انقلاب ناريندرا مودي على مفكري الهند الأحرار
"أدبٌ مشبوهٌ"، بهذه الطريقة وصفت وكالةُ التحقيقات الوطنيةِ في الهندِ المنشورات التي يمتلكها الدكتور [المسلم] هاني بابو. وقد تضمنت هذه المنشوراتُ، التي يُفترَضُ أنها خطيرة، نصوصاً أكاديميةً مثل دراسة تاريخية للنظامِ الطبقي في الهند ودراسة سوسيولوجية عن الانتفاضاتِ الريفيةِ ضدّ مصادرةِ الأراضي ومشاريع تنموية في الهندِ. وقد اعتُقِلَ الرجلُ البالغُ من العمر 54 عاماً، وهو أستاذ مساعدٌ في قسم اللغةِ الإنكليزيةِ في جامعةِ دلهي، في تموز/يوليو من عام 2020 للاشتباهِ في "ترويجِ أنشطة ناكسالية والأيديولوجية الماوية".
وفي اللغةِ الحاليةِ التي تستخدمها الحكومةُ الهنديةُ، فإنّ مصطلح "ناكسال" والصيغة الأخرى منه "ناكسال الحضري" يعني ضمناً عضويةَ حزبٍ شيوعي محظورٍ، بيد أنه يُستخدَمُ بشكلٍ واسعٍ لوصفِ أي شخصٍ -يجرؤ على مساءلةِ الدولةِ- بأنّه عدو داخلي، لتبريرِ سجنه وبالتالي تأجيج مناخٍ من الخوفِ.
داهمت وكالةُ التحقيقات الوطنيةِ المناهضة للإرهاب، التي تأسّست في عام 2009، شقةَ بابو من دون إذن قضائي، وصادرت حاسوبه المحمول ومحركات أقراصه الصلبة وهاتفه المحمول والمنشورات "المشبوهة" المذكورة سابقاً. كما احتُجِزت ابنته وزوجته في البدايةِ في المنزلِ أثناء المداهمةِ من دون إمكانيةِ الوصولِ إلى محامي.
اتُّهِمَ بابو، من بين أمورٍ أخرى، باشتراكه في حملةٍ لإطلاقِ سراحِ ج.ن. سايبابا، وهو أكاديمي يعاني من إعاقاتٍ جسديةٍ حادةٍ ويقبعُ في السجنِ منذ عام 2014. ولم تؤدِ الإشارة إلى الأكاذيب الصريحةِ والأخطاء والتناقضاتِ العديدة في التهمِ إلى أي عفو قانوني عنه حتى هذا الوقت.
السجنُ في زمنِ الوباء
وهاني بابو واحد من عشراتِ الأكاديميين والمفكرين والكتاب والصحفيين والمحامين وقادة المجتمع الهنود الذين اعتُقِلوا في الهندِ في الآونةِ الأخيرةِ، بتهمٍ غامضةٍ مثل التحريض على العنفِ والفتنةِ، والإرهابِ، والماوية (الانتماء إلى الحزب الشيوعي الهندي المحظور) والمشاركة في مؤامراتٍ لاغتيالِ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. ويواجهُ العديدُ من المعتقلين ادعاءات تتعلقُ بحادث عنفٍ طبقي وقعَ في عامِ 2018، في ولايةِ ماهاراشترا في غربِ الهند.
وقد ازدادت الاعتقالات على الرغمِ من الانتشارِ السريعِ لوباءِ فيروس كورونا في الهندِ، حيث أُبلِغَ عن أكثر من 40 ألف إصابة جديدة يومياً لمدةِ أسابيع. ورفضت المحاكمُ حتى هذا الوقت طلبات الإفراجِ عن المعتقلين لأسبابٍ إنسانيةٍ أو صحيةٍ.
وقد أمضى بعض الأكاديميين والصحفيين حتى هذا الوقت أكثر من عامين خلف القضبانِ من دون جلسةِ استماع. ومن بينهم باحثون كتبوا حول مواضيع مثل التمييز الطبقي، أو حقوق الأرضِ، أو انتهاكات حقوقِ الإنسانِ في كشمير وشمال شرق الهند، والعنف ضدّ المرأةِ.
والبعضُ، مثل أناند تيلتومبدي، وسوده بهاردواج، وشوما سين، هم أساتذةٌ مثبّتون في مؤسساتٍ أكاديميةٍ مرموقةٍ. كما تلقى، في الماضي، أكاديميون شباب مثل ماهيش راوت منحاً وطنيةً كبيرةً من أجلِ العمل الميداني في مجالِ التنميةِ الريفيةِ.
وكان أحد الرجالِ الذين اعتُقِلوا مؤخراً واتّهِموا بالإرهابِ، في 8 تشرين الأول/أكتوبر من عام 2020، القسيس اليسوعي ستان سوامي الذي يبلغ من العمرِ 83 عاماً، وهو قائدٌ مجتمعي ومفكرٌ ويتمتعُ بخبرةٍ تزيدُ عن 50 عاماً في العملِ المجتمعي مع قبائل الأديفاسي (قبائل محلية أصيلة) في شرقِ الهند. وقد أدينت هذه الأحداثُ في الهندِ وفي أماكن أخرى من العالم باعتبارها تتعدّى الحدودَ وتمثِّلُ تهديداً للديمقراطيةِ الهنديةِ.
وتمثّلُ هذه الاعتقالاتُ تطوّراً مثيراً للقلقِ في بلدٍ لديه ما يكفيه ليواجهه فيما يتعلقُ بآثارِ الوباءِ على صحةِ الأمةِ واقتصادها ومجتمعها. وفي بدايةِ تشرين الأول/أكتوبر 2020، جمّدت الحكومةُ الهنديةُ الحسابات البنكية لمنظمةِ العفو الدولية "أمنستي" في دلهي وأجبرت المنظمةَ على تعليقِ نشاطاتها في البلادِ.
بينما تنفي منظمةُ العفو الدوليةِ بشدةٍ الاتهام الموجه لها بانتهاكها قانون المساهمات الخارجية (تحويل الأموالِ من الخارج). كما تحذّرُ المنظمةُ من أنّها والعديد من جماعات حقوقِ الإنسانِ الأخرى تتعرضُ لأعمالٍ انتقاميةٍ متزايدةٍ بسبب انتقادها للحكومةِ.
تهديدٌ للحريةِ الأكاديمةِ
ومثل العديد من المعتقلين والمتهمين، فإنّ بابو شخصيةٌ محترمةٌ للغايةِ ومعروفٌ في مجاله الخاص. وكفردٍ من الأقليةِ المسلمةِ من ولايةِ كيرلا في جنوبِ الهند (مسلمي مابيلا أو موبلاهس)، فهو ينتمي للجيلِ الأولِ مما يُسمى "الطبقات الأخرى المتخلفة"، الذين عُيِّنوا كمحاضرين في الجامعةِ في ظلِّ البرنامجِ الوطني لمكافحةِ التمييزِ. وكزميلٍ في مؤسسةِ البحوث الألمانية أمضى ثلاث سنواتٍ كباحثٍ في جامعةِ لايبتسيغ وفي جامعةِ كونستانتس.
لقد تحدّثَ بنشاطٍ وعلناً عن قضايا الاندماجِ الاجتماعي والتمييز الطبقي في الجامعاتِ. وكأمينٍ للمنتدى الأكاديمي للعدالةِ الاجتماعيةِ، قامَ بحملةٍ من أجلِ التوظيفِ الإلزامي للأشخاصِ الذين ينتمون إلى مجتمعاتٍ وطبقاتٍ تعاني تاريخياً من الحرمانِ في التعليمِ العالي، وكشفَ عن ثغراتٍ في تطبيقِ سياساتِ التحفظ في الجامعات (حجزِ وتخصيصِ نسبة من المقاعد الجامعية للطبقاتِ المحرومة).
وفي معارضته للنظامِ الطبقي لم يكن انتقاد بابو موجهاً للحكومةِ فحسب، وهي الحكومة المرتبطة بشكلٍ وثيقٍ مع قوى سياسيةٍ-اجتماعيةٍ قومية هندوسية مثل منظمة التطوع الوطنية، بل أيضاً كان انتقاده موجهاً لليسارِ التقليدي في الهند، والذي يستفيد، برأيه، ضمنياً من امتيازاتِ الطبقةِ العليا التي تفرضها الهندوسيةُ السائدةُ.
كما أعربَ أيضاً عن معارضته لسجن أكاديميين آخرين، لا سيما الذين ينتمون لمجتمعاتٍ مهمّشةٍ. ومنذ اعتقالِ هاني بابو، تحدّث العديدُ من طلابه السابقين والحاليين على منصاتِ الإنترنت، مطالبين بإطلاقِ سراحه. وقد تعرّض البعض من هؤلاء الطلابِ للاعتقالِ والاستجوابِ والتهديدِ بالاعتقالِ وغير ذلك من الأعمال الانتقاميةٍ.
الضغطُ الدولي ضروري
كتبَ هاني بابو في مقالٍ نُشِرَ في عام 2015: "يقتصرُ الغضبُ العام على الانتهاكاتِ التي من المحتملِ أن تؤثّرَ على الطبقاتِ المهيمنةِ" وذلك في سياقِ تحليله حول كيفية أن أنواع معينة من التمييز الطبقي تحظى باهتمام الجمهورِ أكثرَ من غيرها في الهندِ. يبدو كلامه صحيحاً بشكلٍ غريبٍ في حالته وكذلك في حالة عددٍ لا يحصى من الآخرين في الهندِ اليوم. وانتُظر أن تُعقدَ جلسة استماعٍ لبابو لتحديدِ ما إن كان سيخرج بكفالةٍ أم لا.
ينبغي أن يدينَ المجتمعُ الدولي أفعالَ الحكومةِ الهنديةِ السلطوية الواضحةِ، وذات الدوافعِ السياسيةِ والتي لا يمكن الدفاع عنها أو تبريرها. كما يمكن أن يكون لألمانيا، أحد أهم الشركاءِ الاقتصاديين للهند، تأثير كبير من خلال الدعوةِ رسمياً للإفراجِ الفوري عن جميعِ السجناء السياسيين في الهندِ.
ووفقاً لمؤشر الحرياتِ الأكاديمية الذي أصدرته جامعة غوتنبورغ، والتقارير الهندية المستقلة الحالية، فإنّ هناك انخفاضاً كبيراً في جميع مؤشراتِ الحريةِ الأكاديميةِ في الجامعاتِ الهنديةِ منذ عام 2014.
تُشكِّلُ القيودُ المفروضة على الحريةِ الأكاديميةِ في الهندِ مؤشراً واضحاً ومقلقاً على انهيارِ الممارساتِ والمؤسساتِ الديمقراطيةِ في البلادِ.
سروتي بالا
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2020
سروتي بالا هي بروفيسورة مساعدة في قسم الدراسات المسرحيةِ في جامعةِ أمستردام، وعضوة في مجموعةِ (التضامن الدولي من أجل حريةِ التعبيرِ الأكاديمي في الهند)، وهو تحالفٌ دولي يناضلُ في سبيلِ الإفراجِ عن السجناءِ الأكاديميين.
[embed:render:embedded:node:28675]