ما سبيل إنقاذ دولة اليمن من التفكك؟
بعد ثلاثة أيام من القتال العنيف تمكنت قوات دفاع شبوة وألوية العمالقة المدعومة من الإمارات العربية المتحدة من السيطرة على مدينة عتق، التي كانت في السابق تحت سيطرة قوات حزب الإصلاح، الذي لطالما اعتبرته الإمارات العربية المتحدة فرعاً لجماعة الإخوان المسلمين، التي تعارضها الإمارات في كل أرجاء المنطقة.
وتعتبر التطورات الأخيرة بمثابة اختبار حاسم لمجلس القيادة الرئاسي الحاكم، الذي أنشأته في نيسان/أبريل (2022) السعودية والإمارات، في محاولة لتوحيد القوات المناهضة للحوثيين ومنع الاقتتال الداخلي بين الفصائل المختلفة. وقد استلم المجلسُ سلطات الرئيس عبد ربه منصور هادي، المتواجد في المنفى والمعترف به دولياً ولكنه لا يتمتع بشعبية كبيرة، والمتأثر بشكل كبير بالمملكة العربية السعودية. ويزعم العديد من المراقبين أنّ الأجندات المتضاربة لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي تشكّل عقبة كبيرة أمام قدرة المجلس على العمل.
المسمار الأخير في النعش؟
وفقاً لألكسندرا ستارك، الباحثة في مركز أبحاث نيو أميركا، تشير الجولة الأخيرة من القتال إلى إحدى المشاكل المتأصلة وطويلة الأمد في التحالف المناهض للحوثيين: الانقسام بين فصائله العسكرية، "التي يوحّدها بالاسم فقط الهدف المشترك المتمثّل في هزيمة الحوثيين، ولكن كل منها تسعى وراء مصالح وأهداف مختلفة"، كما تقول ستارك لموقع قنطرة.
ولهذا يتساءل الكثيرون ما إن كان التصعيد الأخير سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش يمن موحّد. فعلى سبيل المثال، احتفل الجنوبيون بالاستيلاء على مدينة عتق، ولا سيما حينما أنزل المنتصرون علم اليمن الموحّد (الجمهورية اليمنية) واستبدلوه بعلم جنوب اليمن الذي كان رسميا قبل الوحدة بين شماله وجنوبه.
وفي رأي ستارك، فإنّ هذا الحدث الأخير لا يمثّل بالضرورة تهديداً لجهود مجلس القيادة الرئاسي، بيد إنه يشكّل تحدياً خطيراً. ويوضّح قضية أكبر: "حتى لو كان مجلس القيادة الرئاسي والحوثيون قادرين على الحفاظ على الهدنة وعلى التوصل إلى نوع من اتفاق السلام، فإنّ ذلك لن يحلّ المسائل الأخرى التي طال أمدها وتعود إلى فترة الحرب الأهلية (حرب الانفصال) في عام 1994 وما قبل ذلك، حين كانت اليمن عبارة عن دولتين منفصلتين".
وفي السياق ذاته، يلاحظ الباحث المشارك في جامعة برينستون والمحاضر في جامعة هارفرد، أشر أوركابي، أنّ الانقسامات كانت واضحة في أعقاب اتفاق الرياض لعام 2019 والفشل النهائي لها في إصلاح التحالف الهش بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً التي مقرها في الرياض وبين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة. وكما قال أوركابي لموقع قنطرة: "التوترات متواصلة حتى في ظل مجلس القيادة الرئاسي، لأنّ المجلس ليس لديه شرعية أو وجود مادي قوي في جنوب البلاد".
وتقول الباحثة في معهد الشرق الأوسط والمحاضرة في جامعة تامبيري في فنلندا، سوزان دالغرين، إنّ الأحداث الأخيرة في محافظة شبوة "تشير إلى ظهور تحالف جديد في داخل مجلس القيادة الرئاسي". ويبدو أنّ هذا "التحالف المناهض لحزب الإصلاح" قد حظي بتأييد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد محمد العليمي منذ معركة شبوة. كما لاحظت ظهور رواية جديدة تربط "محاولات حزب الإصلاح للسيطرة على الجنوب مع تقدّم الحوثيين في الشمال".
وفي حين يخشى بعض المراقبين من أنّ التنافس الدموي قد يهدّد وحدة الدولة اليمنية، يقول الباحث الأول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، عبد الغني الإرياني إنّ هذا ليس صحيحاً بالضرورة. ووفقاً للإرياني، فإنّ ما يهدّده هذا التنافسُ هو "إمكانية استعادة الوحدة اليمنية في سياق دولة مركزية بسيطة تسيطر عليها النخب الشمالية، كما تصورها العديد من الفصائل اليمنية، بما في ذلك حزب الإصلاح". ويواصل: "الحسابات الخاطئة للفاعلين الإقليميين، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة -التي تفكّر في خيار إعلان دولة في جنوب اليمن، بينما تترك السعودية مع حليف إيران، الحوثيين، تسيطر على الشمال- ستقود إلى استمرار حالة عدم الاستقرار في اليمن".
هشاشة مجلس القيادة الرئاسي
وبينما يكشف الاقتتال الداخلي الأخير عن تصدّعات عميقة داخل القيادة الجديدة للبلاد، تقول دالغرين إنّه لا يمكن توقّع نجاح عملية دمج الميليشيات المختلفة خلال بضعة أشهر فحسب. كما أكّدت أنّ مجلس القيادة الرئاسي قد شكّل قبل أيام قليلة فحسب لجنة لمراقبة عملية توحيد الميليشيات المختلفة. وبينما لا يحلم اليمنيون بتوقعات كبيرة، فإنّ الأحداث السياسية المستقبلية ستحدّد مآل الأمور في هذه العملية في نهاية المطاف.
بيد أنّها تعتقد أنّ احتمال نجاح فرص التعاون داخل الجبهة المناهضة للحوثيين أكبر "إن عُزِل حزب الإصلاح ومُنِع من القتال ضد الميليشيات الجنوبية على الأراضي الجنوبية".
ووفقاً لدالغرين، فإنّ الحملة الأخيرة في محافظة أبين (سهام الشرق) "مؤشّر على الجبهة الموحّدة للعليمي وللمجلس الانتقالي الجنوبي في تطهير المحافظة من العناصر الجهادية، التي زعم مراراً المجلس الانتقالي الجنوبي أنّها جزء من تكتيكات حزب الإصلاح (بالنسبة لحزب الإصلاح، بالإمكان القراءة عن نائب الرئيس السابق علي محسن) للسيطرة على الجنوب". وما زال ينبغي معرفة ما إن كانت هذه الخطوات ستحول دون وقوع الأزمة: شرعية الحكومة اليمنية التي مقرها في عدن تتآكل وشعبيتها تتضاءل.
وفي نهاية المطاف، وكما يشير أشر أوركابي: فإنّ "الحكومة التي تسمح بشنّ حملة على سكانها لا تعزّز من قبولها لدى المواطنين". إضافة إلى ذلك، فإنّ الأداء الضعيف لمجلس القيادة الرئاسي في إظهار قيادته لم يؤدِّ إلا إلى تحسين صورة كل من المجلس الانتقالي الجنوبي وحركة أنصار الله (الحوثيين). ومن ناحية أخرى، فإنّ الديناميكيات الداخلية ضمن كلا الطرفين مثيرة للقلق إلى حدٍّ ما. ووفقاً للإرياني، يُظهِرُ كلاهما عجزاً كبيراً فيما يتعلق بالحوكمة. وكما يقول فإنّهما بمجرد أن "يدركا أخيراً أنّهما لا يستطيعان تحقيق دولة منفصلة، سيحوّلان انتباههما إلى التوصّل إلى اتفاق لتقاسم السلطة يعيد إنشاء دولة يمنية موحدة ومتوازنة ولا مركزية".
وبغضّ النظر عن التطورات السياسية المستقبلية في البلاد، فإنّ السؤال الأساسي لأي حكومة يمنية مستقبلية يتمثّل في كيفية إنهاء الحرب وتزويد مواطنيها بالغذاء الكافي. ومن أجل تحقيق ذلك، قدّمت دالغرين مؤخراً خطة سلام للأمم المتحدة تقترح أن "تبدأ إعادة البناء في مناطق مختلفة تخضع حالياً لسيطرة أطراف مختلفة". وبعبارة أخرى، "ينبغي أولاً معالجة المشاكل الاجتماعية؛ ومن ثم سيتبع الحلُّ السياسي ذلك".
ستاسا سالاكانين
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2022