السلطة الفلسطينية في رام الله تستنسخ نموذج السلطوية العربية الفاشلة
إلى الآن لم يُبتّ الأمر بأمر المواقع المحجوبة، كما أفاد أحمد يوسف، المحرر في "إلترا فلسطين"، بل أحالت محكمة الصلح المادة رقم 39 الموجبة للحجب في قانون الجرائم الإلكترونية إلى المحكمة الدستورية باعتبارها مادة "يوجد فيها شبهة عدم الدستورية والقانونية"، وفق محاميي نقابة الصحافيين الفلسطينيين، كما أفاد المحاميون عدم وجود مبررات للحجب.
يعني ذلك مبدئياً أن المادة 39 "معطلة" ولا تستطيع "النيابة العامة إصدار أي قرار حجب لأي موقع" خلال فترة تعطيلها"، وهي المادة التي تعطي صلاحيات واسعة للنيابة بإصدار قرارات الحجب وتمريرها للمحكمة دون استطاعة الأفراد أو المؤسسات الطعن فيها وفق حقهم الدستوري.
عُرف يوم الحجب ذاك بـ"التاريخ الأسود" للصحافة الفلسطينية، وهو استمرار لحملة حجب المواقع، التي تنفذها حكومة السلطة في رام الله التي قامت للمرة الأولى بحجب مواقع قبل صدور قرار القانون وبعده وصلت إلى 30 موقعاً عام 2017 ، فضلاً عن محاكمات الصحافيين والصحافيات التي دخلت الحيز الفلسطيني منذ2017 .
لقد أفضى الفراغ السياسي وتعطل المجلس التشريعي إلى تفرد السلطة الفلسطينية في إصدار القوانين وفرض نموذجها السلطوي. كما أن سياسات موقع "فيسبوك" الذي تخلّى عن هويته بكونه "موقع اجتماعي"، وتورطه مع السياسيين في العالم، وفي ظل "تغير قيمه وأحكامه بانتظام حول مختلف الخطابات في العالم" يمكن أن يوافق على حظر الصفحات التي طالبت السلطة بحجبها.
في الحوار التالي يتحدث مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، عمار دويك، لموقع "قنطرة" حول قرار الحجب وأسبابه والإشكاليات، التي لا يزال قانون "الجرائم الإلكترونية" لسنة 2018 يحملها رغم تعديل بعض مواده التي جاءت في مذكرة 2017، وكيف تحولّ قانون يخص "المعاملات الإلكترونية" إلى قانون "جرائم إلكترونية".
بداية سننطلق من حادثة حجب المواقع والصفحات الـ"فيسبوكية" الأخيرة... ماذا تنتظر هذه المواقع بعد حظرها؟
عمار دويك: ستبقى هذه المواقع محظورة لمدة 6 أشهر، ما لم تقرر المحكمة الدستورية عدم دستورية المادة 39 من قانون الجرائم الالكترونية التي طعنا في دستوريتها أمام المحكمة، والتي تم الاستناد إليها في الحظر. من الناحية العملية، بعض المواقع المحظورة هي صفحات على موقع فيسبوك، وبالتالي لا يمكن تنفيذ قرار الحظر دون تعاون إدارة فيسبوك".
وماذا يعني أن ينتقل قرار البتّ في قضية الحجب إلى المحكمة الدستورية؟ ومتى ستبت بالأمر؟
عمار دويك: للأسف لا يوجد إطار زمني أمام المحكمة للبت في قرار الحجب. لكننا قدمنا طلب استعجال للمحكمة، ونأمل أن تنظر المحكمة في الموضوع بشكل عاجل دون تأخير. إحالة الموضوع إلى المحكمة يعني أن محكمة الصلح التي نظرت في الاعتراض على قرار الحجب رأت ان هناك شبهة في عدم دستورية المادة 39 التي تم الاستناد إليها في الحجب وأحالت الموضوع الى المحكمة الدستورية لتقرر في شأنها.
يفيد محامو الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، الذي وقفوا من أجل هذه القضية أن "لا مبررات" للحجب وأن "البيّنات التي قدمتها النيابة العامة عبارة عن صور وعن آراء لأشخاص شاركوا بمقالات خاصة عبر هذه المواقع".... هل نحن أمام هزالة قانونية؟
عمار دويك: أعتقد أن قرار المنع هو قرار له باعث سياسي بالدرجة الأولى كون أغلب المواقع المحظورة هي مواقع تدار أو تمول من جهات معارضة وأغلب هذه المواقع تنتقد سياسات ومواقف مسؤولين في السلطة الفلسطينية، أو تبث أخباراً تسيء إلى الأجهزة الرسمية في السلطة الفلسطينية، وهذا ظهر واضحا في البينات التي قدمتها النيابة.
ما الملاحظات التي تسجلها الهيئة على مستوى حقوق الإنسان والصحافيين بعد عمليات الحجب المتتالية في فلسطين؟
عمار دويك: الحجب يتضمن مخالفات جسيمة لحقوق الانسان في مجال حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات، وأيضا في مجال الحق في حرية التعبير وحرية العمل الصحفي. كما أن الحجب المتتالي يخلق بيئة الرقابة الذاتية. هناك أثر آخر للحجب على الاقتصاد الوطني، حيث أن المواطن الفلسطيني المقيم في الضفة الغربية بإمكانه شراء شرائح اتصال إسرائيلية وبالتالي يستطيع استخدام شبكة الانترنت الاسرائيلية ويتجاوز الحظر، وهذا يضر بعمل شركات الاتصال الفلسطينية. كذلك قد يؤثر الحجب على عمل بعض الصحفيين الذي قد يخسرون وظائفهم في بعض المواقع التي تم حجبها.
لنعود إلى المذكرة القانونية التي أصدرتها الهيئة بشأن قرار بقانون رقم 16 لسنة 2017 بشأن القانون وذكرتم أنكم كنتم مطلعين على "محاضر اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ 20/06/2017، ولم تلحظ قراره بتنسيب القرار بقانون المذكور وإحالته إلى السيد الرئيس للمصادقة عليه، بل كان المحضر يشمل تنسيب قانون المعاملات الالكترونية وليس الجرائم الالكترونية، ومن هنا قد يلمس وجود تضليل متعمد فيما يتعلق بتنسيب القرار بقانون بشأن الجرائم الالكترونية، ولاحقاً المصادقة عليه ونشره في الوقائع الفلسطينية.
عمار دويك: صحيح، عندما صدر قرار بقانون الجرائم الالكترونية لسنة 2017 كان هناك تعتيم كبير على إصداره بهدف تمريره دون أية معيقات أو اعتراضات من المجتمع المدني ونقابة الصحفيين. لكن بعد صدور القرار كان حجم المعارضة كبيرا جدا له لدرجة ان الحكومة اضطرت الى التراجع عنه وإصدار قانون جرائم الكترونية جديد في سنة 2018. والقانون الجديد أفضل بكثير من قانون 2017 لكن سجلنا عليه عدد من التحفظات في حين صدوره، كان من ضمنها التحفظ على المادة 39 التي استندت اليها النيابة في طلب الحجب.
كيف تحوّل برأيكم قانون المعاملات الإلكترونية إلى قانون للجرائم الإلكترونية؟ ومن برأيكم حوّل الأمر ومارس التضليل المتعمّد؟ وهل كنتم مطلعين على قانون المعاملات الإلكترونية.. وماذا يعني هذا القانون؟ ولماذا لم تطالب الهيئة بفتح تحقيق يتعلق بهذا التضليل؟
عمار دويك: لقد صدر بالفعل قانون المعاملات الالكترونية وهي مختلف عن الجرائم الالكترونية من حيث الموضوع، لكن كان من الواضح أن هناك تعتيم متعمد على قانون الجرائم الالكترونية. بشكل عام تواجهنا مشكلة في موضوع القرارات بقوانين التي تصدر عن الرئيس والعديد منها يصدر دون مشاورات مع الجهات ذات العلاقة وأحيانا تصدر ونتفاجأ بها بعد صدورها كما جرى مع قانون الجرائم الالكترونية.
ذكرتم أيضاً أن أمر الحجب كان قبل صدور القانون!؟
عمار دويك: الحجب ليس جديدا. فقد سبق حجب عدد من المواقع في سنة 2010 لكن الحكومة تراجعت وأعلن وزير الاتصالات في حينه أن الحكومة لن تحجب أية مواقع، لكن موضوع الحجب عاد في 2017 قبل صدور قرار بقانون الجرائم الالكترونية، وجاء القرار بقانون ليشرعن عملية الحجب ويقننها، ووزارة الاتصالات غائبة وموقفها سلبي.
تشيرون إلى طرح مشروع "قرار بقانون" من طرف النائب العام مما أثار مخالفات.. أرجو توضيح المخالفات؟ وهل يعني أن القانون أساساً طرحه النائب العام وليس وزارة العدل أو غيرها؟
عمار دويك: في سنة 2017 الذي أعد القرار بقانون هو النائب العام وشارك وزير العدل فيه في وقت لاحق، لكن المحكمة تبنته ونسبته الى الرئيس للمصادقة. وبعد الاعتراضات الكبيرة على القانون وتراجع الحكومة وإصدار قانون جديد في 2018 أيضا شارك النائب العام ووزير العدل في مفاوضات تعديل القانون مع المجتمع المدني ونقابة الصحفيين.
رغم تعديل القانون إلا أنّ صلاحيات النائب العام ما زالت قوية في ملاحقة الجرائم الالكترونية والتفتيش في الأجهزة الالكترونية وفي مراقبة الاتصالات وحجب المواقع الالكترونية. هل نحن أمام قانون "أمني"؟ ولماذا لم ترفض المؤسسات هذا القانون كلياً إن صح التعبير؟
عمار دويك: قانون 2018 تجاوز العديد من الاشكاليات الواردة في قانون 2017 خاصة في الشق الموضوع المتعلق بتجريم العديد من الأفعال بصيغ عامة وفضفاضة خاصة المادة 39 الذي استندت إليه النيابة في الحجب، حيث تم التراجع عن هذه الصيغ واستبدالها بصيغ أخرى أكثر وضوحا، وبقيت هناك صلاحيات واسعة للنيابة في موضوع التفتيش والملاحقة وهو ما سجلنا عليه ملاحظات وتحفظات في حينه.
نحن لا نرفض القانون بالجملة لأن فيه العديد من القضايا المهمة والتي تحمي المجتمع من الجرائم الالكترونية مثل الابتزاز الالكتروني او سرقة البيانات والدخول غير المرخص والقرصنة وغيرها من الجرائم الالكترونية، ونحن نعتقد أننا في فلسطين بحاجة الى قانون جرائم الكترونية وهو حاجة مجتمعية، لكن نحن مع تعديل عدد من المواد في قانون 2018 حتى يكون قانونا متوائما مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان التي انضمت إليها فلسطين، واعتراضنا على المواد التي تمسّ العمل الصحفي.
تتعارض مواد القانون تعارضاً واضحاً، ما بين المادة (٢١) التي تكفل حرية الرأي والتعبير، وبين المادة (٣٩) التي تعطي صلاحية للنائب العام بحجب المواقع دون إبلاغ أصحابها تناقض صريح.. والحقيقة أن حرية الرأي تضيع بين المواد الكثيرة التي تتبين بأنها مواد جنائية أكثر من كونها حماية للحرية الإلكترونية.. هل نعتبر القانون جنائي أكثر منه حماية؟
عمار دويك: هو طبعا قانون جنائي لانه يتعلق بالجرائم الالكترونية، لكن تم ادخال بعض المواد فيه التي تمس بحرية الرأي والتعبير تحت غطاء محاربة الجرائم الالكترونية.
دخلت إلى الواقع الفلسطيني مصطلحات جديدة من قبيل، "الأمن القومي"، "السلم الأهلي"، "سلامة الدولة" بدخول القانون.. ماذا تعني فعلاً؟ ويبدو جليّاً أن القانون لا يتناسب مع الواقع الفلسطيني ويبدو أنه نُسخ من تجارب عربية لديها أنظمة ودول حقيقية... ما رأيكم؟
عمار دويك: القانون متأثر كثيرا بعدد من التشريعات العربية، وأيضا بالاتفاقية العربية لمحاربة الجريمة الالكترونية، والعبارات الفضافضة بالتأكيد تفتح المجال للاستغلال والتسييس والتوسع في التجريم.
وعدت حكومة د.اشتية أنها ستحمي الصحافيين وحرية الصحافة، لكن إلى الآن لم تتحرك بقضية الحجب. هل الحكومة غير قادرة على التدخل بقرارات النائب العام؟
عمار دويك: نحن خاطبنا الحكومة وطالبنا منها تعديل المادة 39 ونعتقد أن بإمكان الحكومة عمل شيء لمواجهة الحجب.
هل الهيئة تخطط لإعادة صياغة القانون مجدداً بنصوص واضحة وتناسب المجتمع الفلسطيني؟
عمار دويك: نحن قدمنا مذكرة قانونية لمجلس الوزراء تتضمن ملاحظاتنا على القانون وطالبنا باستبدال المواد المثيرة للجدل أو المواد التي تخالف مبادئ حقوق الانسان، ونحن على استعداد للمشاركة بأية لجان لإعادة الصياغة.
وصال الشيخ
حقوق النشر: موقع قنطرة 2019
المزيد من مقالات موقع قنطرة
انتخابات جديدة في إسرائيل والديموقراطية الفلسطينية تراوح مكانها
الغاية تبرر الوسيلة - شعار بنيامين نتنياهو للفوز بالانتخابات الإسرائيلية
"أرخبيل" فلسطين: يرى إيلان بابيه أن "على الأرض لا يبدو حل الدولتين واقعياً منذ عام 2000 أو حتى قبله
حوار مع مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية خليل الشقاقي