حقوق الإنسان في مصر: من الثورة المضادة إلى الترويج الدعائي
منذ شهرين تقريبا أعلن النظام المصري عن إطلاق ما يسمي بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، في الوقت الذي يعتقل النظام فيه أكثر من 65 ألف معتقل سياسي، من بينهم نشطاء سياسيين، ورئيس حزب سياسي شرعي ومرشح رئاسي سابق مثل عبد المنعم أبو الفتوح.
إطلاق هذه الاستراتيجية في هذا التوقيت ليس أكثر من مناورة حتى يتم دفع المعونة الأمريكية التي تم تجميد جزء منها، وبالتالي يستطيع النظام أن يستثمر المزيد من الوقت لتجنب الانتقادات الأمريكية. تزامن إطلاق هذه الاستراتيجية مع بروباجاندا إعلامية واسعة تروج للاستراتيجية على أنها تمثل رؤية النظام لحل أزمة حقوق الإنسان في مصر، مع أن حل أزمة حقوق الإنسان في مصر لا يتطلب سوي الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإلغاء القوانين الاستثنائية وقوانين الإرهاب والقوانين المقيدة للصحافة وحرية التعبير إلى جانب إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية.
يعتبر سجل حقوق الإنسان للنظام المصري من أسوء السجلات الموجودة في العالم، ففي الوقت الذي يبلغ فيه عدد سكان دولة قمعية مثل روسيا 140 مليون نسمة، تحت قيادة رجل المخابرات الروسي فلاديمير بوتن، ليس بها سوي 400 معتقل سياسي، بينما مصر التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون تحت قيادة رجل المخابرات عبد الفتاح السيسي، بها حوالي 65 ألف معتقل، وهو ما يوضح بشاعة وضع حقوق الإنسان في مصر. مناورة إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان يذكرنا بالمناورات التي تمت أثناء الانتفاضة الثورية في يناير وفي المراحل التي تلتها، ويذكرنا بالاستراتيجيات التي اتبعتها الثورة المضادة لاحتواء الانتفاضة الثورية وتمزيقها.
"المؤسسات القمعية هي المسئولة عن تطبيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"
1ـ من الاستراتيجيات التي درجت عليها الثورة المضادة أثناء الفترة الانتقالية هو اللعب علي الوقت من أجل أن يفقد الناس الأمل في إحداث أي تغيير، وهي استراتيجية يتمتع بها النظام المصري، ونجد نفس الأمر يتم اتباعه في قضية الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، حيث يقوم النظام باستخدام نظام المناورة واستثمار الوقت من أجل إماتة القضية، وهي نفس الطريقة المتبعة مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، حيث إنها ليست أكثر من مناورة لتمرير وقت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، وتفويت الفرص عليها لممارسة أي ضغوط علي النظام المصري، وهي استراتيجية ناجحة حتي الآن.
.@StateDeptSpox: The United States is concerned by continued detentions, indictments, and harassment of Egyptian civil society leaders, academics, and journalists, including the indictment of the Director General of the Egyptian Initiative for Personal Rights, Hossam Bahgat. pic.twitter.com/XPTLlgAn67
— Department of State (@StateDept) July 14, 2021
2ـ كانت الثورة المضادة تدرك أهمية المؤسسات الأمنية لها، لذا قامت بالإبقاء على المؤسسات القديمة، وعدم تطهيرها، وحاولت تقديم طرق إصلاحية دون المساس بجوهر بنيتها الداخلية أو آليات عملها، في محاولة جادة لاستنساخ النظام وإعادة إنتاجه بما يسمح للنظام المستنسخ بالهيمنة مرة أخري وسيطرته على الحكم مجددا، فقد حدث ذلك في العديد من الثورات العالمية. فمن يحكم روسيا الآن هو جهاز المخابرات الروسية KGB، وكذلك الحال بالنسبة لرومانيا بعد عودة نظام شاوشيسكو إلى الحكم مرة أخري وما قام به من تصفية للثورة والثوار. وبالنظر إلى تلك المؤسسات الأمنية نجد أنها هي المسئولة الآن عن تطبيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وبالتالي المحصلة النهائية صفرية لا قيمة لها، لأن جوهرها وتركيبتها الحالية معادية لحقوق الإنسان. وهذا يجعلنا
3ـ من بين الاستراتيجيات التي دأبت على تطبيقها الثورة المضادة هي اللعب على مساحات الاختلاف وشق الصف بين القوي والجماعات السياسية المختلفة، لذا أثناء الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط مبارك، تم اللعب على مساحات الاختلاف بين الثوار أنفسهم من خلال عمليات الاستقطاب والاستدراج، وإشعال حرب تمويلية في التدليل على فقدان السيادة على إدارة المشهد، وكذلك المؤسسات والشخصيات التي كانت تحسب في المشهد الإعلامي بوقوفها ضد ممارسات النظام السابق، فيما يمكن أن نسميه " فلول المعارضة".
نفس الطريقة تم تطبيقها الآن عند الإعلان عن استراتيجية النظام لحقوق الإنسان من أجل شق صف الحقوقيين المصريين، وهنا أقصد بالتحديد الحقوقيين المعروفين بانتقادهم لأداء النظام وسجله فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
"من شارك ونظم الثورة المضادة في مصر لن يكون قادرا علي تحسين أوضاع حقوق الإنسان"
4ـ أثناء الفترة الانتقالية قامت الثورة المضادة باستثمار المزيد من الوقت لكي تنشأ القوة الليبرالية الجديدة وتأخذ مساحة أكبر في الساحة السياسية، وهي قوة معروف أنها تعمل تحت مظلة أمريكية وغربية، وتتجلي تلك الأمور من خلال التمويلات المختلفة لفرض الهيمنة في توجيه عمل القوي السياسية والحزبية الجديدة، وكذلك دعم العديد من الأحزاب الناشئة، أو إنشاء أحزاب سياسية وتمويلها من أجل تحقيق أهداف الثورة المضادة. نفس الاستراتيجية تم تطبيقها حينما قام النظام بتدجين عدد من الأفراد العاملين في المجال الحقوقي واستقطابهم، وإنشاء منظمات حقوقية لهم تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، وفي الواقع مهمتها الرئيسية هي الدفاع عن انتهاكات النظام، وقد تم تعيين عدد منهم في المجلس القومي لحقوق الإنسان، كل هذا حدث قبيل الإعلان عن استراتيجية النظام لحقوق الإنسان.
5ـ لا يفوّت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أي فرصة أو مناسبة إلا ويقوم بشن الهجوم على الانتفاضة الثورية في يناير، واتهامها بأنها المسئولة عن الاضطرابات وتراجع الاقتصاد والفراغ الأمني الذي حدث من قبل، وآثاره الممتدة حتى اليوم، حتى أثناء تدشين الاحتفال بالإعلان عن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان لم يضيع السيسي الفرصة لشن الهجوم علي الانتفاضة الثورية في يناير.
هذه الطريقة التي يقوم بها الرئيس المصري تذكرنا كيف قامت الثورة المضادة باستعداء الشارع على الثورة وحشد الأغلبية الصامتة ضدها، وقد تمثل ذلك في أمرين: إحداث فراغ أمني في الشارع والترويج لأكذوبة انهيار الشرطة، وإلقاء المسئولية على الثورة والثوار، وهو ما أثبتت التجربة فشله وبيان كذبه. وهي نفس الطريقة التي يتم اتباعها حينما يقوم النظام المصري باتهام المعتقلين بأنهم يسعون لتقويض النظام ونشر الفوضى وزعزعة استقرار الدولة.
الناظر إلي المشهد السياسي المصري يجد أن الثورة المضادة التي أدارت المشهد السياسي أثناء الفترة الانتقالية هي نفس المجموعة التي تدير المشهد حاليا، وتتبع نفس الاستراتيجيات، لكنها ما لا تدركه هذه المجموعة أن المعادلة بمرور الوقت تتغير فخسائرها أصبحت متراكمة. كما أنها أصبحت تعاني من الإفلاس ولا تستطيع تقديم شيء جديد، فهي تقوم باستنساخ نفسها وتجاربها من أجل مد أجلها في السلطة.
والواقع يقول أن من كان جزء من الثورة المضادة وارتكب كل انتهاكات حقوق الإنسان باسمها، لن يكون قادرا علي تحسين أوضاع حقوق الإنسان.
حقوق النشر: موقع قنطرة 2021
تقادم الخطيب، باحث مصري حصل على الدكتوراة من جامعتي برينستون وبرلين، ومسؤول الاتصال السياسي سابقا بالجمعية الوطنية للتغيير في مصر وهو محلل سياسي وكاتب بعدد من الصحف العربية والاجنبية.
اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة
الأنظمة العربية.... من مشاريع قومية الى مزارع عائلية
الثورات المضادة أحدثت انتكاسة هائلة في العالم العربي
عودة مصر إلى العسكريتاريا الشعبوية: مصر من ثورة يناير إلى الإخوان ثم السيسي