هكذا دفعت انتفاضة اليمن ثمنا باهظا لاندلاعها
هل كان شباب الثورة اليمنية يعتقدون أن الوضع في بلدهم، بعد عشر سنوات على اندلاع الثورة سيتحول إلى حرب شرسة بين متمردين سيطروا على العاصمة صنعاء وأوقفوا مسار الحوار الوطني، وبين حكومة معترف بها دوليا لكنها مسنودة بقوات أجنبية؟
هذه الحرب التي حولت اليمن إلى ساحة وَغَى أسفرت عن سقوط آلاف القتلى والجرحى. وهل كان أحد يتخيل أن يعيش حاليا 50 ألف يمني في ظروف شبيهة بالمجاعة و5 ملايين آخرين على بعد خطوة من هذا الوضع وأن يحتاج 80 بالمئة من السكان إلى مساعدات عاجلة بحسب تأكيدات أممية؟
كان شباب الثورة، بحسب تعبير يوسف عجلان، صحفي وأحد وجوهها، يتوقعون خيارين. الأول: "نجاح الثورة بإسقاط علي عبد الله صالح ونظامه والمضي نحو تحقيق مطالب الثورة بإنشاء دولة ذات سيادة مستتبة الأمن تكفل حقوق الجميع".
والثاني: "لجوء النظام إلى استخدام أسلحته في إذكاء حربٍ كما كان يقولها صالح (الصوملة) وتحويل اليمن إلى ساحة حرب تشمل كل مدينة وكل قرية ويصل إلى كل بيت وهو ما حدث لاحقاً ولكن بطريقة مختلفة بدعمه للمتمردين" الحوثيين، كما يقول عجلان لدويتشه فيله.
"المسؤولية لا يمكن تحميلها لشباب ثوري حالمين بالديمقراطية والحرية، المشكل هي القوى السياسية التي تواطأت لإعادة إنتاج نظام سيطرة جديد لتعويض النظام السابق" يقول ماجد المذحجي، المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية.
ويتحدث لدويتشه فيله عن أن المسؤولية مشتركة بين الأطراف الإقليمية والأطراف المحلية، فضلا عن "دور مخيّب" للأمم المتحدة في محاولة حلّ النزاع.
الانقسام - الشبح الذي يطل على اليمن
كان اليمينيون المتشبثون بحكومة هادي يرون فيها خياراً مؤقتاً لمرحلة انتقالية تعبر باليمن إلى شط الأمان، وجاء الدعم الخليجي للحكومة في البداية ليعزّز هذه النظرة.
لكن ما ظهر أنه جبهة لمواجهة الحوثيين، كان يخفي خلافاً عميقا بين مجلس انتقالي جنوبي مدعوم إماراتياً يشهر نواياه الانفصالية، وبين حكومة شرعية ضعيفة لا تزال تنتظر طرد الحوثيين من صنعاء لتعود إلى هناك.
وفي الوقت الذي تدخلت فيه الرياض رسمياً في الحرب لمنع تشكيل دولة حوثية مرتبطة بإيران على حدودها، وضعت أبو ظبي أهدافاً استراتيجية لتعزيز وجودها في جنوب اليمن.
لكن الأمر لا يقف عند حدود التلويح بعودة يمن شمالي وآخر جنوبي كما كان قبل عام 1990، فهناك تخوف من تفكك للدولة بين عدة قوى أهمها الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الرئيس هادي بمن في صفه حزب التجمع اليمني للإصلاح.
ويشير المذحجي إلى أن الأمر قد لا يتطوّر لدولة يمنية منقسمة رسمياً، لكن الأمر قد يستمر على شكل تفكك أكبر في الدولة، مشيراً إلى أن أحد الاحتمالات القائمة هو احتفاظ كل هذه القوى بنفوذها الجغرافي.
لكن الوضع لن يتحسن إذا استمر على ما هو عليه، بل سيزداد سوءاً، مبرزا أن "لا مصلحة لليمن في التقسيم كمحاولة لإنهاء الحرب، لأن البلد شهد قبل الوحدة ثلاثة حروب مباشرة والعديد من الصراعات أخرى".
من الثورة إلى الحرب
لا أحد سيحاجج أن مسار الثورة اليمنية كان الأكثر انزلاقاً نحو الدم بعد الثورة السورية، لكن المتابعون يُدركون أن هذا المسار الذي بدأ بانتفاضة شعبية واسعة ضد نظام علي عبد الله صالح: لم يكن للكثير من شباب الثورة يد في تطوره نحو الأسوأ، وتحديدا منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة في سبتمبر/أيلول 2014 بتعاون مع الرئيس المعزول صالح، في وقت كانت خارطة الطريق اليمنية التي وافقت عليها جلّ القوى تعدّ لدستور جديد وانتخابات رئاسية.
وتتحمل جماعة الحوثي نصيباً وافراً من المصير الذي وصل إليه اليمن، منذ انسحابها من الحوار الوطني الشامل، وسلكها مسار العمل المسلح ضد الحكومة، ومساهمتها في إقبار "اتفاق السلم والشراكة الوطنية" الذي وقعت عليه بعد الانقلاب، رغم أن مراقبين يرون أن الاتفاق كان في صالحها وأعطى مكاسب لتحركاتها العسكرية.بيدَ أنه مقابل الانقلاب وكذلك الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تمارسها جماعة أنصار الله، لا تظهر الجهة المقابلة بريئة، خصوصا بعد استنجاد حكومة هادي بالسعودية والإمارات لمحاربة الحوثيين، ليصير قرار الرئيس في يد الرياض، خاصة أنه يمارس سلطاته منها.
وكان إصرار الحكومة المعترف بها على الحل العسكري سببا آخر لتعميق الأزمة في البلد، ووقوع مجازر راح ضحيتها مدنيون نتجت عن غارات ما يعرف بـ"التحالف العربي".
غير أن هناك من يرجع "الإخفاق" إلى فترة اندلاع الانتفاضة، إذ يقول علي البخيتي، وهو ناشط يمني (عرف سابقاً ناطقا باسم الحوثي قبل انشقاقه عنهم)، إن حركات متعددة لا تؤمن بالشراكة استغلت حراك الشباب المطالب بالحرية والديمقراطية لمحاولة الصعود إلى الحكم، ومن هذه الأطراف الإخوان المسلمون (التجمع اليمني للإصلاح)، وكذلك جماعة الحوثي.
ويمضي البخيتي في القول لدويتشه فيله إن هناك أسبابًا معرفية لـ "الإخفاق" تعود إلى رغبة اليمنيين بالديمقراطية لكن دون القطع مع فكرة سيادة الشريعة الإسلامية وغياب الحرية.
وهناك سبب إقليمي يعود إلى دعم وجود القوى أطراف الأزمة، فـ"إيران تدعم الحوثيين، والإمارات تدعم السلفيين والانفصاليين الجنوبيين، وقطر تدعم الإخوان، والسعودية تدعم أطرافاً أخرى كحكومة هادي".
الحل للخروج من الأزمة
في الوقت الذي وصل فيه التحالف العربي ضد الحوثيين إلى طريق شبه مسدود ولم يحقق أهدافه بـ"إعادة الشرعية" [إلا جزئيا].
وفي ظل إدارة أمريكية جديدة معترضة على الحرب، أضحى التركيز العالمي على اليمن منصباً على وقف الأزمة الإنسانية أكثر من البحث عن حل سياسي ينهي الانقسام. ويؤكد المذحجي أن لا حل سهل في اليمن ولا يمكن الوصول إليه، إلا بتنازلات كبيرة من الأطراف المحلية والإقليمية الداعمة لها.
المعطى ذاته يعبّر عنه البخيتي عندما يقول إن الأزمة اليمنية عميقة خصوصاً أن المشاكل في البلد تعود إلى عقود طويلة، ويعتقد المتحدث أن الأطراف اليمنية الحالية ستبقى مسيطرة إلى أن تسقط شعاراتها ومظلوميتها، ومن "هذا الخراب قد يتبلور مشروع يمني وطني ضد الجماعات الدينية".
الحلّ المعقد في اليمن لم تنجح في بسطه أيّ وساطة، غير أن هناك من يعتبر أن حلّ الخلافات الإقليمية بين السعودية وإيران، والتوقف عن تغذية الانفصال في جنوب اليمن، والضغط الدبلوماسي على الحوثيين، أمور قد تقرّب أكثر الحل، بينما هناك من يرى أن الثورة اليمنية دفعت ثمناً باهظاً لاندلاعها في بيئة غير مستقرة يحكمها نظام مستعد لأيّ شيء للاستمرار، وحركات دينية إقصائية مسلحة ونوايا انفصالية وولاء عدة أطراف لقوى إقليمية.
"لا حل للأزمة اليمنية سوى بإنهاء انقلاب الحوثيين في الشمال والانتقالي الجنوبي في الجنوب واستعادة الدولة والعاصمة صنعاء كخطوة أولى" يقول عجلان.
ويضيف أنه يمكن لاحقاً "البدء بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي اتفق عليها جميع اليمنيين سياسيين ومواطنين بما يكفل إجراء انتخابات ديمقراطية رئاسية ونيابية ومحلية وتسليم السلطة".
إسماعيل عزام
حقوق النشر: دويتشه فيله 2021
[embed:render:embedded:node:43180]