"جميع مكاسب الثورة التونسية في خطر"
السيِّدة يسرى فراوس، كيف تقيِّمين الوضع قبل الاستفتاء في الخامس والعشرين من تمُّوز/يوليو (2022)؟
يسرى فراوس: الوضع مثير جدًا للقلق بالنسبة لجميع التونسيات والتونسيين، الذين كانوا يأملون في إحداث تغيير سياسي واقتصادي واجتماعي في بلدهم وباتوا يدركون ببطء أنَّ السياسة لم تعد منذ الخامس والعشرين من تمُّوز/يوليو 2021 تساهم بأي شيء من أجل تحقيق هذه الآمال. الدستور الجديد خطير لأنَّه يتيح إمكانية العودة إلى الديكتاتورية.
لقد رسَّخ دستور عام 2014 مجموعة واسعة من الحقوق المدنية الليبرالية بالإضافة إلى احتوائه أيضًا على ضمانات لمراعاتها. واليوم كلُّ هذا في خطر لأنَّ الدستور الجديد تمت صياغته من جانب واحد من قِبَل الرئيس. وعلى الرغم من التظاهر بوجود حوار وطني، إلَّا أنَّ هذا كان تضليلًا خادعًا. وحتى التعديلات، التي عرضها في الثامن من تمُّوز/يوليو 2022، تم وضعها من دون تشاور وهي لا تتطرَّق إلى الانتقادات الموجَّهة إلى مسوَّدته.
ما الذي يجعل الدستور الجديد خطيرًا بالتحديد؟
يسرى فراوس: من المثير للقلق مثلًا نصّ الفقرة الواردة في مادته الخامسة، والتي يجب بموجبها "على الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام". ويمكن تفسير ذلك بمعنى أنَّه يجب تقييد الحرِّيات والحقوق المدنية الكونية - بما فيها حقوق المرأة.
وهذه الفقرة من الدستور ستسمح بإعادة تقييم القوانين وإعادة صياغتها بحسب الشروط الجديدة. وعدا ذلك فإنَّ الدستور الجديد يفتح الباب أمام العودة إلى الأوضاع قبل عام 2011، إلى النظام الرئاسي. وبهذا سيتم إضعاف مؤسَّسات الدولة وبشكل خاص البرلمان والقضاء، ويصبح الرئيس هو السلطة العليا في البلاد ولا يعد مسؤولًا أمام الناخبين، لأنَّه سيكون فوق أي شكل من أشكال المساءلة. وسيكون من صلاحياته مثلًا أنَّ بإمكانه وحده فقط تعيين أعضاء المحكمة الدستورية. وبهذا يتم تفريغ المؤسَّسات الديمقراطية من جوهرها. وهذا الدستور الجديد لن يعود يفي بعد ذلك بالمعايير الدولية الخاصة بسيادة القانون.
ومسوَّدته تفتح الباب أمام أسلمة المجتمع التونسي والدولة التونسية، وهذا سيكون بمثابة تراجع عن جميع إنجازات الشعب التونسي منذ الاستقلال. وهي تفتح الباب أمام ديكتاتورية جديدة.
الأزمة الاقتصادية تؤثر على النساء بشكل خاص
تعاني تونس حاليًا من وضع اقتصادي واجتماعي هش، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وارتفاع نسبة البطالة وخطر إفلاس الدولة. فماذا يعني هذا بالنسبة للنساء؟
يسرى فراوس: النساء متضرِّرات من الأزمة أكثر من الرجال؛ ونسبة البطالة بينهن مرتفعة أكثر، وتوجد نساء أميَّات أكثر من الرجال وفي بعض مناطق تونس تصل نسبة النساء اللواتي لا يستطعن القراءة والكتابة إلى أربعين في المائة.
وفرصهن في الحصول على قروض مصرفية أضعف عندما يردن الاستقلال في عملهن. والكثير من النساء يعشن في ظروف حرجة للغاية. لا توجد لديهن عقود عمل نظامية وظروف عملهن خطيرة وخاصةً في المناطق الريفية، ولا يوجد لديهن أي ضمان اجتماعي. والنساء يتقاضين رواتبَ أقل بكثير من زملائهن الرجال سواء في القطاع العام أو في الأعمال الخاصة أو في القطاع غير الرسمي، حيث تحصل المرأة العاملة في الفلاحة على عشرة دنانير في اليوم (نحو 10 يورو)، بينما يحصل الرجل على خمسة عشر دينارًا في اليوم - هذا تباين صارخ.
والنساء فرصهن في الحصول على الأراضي أقل أيضًا، إذ لا تملك النساء سوى أربعة عشرة في المائة من الأراضي، وهذا يعني أنَّ ملكية الأرض هي امتياز يحتكره الرجال إلى حدّ كبير. وهذا يعني بالنسبة للكثير من النساء الفقر، وحتى الفقر المدقع. لقد استمر معدل الفقر في الارتفاع خلال الأزمة الحالية. وبحسب الدراسات فإنَّ نحو نصف سكَّان تونس سيعيشون قريبًا في فقر. وهذا الفقر نسائي بشكل خاص.
هل فعلت الحركة النسائية القليل جدًا من أجل هؤلاء النساء المظلومات اجتماعيًا؟
يسرى فراوس: نعم، للأسف هذا صحيح إلى حدّ ما. فقد ركَّزت الحركات النسائية في تونس والمغرب العربي على فرض تغييرات في النظام القانوني. وفي ذلك يتم بسرعة تجاهل المسائل الاجتماعية المشتعلة المتعلقة مثلًا بسلامة العاملات في الفلاحة أثناء ذهابهن إلى العمل في الحقول. نحن كثيرًا ما نقتصر عملنا على المطالبة بقوانين ولكننا لا نتحقَّق من كيفية تطبيقها عمليًا. بالإضافة إلى أنَّنا لم ننجح في الربط بين الناشطات والعاملات في الفلاحة - مثلًا، من أجل تحقيق المزيد معًا.
تحسينات قانونية رائدة خلال فترة قصيرة
حدثت في تونس منذ عام 2011 إنجازات رئيسية لصالح النساء، مثلًا من خلال ترسيخ مبدأ المساواة في الحقوق في دستور عام 2014 أو منح المرأة التونسية جنسيتها لأطفالها منذ عام 2015…
يسرى فراوس: ما تم تحقيقه منذ عام 2011 من تحسينات قانونية يمكن مقارنته بالإصلاحات القانونية الرائدة بعد الاستقلال في عام 1956. ومن القوانين الأساسية أيضًا القانون رقم 58 لحماية المرأة من العنف والقانون المتعلق بالميزانية المراعية للمنظور الجنساني الصادر في عام 2017. لقد تم خلال فترة زمنية قصيرة جدًا إصدار قوانين كثيرة مؤيِّدة للنساء، كان سيحتاج إصدارها في الأحوال العادية من عشرين إلى ثلاثين عامًا. ولكن الأمر سيستغرق وقتًا حتى يتم تطبيق هذه القوانين الجديدة تطبيقًا عمليًا وتتغلغل في القيم المجتمعية ويتم ترسيخها أيضًا في ميزانية الإنفاق الحكومي واللوائح السياسية. ومع ذلك لم يتم منذ عام 2019 إصدار أية قوانين أخرى لتحسين وضع النساء، وذلك لأنَّ الرئيس الحالي قيس سعيِّد لا يفعل شيئًا من أجل النساء، بل إنَّه يعرقل جهودنا.
كيف يبدو تطبيق هذه القوانين عمليًا؟
يسرى فراوس: لا يزال الوقت مبكِّرًا لإجراء تقييم شامل. ولكننا نرى عدم وجود الإرادة السياسية من أجل تطبيق هذه القوانين أيضًا. فهكذا يحدِّد -على سبيل المثال- القانون رقم 58 الخاص بحماية المرأة من العنف الجنسي والجسدي والنفسي، والذي يعتبر رائدًا بالنسبة للعالم العربي، لوائحَ واضحة لتنفيذه، مثل تقديم مساعدات من الدولة للضحايا لتمكينهن من تقديم الجناة إلى المحكمة.
وبحسب هذا القانون فمن المفترض إنشاء صندوق مساعدات من أجل هذا الغرض، ولكن نصّ القانون لا يحدِّد أية مواعيد أو مبالغ محدَّدة. وبالتالي فإنَّ نجاح هذا القانون يتوقَّف حاليًا أكثر على تغيير الوعي داخل المجتمع. الرأي المنتشر انتشارًا واسعًا عن أنَّنا نحن النساء المذنبات عندما نقع ضحايا للعنف وكذلك العار المرتبط بهذا الرأي أصبحا يتغيَّران. وبات من الواضح أنَّ مكافحة العنف ضدَّ المرأة تقع على عاتق الدولة والمجتمع ككلّ.
معًا ضدَّ الميول السلطوية
كيف تبدو علاقاتك مع نساء حزب النهضة اليوم؟ فبعد إسقاط زين العابدين بن علي، كانت العلاقة بين المنظمات النسوية العلمانية والناشطات من الطيف الإسلامي لا تزال مشحونة كثيرًا بالصراعات.
يسرى فراوس: عند بداية الثورة في عام 2011، كانت نساء النهضة ينتقدن كثيرًا المنظمات النسوية العلمانية، وذلك لأنَّنا -بحسب تعبيرهن- لم نفعل ما يكفي من أجلهن عندما كان يتم تعذيبهن وسجنهن في عهد بن علي. غير أنَّهن حجبن بذلك حقيقة تاريخية، وهي: أننا كنا جميعنا في وضع مشابه وتعرَّضنا للاضطهاد والمضايقة، حتى وإن كانت النساء من طيف الإسلام السياسي قد تضرَّرن أكثر منا. ولكننا بعد ذلك تعلَّم بعضنا الحديث مع بعض.
لقد كسرنا المحظور بكوننا نظَّمنا في عام 2011 اجتماعًا لجميع مرشَّحي الجمعية الوطنية التأسيسية. وكان تعرُّفنا على بعضنا شخصيًا، واستماعنا إلى بعضنا - حتى وإن كنا نصرخ أحيانًا على بعضنا، خطوةً أولى على طريق القول إنَّنا نحن النساء يجمعنا شيء مشترك، فنحن جميعنا نعاني من النظام الذكوري في جميع الأحزاب.
كيف سارت الأمور بعد ذلك؟
يسرى فراوس: بعد ذلك، كانت نساء النهضة في البداية ملتزمات التزامًا شديدًا بانضباطهن الحزبي. وعندما تعلق الأمر بدستور عام 2014، لم يكن حزب النهضة يريد تكريس المساواة بين الجنسين في الدستور، بل أراد تكريس "التكامل" بين الرجل والمرأة، وهذه مجرَّد صيغة لتبرير التمييز. وقد أدَّى هذا بطبيعة الحال إلى مزيد من الصراعات. وتم تكريس المساواة بين الجنسين في الدستور بعد حشد كبير من قِبَل القوى التقدُّمية. وبعد ذلك هدأ الوضع مرة أخرى، وذلك بالتأكيد أيضًا لأنَّ الإسلام السياسي كان قد ضعف في المنطقة ككلّ.
هل توجد اليوم قضايا تكافحن معًا من أجلها؟
يسرى فراوس: بعد اعتماد دستور عام 2014، أعاد حزب النهضة تنظيم نفسه. نحن نقول إنَّ حزب النهضة أخضع نفسه لعملية "تَوْنَسة" وقرَّر الكف عن التشكيك في حقوق المرأة. وعلى هذا الأساس، استطعنا بعد ذلك التعاون مرة أخرى، أوَّلًا وقبل كلِّ شيء في القانون رقم 58 لحماية المرأة من العنف. أتذكَّر المحادثات مع نوَّاب النهضة في اللجنة البرلمانية المختصة، حيث عملوا كجسر بين الأحزاب لأنَّهم وجدوا أنَّنا متَّحدون في المعركة ضدَّ العنف. وقد كان ذلك بطبيعة الحال وسيلةً لإثبات أنَّهن نسويَّات أيضًا.
واليوم، نساء حزب النهضة أيضًا يكافحن ضدَّ الميول السلطوية في عهد قيس سعيِّد. صحيح أنَّنا في المعسكر الديمقراطي التقدُّمي نسير بشكل منفصل عنهن، ولكننا نريد معًا أن نحقِّق العودة إلى الديمقراطية وسيادة القانون.
حاورتها: كلاوديا مينده
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2022
المحامية التونسية والمدافعة عن حقوق المرأة، يسرى فراوس، وُلِدت في الجديدة بالقرب من تونس العاصمة في عام 1979، وشاركت مشاركة حاسمة في فرض القوانين المؤيِّدة للنساء مثل المساواة بين الجنسين وترسيخها في الدستور التونسي لعام 2014 والقانون الجديد الخاص بحماية المرأة من العنف والصادر في عام 2017. وكانت منذ نيسان/أبريل 2018 وحتى حزيران/يونيو 2021 رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ATFD. وحصلت في عام 2022 على جائزة آنه-كلاين من مؤسَّسة هاينريش بول الألمانية في برلين تقديرًا لها على عملها.
تنصّ المادة الخامسة من مشروع الدستور التونسي الجديد على أنَّ: "تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية".
يمكن هنا تحميل النسخة العربية من الدستور التونسي الجديد.