وكانت الفوضى في أفغانستان سببا مباشرا لما عانت منه باكستان.
ويقول جافري إن باكستان من جانبها حاولت إقناع أمريكا بعدم اجتياح أفغانستان، وعدم مواجهة طالبان والقاعدة معا، وأن تتواصل مع طالبان دبلوماسيا. ولكن أمريكا لم تستجب لذلك، رغم ما أبدته طالبان من انفتاح مبكرا. ولم تكتف واشنطن بالاستهزاء بنصيحة إسلام أباد، لكنها أيضا اعتبرت أن السبب في الأداء السلبي لسياستها التي تعتمد على الطابع العسكري هو الزعم بأن باكستان لا تفعل ما يكفي.
ويرى رئيس وزراء باكستان، عمران خان، أن اتهام أمريكا لبلاده بأنها تقوم بدور مزدوج، رغم التضحيات الغالية التي قدمتها في حرب لا علاقة لها بها، كان بمثابة أسوأ مرحلة في العلاقات الباكستانية الأمريكية.
وأصبحت مطالبة واشنطن لإسلام أباد بالمزيد، إلى جانب رفضها المستمر للنظر بجدية لخطة باكستان للسلام، حجر عثرة كبير في العلاقات الثنائية. ومع ذلك، فإنه على خلفية اتصالات على أعلى المستويات، وافقت واشنطن على المشاركة بجدية مع طالبان في عملية حوار كانت إسلام أباد وراء تسهيلها.
وأضاف جافري أنه رغم ترحيب إسلام أباد باتفاق الدوحة الذي تم توقيعه بين واشنطن وطالبان، فقد حذرت واشنطن من الانسحاب دون تحقيق تقدم بالنسبة لترسيخ تسوية سياسية شاملة في أفغانستان. ومع ذلك، فإنه بدلا من الاهتمام بالنصيحة العملية على ما يبدو، غادرت أمريكا على عجل. والأكثر من ذلك، هو أن المحاورين الأمريكيين يواصلون توقع أن تتحمل باكستان العبء الثقيل في أفغانستان بعد رحيل أمريكا.
عوامل وراء مشكلة باكستان الدائمة مع أمريكا
وكذلك من العوامل وراء مشكلة باكستان الدائمة مع أمريكا عدم احترام واشنطن لسيادة إسلام أباد، والذي اتضح من خلال الهجمات الجوية الأمريكية التي قتلت أسامة بن لادن في مدينة أبوت أباد الباكستانية، دون سابق تنسيق.
وحتى اليوم تفرض قضية السيادة نفسها على مواقف عمران خان السياسية تجاه أمريكا يضاف إلى ذلك علاقات واشنطن الاستراتيجية الحميمة مع نيودلهي. فقد ساعدت أمريكا الهند من خلال عدد كبير من الاتفاقات العسكرية، من بينها اتفاق نووي يقوض منع الانتشار النووي والأهداف المتعلقة بالاستقرار الاستراتيجي في المنطقة وغيرها. وترى باكستان أن هذه الخطوات تضر بمصداقية الولايات المتحدة وقدرتها على أن تكون وسيطا فعالا.
وهناك عامل آخر يضاف إلى العلاقات المعقدة بالفعل بين أمريكا وباكستان وهو شراكة باكستان الاستراتيجية المزدهرة مع الصين. فقد كان للتنافس بين أمريكا والصين تأثير على باكستان في ضوء إعراب أمريكا صراحة عن هواجسها إزاء الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. كما أن التوافق الصيني الباكستاني قد لا يسر أمريكا بسبب استعداد الدولتين للتواصل مع أفغانستان بقيادة طالبان، مما سوف يساعد في زيادة توسع ونفوذ الصين في المنطقة، وهو أمر لا يصب في مصلحة الأمن القومي الأمريكي، كما سوف تزداد أهمية باكستان باعتبارها أهم شريك للصين في المنطقة.
ويرى جافري أن كل ذلك، بالإضافة إلى عدم رغبة واشنطن في إعادة تقييم علاقاتها مع إسلام أباد، يعني أنه سيكون لديها الحرية في الضغط على باكستان في قضايا كثيرة، من بينها أمن وسلامة الأسلحة النووية الباكستانية، وإمكانية زيادة انتقادها لباكستان بالنسبة لما يزعم عن دعمها لجماعات إرهابية، وقمع حرية وسائل الإعلام. ومن الممكن أن تضغط واشنطن على باكستان ماليا من خلال التأثير على المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
واختتم جافري تقريره بالقول إنه رغم أن باكستان أعربت مرارا وتكرارا عن رغبتها في توسيع نطاق علاقاتها مع أمريكا، أدى نهج الأخيرة الواهن إلى تفاقم قلق باكستان فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية. ولم تتخذ واشنطن أي خطوات لتحقيق علاقات مستقرة مثمرة مع إسلام أباد، رغم سعى الأخيرة الدائم لتبديد أي انطباعات خاطئة وإعادة العلاقات إلى طبيعتها. ولكن باكستان لم تستطع تجنب الحواجز الهيكلية، والانحيازات الأمريكية في المواقف. وعلى هذا الأساس ليس من المرجح أن تنتهي مشكلة باكستان مع أمريكا في أي وقت قريب. [المصدر: د.ب.أ]
[embed:render:embedded:node:45648]