وسيلة لإسكات المعارضين في الشرق الأوسط؟
اتسع نطاق الجرائم الإلكترونية في العالم وأصبحت تمثل تهديدا خطيرا للحكومات والأفراد والمؤسسات في كافة أنحاء العالم.
وفي محاولة لمكافحة هذه الجرائم، بدأت قرابة 80 بالمائة من دول العالم تنفيذ تشريع خاص بهذه النوعية من الجرائم، وفقا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
بيد أن العديد من بلدان الشرق الأوسط تمتلك تشريعات لمكافحة الجرائم الإلكترونية، لكنها تسيء استخدامها من أجل إسكات الأصوات المعارضة وكبح حرية التعبير في هذه المنطقة المضطربة من العالم.
وأحدث مثال على ذلك، هو ما أقدمت عليه الحكومة السورية من تعديل لقانون الجرائم الإلكترونية، حيث أصدر الرئيس بشار الأسد في أبريل / نيسان الماضي 2022 قانونا يقضي بإعادة تنظيم القواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية التي تضمنها المرسوم التشريعي رقم 17 للعام 2012.
لكن قانون الجريمة المعلوماتية رقم 20 لعام 2022 يستهدف المنتقدين، الذين ينشرون تعليقات أو مقالات على الإنترنت تعارض الرئيس السوري أو الدولة أو الدستور، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الانتقادات.
وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال بيرنهارد ماير، أستاذ القانون الدولي في جامعة كينغز كوليدج في لندن، إن "سوريا جرمت الخطاب الذي ينتشر عبر الإنترنت الذي يُقال إنه يقوض سلطة الحكومة في إطار الإضرار بهيبة الدولة، على سبيل المثال".
ولا يوضح القانون الكثير من جرائم الإنترنت، حيث يكتنف الأمر الكثير من الغموض، لكنه في المقابل يشدد العقوبات بشكل كبير، فقد ذكرت وكالة الأنباء السورية أن العقوبات تتراوح الآن بين السجن لمدة تصل إلى 15 عاما وغرامات تصل إلى 15 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل أكثر من 5900 دولار.
انتقادات من قبل منظمات حقوقية
بدوره، قال مركز الخليج لحقوق الإنسان إن القانون الجديد يحتوي على "مواد غامضة التعريف تنتهك الحق في حرية التعبير وتهدد الحقوق الرقمية والخصوصية على الإنترنت في سوريا".
وأضاف المركز في بيان: "لا شك أن هذه المادة مصممة بالكامل من أجل مصادرة الرأي الآخر تحت عناوين غير واضحة، فأي محتوى رقمي يمكن توجيه الاتهام إليه بأنه يؤدي إلى قلب أو تغيير نظام الحكم أو يشجع عليه".
ويرى مراقبون أن هذا القانون من شأنه أن يضفي الصبغة القانونية على حملات القمع في المستقبل داخل سوريا، التي ما زالت تئن تحت وطأة صراع مسلح وحرب أهلية مزقت أوصال البلاد وأدى إلى فرار الملايين منذ عام 2011.
مصر .. التستر وراء سيادة القانون
ولا يقتصر ذلك على سوريا بل انضمت مصر إلى الركب حيث بدأت الحكومة في استخدام أساليب مماثلة.
ففي مارس / آذار الماضي 2022، حكمت المحكمة الاقتصادية في محافظة الإسكندرية بمعاقبة مطربي المهرجانات حمو بيكا وعمر كمال بالحبس لمدة سنة ودفع غرامة 10 آلاف جنيه مصري بعد اتهامهما بالإخلال بالآداب.
وصدر الحكم بموجب قانون الجرائم الإلكترونية في قضية تتعلق بمقطع لأغنية شاركت فيها راقصة ونُشر على موقع يوتيوب فيما نددت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بالحكم لأنه "ينتهك حرية التعبير".
بدوره، قال بيرنهارد ماير، أستاذ القانون الدولي في جامعة كينغز كوليدج في لندن، إن الحكومات "باتت قادرة عبر تطبيق قوانين الجرائم الإلكترونية على المعارضين، على إدانة حرية التعبير تحت غطاء سيادة القانون".
وأضاف "لقد رأينا خلال موجات الربيع العربي أنه جرى استخدام منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك للتعبئة وحشد متظاهرين. ويمكن القول إن هذا النهج يعد أكثر فعالية من أشكال القمع التقليدية".
وبموجب تصديق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على "قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات" عام 2018، باتت السلطات تتمتع بصلاحيات وسلطات غير محدودة إلى حد ما من أجل الحد من حرية التعبير والآراء المعارضة.
كذلك زادت صلاحيات الحكومة المصرية بعد دخول "قانون المنظمات غير الحكومية" حيز التنفيذ في يناير / كانون الثاني الماضي 2022 الذي يُلزم الجمعيات والمنظمات العاملة أن تقدم طلب تسجيلها مما يسمح للحكومة بتعقبها وفحص عملها وتمويلها.
وقد دفع القانون "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" إلى إعلان تجميد نشاطها بعد 18 عاما من العمل.
يشار إلى أن مصر احتلت العام الماضي 2021 المرتبة الثالثة لـ "أكثر البلدان اعتقالا للصحفيين"، وفقا للتقرير السنوي الصادر عن لجنة حماية الصحافيين.
وبسجنها 25 صحفيا، جاءت مصر ثالثة بعد الصين وميانمار، حيث تعتقل السلطات في كلا البلدين 52 و26 صحافيا على التوالي.
وقبل سن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات عام 2018، كان يجرى اتهام الصحافيين بارتكاب جرائم تعادي الدولة، بيد أن لجنة حماية الصحافيين رأت ارتفاعا في توجيه الاتهامات في قضايا الجرائم الإلكترونية العام الماضي.
مصر.. مزيد من الرقابة على الانترنت
والسعودية.. أساليب جديدة
وفي هذا الإطار، كشفت السعودية عن بعض التحسينات، رغم أن هذا لا يشير بالضرورة إلى احترام السلطات لحرية الإعلام والصحافة إذ احتلت الرياض المركز الثامن في عام 2021 بعد أن كانت في المركز الرابع في تصنيف البلدان التي تسجن أكبر عدد من الصحافيين.
وتسعى الحكومة السعودية إلى تحديث البلاد في إطار "رؤية 2030". لكنها في المقابل ابتكرت أساليب أكثر تعقيدا لإسكات وسائل الإعلام المستقلة، بما في ذلك نشر التقارير المعارضة، إذ تعمل على حجب الإنترنت وزيادة المراقبة من خلال برامج التجسس العالية التقنية بدلا من اعتمادها على قانون مكافحة جرائم المعلوماتية لعام 2007، وفقا لما ذكرته لجنة حماية الصحافيين.
وشهد العام الماضي 2021 إفراج السلطات السعودية عن عشرة صحافيين لم تُجرَ إدانة أي منهم، وهو الأمر الذي أدى إلى تحسين تصنيف السعودية في مؤشر لجنة حماية الصحافيين.
لكن اللجنة قالت إن "التأثير المرعب" لواقعة مقتل الصحافي السعودي البارز جمال خاشقجي عام 2018 في القنصلية السعودية في إسطنبول لا يزال على الأرجح يسكت الأصوات المعارضة.
وترى منظمات حقوقية أن وجود عدد أقل من المعتقلين لا يعني بالضرورة إفساح السلطات السعودية المجال أمام نيل المزيد من الحريات في المملكة المحافظة.
وبرهنت على ذلك بقولها إنه رغم إطلاق سراح المدوّن والناشط السعودي رائف بدوي والناشطة البارزة في مجال حقوق المرأة لجين الهذلول العام الماضي 2021، فقد مُنع كلاهما من نشر آراء على وسائل التواصل الاجتماعي أو التواصل مع الصحافة الأجنبية.
ماذا عن الإمارات؟
وتعد الإمارات في طليعة الدول في المنطقة في استخدام قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية ضد المعارضين.
وفي هذا الصدد، غلّظ القانون رقم (2) لسنة 2006 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات والذي جرى تعديله في فبراير / شباط الماضي 2022، غرامات جرائم القرصنة وسرقة الهوية واللجان الإلكترونية والجرائم المرتبطة بالعملات المشفرة وحتى نشر شائعات والتقاط صور الغير دون إذنه.
وعلى وقع التشريع، دعت 15 منظمة حقوقية من بينها منظمة "منَا لحقوق الإنسان"، السلطات الإماراتية إلى إلغاء أو تعديل القانون باعتباره يرمي إلى الحد من حرية التعبير.
ولا يزال من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان التي بدأت هذا الشهر عملها في الإمارات، سوف تستجيب لهذه الدعوات أم لا.
ووفقا لوسائل إعلام إماراتية، فقد حدد مشروع قانون إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان "تسع صلاحيات رقابية وإرشادية لعمل الهيئة أبرزها تعزيز وحماية حقوق الإنسان في الدولة ونشر ثقافة حقوق الإنسان وتوعية أفراد المجتمع بها وتعزيز المساواة والقضاء على كل أشكال التمييز العنصري، وتلقي الشكاوى الفردية المتعلقة بحقوق الإنسان".
بيد أن مراقبين يرون أن الهيئة تفتقر إلى الاستقلالية. وعن ذلك، قالت كريس كوبيكا وهي متخصصة في الأمن السيبراني في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إنه يحدوها الأمل في أن تساعد الهيئة في حل "قضية المنشقين في الإمارات إذ يجب أن يكون الأمر أكثر من مجرد إنشاء موقع على شبكة الإنترنت، بل يجب أن يصاحب ذلك إنشاء استراتيجية تتسم بالشفافية ووفقا للمعايير الدولية".
وتقول منظمات حقوقية إنها ستراقب عن كثب الوضع الحقوقي في الإمارات والدور الذي سوف تقوم به الهيئة في معالجة قضايا حقوق الإنسان ولا سيما قضية المعتقل الإماراتي أحمد منصور.
البحث عن المعايير الدولية
جدير بالذكر أن اتفاقيـة بودابسـت لمكافحـة الجرائـم المعلوماتيـة، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2004 وجرى التصديق عليها فقط من قبل 65 دولة، كانت أول معاهدة دولية دعت لموائمة التشريعات الخاصة بمكافحة الجرائم الإلكترونية.
ومؤخرا وتحديدا في عام 2019، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار سيمهد الطريق أمام صياغة معاهدة دولية جديدة لمكافحة جرائم الإنترنت من أجل الضغط لسن تشريع يقضي "بوضع اتفاقية دولية شاملة لمكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض إجرامية".
وتم تقرير أن تُجرى مناقشات حيال الأمر في يونيو / حزيران 2022، بيد أن الكثير من القضايا لا تزال على المحك.
وحول ذلك، قال أستاذ القانون الدولي ماير إن قوانين الجرائم الإلكترونية أصبحت "تحتل الصدارة بعد أن باتت ساحة معارك بين حرية التعبير ومصالح الحكومات نظرا لتنامي انتشار الإنترنت".
ومن جانبها، تشكك الخبيرة في الأمن السيبراني كوبيكا في احتمالية أن يفضي إبرام معاهدة دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية إلى تحسين القوانين ذات الصلة في الشرق الأوسط.
وقالت "يساورني الشكوك في أن الاستشارات التي يقدمها الخبراء ستكون مفيدة وذلك بعد مراجعة سلوك الحكومات ولدي أيضا شكوك في أن هذه النصائح لن تكون فعالة؛ ما قد يسمح في نهاية المطاف بالإفلات من العقاب".
وفي هذا السياق، قالت منظمة "منَا لحقوق الإنسان" إن هذا الأمر قد ينطبق على الشرق الأوسط.
وأضافت "تمثيل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة الخبراء يعد محدودا، لذا يجب تمثيل المنطقة بشكل أفضل مع التركيز على الآثار البشرية المترتبة على الجرائم الإلكترونية".
جينفر هوليس
ترجمة: م ع
حقوق النشر: دويتشه فيله 2022
المزيد من المقالات التحليلية من موقع قنطرة