سلطوية مودي تهدد باندثار أكبر ديمقراطية؟
تصف "وحدة الاستخبارات الاقتصادية" في لندن الهندَ بـ "ديمقراطية تشوبها عيوب". وفي السياق ذاته، فإنّ تقرير فريدم هاوس السنوي، الذي يقيّم حالة الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، يدرج الهند في فئة "حرة جزئياً".
بدأت الأمور تتدهور منذ أن تولى حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الذي يتزعمه ناريندرا مودي السلطة في عام 2014. وفاز بنسبة ساحقة في البرلمان، عند فوز التحالف الديمقراطي الوطني الذي يضم 10 أحزاب أهمها بهاراتيا جاناتا بنحو 40% من الأصوات. وتكرّر ذلك في انتخابات عام 2019.
وينتشر في الهند نمط مقلق يتمثّلُ في إسكات الناس الذين يتجرؤون على انتقاد الحكومة وأنصارها. ولنأخذ مثالا على ذلك حوادث العنف المرتبط بالدين في ولاية تريبورا الصغيرة، شمال شرقي الهند، في 23 تشرين الأول/أكتوبر من عام 2021.
في تلك الحوادث طاردت حشود متطرّفة المسلمين في مشاهد تشبه المذابح، مدّعية أنّها تنتقم لأعمال مماثلة نُفِّذت ضد الهندوس في بنغلادش المجاورة. الشرطة حقَّقت مع حوالي 100 شخص تحدّثوا ضد الحشود الهندية في تريبورا على وسائل التواصل الاجتماعي. والتهمة هي انتهاكهم قانون (منع) الأنشطة غير المشروعة التعسفي.
هل الهندوس فقط هم الهنود الحقيقيون؟
بالرغم من دستور الهند العلماني، يزعم المتطرفون الهندوس بأنّ أتباع دينهم فقط، هم الهنود الحقيقيون. منذ عامين، كانت هناك حركة اجتماعية واسعة النطاق تعارض قانون الجنسية الذي يميّز ضد المسلمين. وكان مركز الحركة في شاهين باغ، أحد أحياء دلهي. وقد عارضت الحركةُ عنف الشرطة، وطالبت بالحصول على الوظائف وبحماية أفضل للنساء.
هاجمت دعاية الحكومة هذه الحملة اللاعنفية واعتبرتها تمرداً خطيراً، بينما كانت هي في الحقيقة تدافع عن الدستور. انتهت الحركة في شباط/فبراير من عام 2020 مع الإغلاق الناتج عن وباء كورونا، بعد أنّ هزّ العنف الطائفي أجزاء من دلهي. إذ أُحرِقت المساجدُ ومات من المسلمين أكثر من ضعف عدد الذين ماتوا من الهندوس. وذلك كما حدث في تريبورا، فقد أفلت مرتكبو أعمال العنف ضد المسلمين من العقاب إلى حد كبير، بينما العديد من الذين دعموا الاحتجاجات المؤيدة للعلمانية اتُّهِموا بانتهاك قانون (منع) الأنشطة غير المشروعة.
في أوائل عام 2021، اندلعت حركة احتجاجية أخرى. فقد عارض المزارعون بشدة خطط الحكومةِ للسماح بأن توجّه قوى السوق الزراعةَ. وتحت هذا الضغط سُحِبت الخطط في تشرين الثاني/أكتوبر، ولكن عندما اكتسبت الاحتجاجات زخماً، لجأت الحكومة إلى القمع وأثارت اشتباكات عنيفة. كان العديد من المتظاهرين ينتمون إلى طائفة السيخ، وليسوا هندوساً، وقد استُهدِفوا على وجه الخصوص.
انتشار الكراهية ضد الأقليات على وسائل التواصل الاجتماعي
في العام الماضي، طُلِبَ من تويتر حظر حسابات تدعم المزارعين، زعمت الحكومة أنها كانت تحرّض على الفوضى العامة. وأُقنِع تويتر وفيسبوك بإغلاق ملايين الحسابات بسبب ما اعتُبِر جرائم من هذا النوع. بيد أنّ الكراهية ضد الأقليات تستمر بالانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي من دون أن تتدخّل السلطات التي يديرها حزب بهاراتيا جاناتا. وأصبح إغلاق خدمات الإنترنت أثناء الاحتجاجات أمراً طبيعياً. أما في كشمير فتقتصر إمكانية دخول الإنترنت على مواقع إلكترونية معينة توافق عليها الحكومة، وذلك بصورة دائمة. وفي عام 2019، حلّت حكومة مودي ما شكّل حتى ذلك الحين الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في البلاد ومن ثم أغلقت خدمات الإنترنت بشكل كامل لعدة أشهر.
ووفقاً للأرقام الرسمية اُعتُقِل وسُجِن أكثر من 8300 شخص خلال السنوات الخمس الماضية، ومن ضمنهم رجال دين وأساتذة وشعراء وطلاب ومحامون وصحفيون وكوميديون. حتى المحاكم وصفت ذلك بإساءة استخدام السلطة. وقد يكون الضحية الأبرز هو ستان سوامي، وهو رجل دين كاثوليكي وناشط في مجال حقوق القبائل الأصلية (الاديفاسي) ومصاب بمرض باركنسون. فقد توفي وهو رهن الاعتقال بتهمة الإرهاب في حزيران/يونيو من عام 2021.
تُستخدم قوانين مختلفة لمهاجمة منتقدي الحكومة. وحتى وسائل الإعلام العريقة مثل صحيفة داينيك بهاسكَر، وهي صحيفة يومية يزيد تداولها عن 4.5 مليون، معرضة للهجوم. فبعد أن فضحت مساعي الحكومة لإخفاء العدد الحقيقي للوفيات الناتجة عن كورونا، ها هي تُلاحَقُ من قبل محققي الضرائب. إضافةً إلى ذلك، لم يعد لمنظمة العفو الدولية ولهيومن رايتس ووتش مكاتب في الهند.
ميرا ماندال
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: مجلة التعاون والتنمية / موقع قنطرة 2022