مكانة الأفغانيات الرفيعة في أدب أفغانستان الشفوي
مثل أي مجموعة قصص خيالية أخرى، يصوّرُ كتاب "حكايات أمي" قصص الملوك والملكات، والأمراء والأميرات والجنيات والشياطين والسحر والحيوانات المتحدثة والنزاع بين الخير والشر. بيد أنّ ما يميز أول كتاب للكاتبة الأفغانية والباحثة في الأدب الشفوي ريحانة رها الوجود المهيمن للنساء في هذه المجموعة من الحكايات الخيالية من أفغانستان.
في الوقت الذي عادت فيه حركة طالبان للظهور في أفغانستان، وأجبرت هجماتها الخاطفة الجنودَ الأفغان على الفرار إلى البلدان المجاورة (إيران وطاجيكستان)، يأتي عمل رها ليذكّرَ بدور النساء في المجتمع الأبوي الذكوري.
وبينما يتساءل الكثيرون الآن عما يخفيه المستقبل للنساء الأفغانيات إن عادت طالبان إلى السلطة في البلد الذي مزقته الحرب، يرسم كتاب "حكايات أمي" صورةً تعكس كيفية حياة النساء الأفغانيات ونجاتهن وإلهامهن في هذا البلد عبر القرون.
في هذا الكتاب، لا تمثل النساء مجرد شخصيات ثانوية تنتظر أن يأتي بطلها وينقذها - بل على النقيض من ذلك في الحقيقة. فالنساء في الكتاب هن الأبطال الرئيسيون الذين يشنون الحرب ضد الشياطين أو ينقذون الأمراء الذين خدعتهم قوى الشر واستعبدتهم.
شخصيات نسائية ذكية وقوية
في قصة بعنوان "نيرانغ باديشاه"، والتي تعني خدعة الملك [حيلة الملك]، البطلة الرئيسية هي زوجة أمير شاب شهواني، ويُلعن الأمير في نهاية المطاف ويتحوّلُ إلى راعي أغنام متشرّدٍ، بيد أنّ زوجته تنقذه، وتكسر التعويذة وتجعله يتغير.
وفي قصة أخرى بعنوان "عجائب"، تعلِّمُ جِنِّيَّةٌ فتاةٌ، شغوفة بقراءة الكتب، صبياً كيف يحارب أخاها القاسي.
فالأخ هو شيطان يتنكّرُ كإنسان ويخدع المزارعين ليحصل على ماشيتهم ودواجنهم وأرضهم. وفي هذه القصة، تخبِّئ الجنِّيَّةُ الصبي في كهف تعيش فيه هي وأخوها. وفي كل يوم تعلّمُ الصبي جميع ما تعلمته من قراءة الكتب.
في عام 2019، قامت رها، التي درست الأدب المسرحي في جامعة كابول، برحلة محفوفة بالمخاطر إلى مسقط رأسها، قرية دَلِه في ولاية دايكندي في وسط البلاد.
وحتى قبل أن تحقق طالبان مكاسبها الإقليمية الأخيرة 2021، كان الطريق الذي يصل العاصمة الأفغانية كابول بنيلي عاصمة الولاية، كان يُطلَقُ عليه اسم "معبر الموت" بسبب الهجمات المتكررة لمقاتلي طالبان على المركبات التي تمرُّ منه. بيد أن رَها كانت مصممة على القيام بالرحلة.
مكانة عالية ومركز اجتماعي
وعبر الهاتف من كابول، تقول رَها لموقع قنطرة: "كان علي أن أزور أمي وأطلب منها أن تعيد رواية القصص التي روتها لنا في طفولتي". وأضافت رَها: "بعد دراستي في الجامعة وتفحّص الحكايات الخيالية الأفغانية، لاحظت أنّ في حكايات أمي سمة خاصة. ففي قصصها، تمتعت النساء بمكانة عالية وبمركز اجتماعي، على النقيض من حكايات أفغانية أخرى سبق أن تفحصتها".
ما زالت رَها تتذكر ليالي الشتاء من طفولتها، حين كانت تجلس مع أقربائها على الأرض حول موقد الحطب، يستمعون إلى حكايات والدتها على ضوء مصباح زيتي. هناك في القرية، كان والدها يعمل، وكانت أمها هي المسؤولة، تدير مزرعة العائلة وأمور المنزل.
وتتذكر أيضاً كيف استخدمت والدتها بكل براعة الأدوات والمسدس في المزرعة لحماية عائلتها حين تقتضي الضرورة ذلك. وحتى اسمها كان اسماً يصلح للجنسين، فقد كان اسمها سلطان، بمعنى: الحاكم.
وفي المجتمع الأبوي الذكوري الأفغاني، يكون قيام أُمٍّ تتمتع بهذه الخصائص بالتربية هو فرصة استثنائية، فرصة جعلت رَها على دراية بالدور الذي ينبغي أن تلعبه المرأة في المجتمع.
مصدر إلهام للنساء الأفغانيات
وبتحليل حكايات أمها من وجهة نظر نفسية واجتماعية، تقترح رَها فرضيتين فيما يتعلق بوجود المرأة القوية في القصص التي روتها سلطان.
الفرضية الأولى، أنّ هذه الشخصيات كانت قدوتها الشخصية، التي تساعدها في تجاوز العقبات التي تواجهها النساء في المناطق الريفية من أفغانستان. أما الفرضية الثانية، فتتمثّل في أنّ هذه الشخصيات هي إبداعها الحالم بسبب ظروف المعيشة القاسية التي عاشتها.
وعلى أي حال، ترى رَها أنّ بطلات حكايات أمها باستطاعتهن إلهام النساء الأفغانيات بإسقاط الجدران التي تعيق تقدمهن والتي قامت على أساس التحيزات الجندرية في مجتمع أفغانستان الأبوي الذكوري.
توضّح رَها: "حين عملت في المزرعة وفي المنزل خلال طفولتي، تراءت لي هذه الشخصيات الأنثوية من حكايات أمي حية أمام عيني".
Raihana Raha's debut book, a collection of Afghan tales, offers a timely perspective on the history of #Afghanistan its patriarchal society and social morality, as the Taliban makes rapid territorial gains.#MyMothersTales@ChangizMVhttps://t.co/D3kqMyrE2M pic.twitter.com/UDKRWVP8e3
— QantaraEN (@QantaraEN) July 31, 2021
قوة التخيّل
"ولاحقاً أثناء دراستي في جامعة كابول، أدركت الأثر العميق الذي أحدثته تلك القصص على حياتي الشخصية بوصفي امرأة أفغانية. فالبطلات في الحكايات أصبحن قدوتي في طفولتي. ولهذا قررت العودة إلى مسقط رأسي وجمع هذه الحكايات بوصفها مصدر إلهام لبقية النساء والشابات الأفغانيات".
وعلى الرغم من التغييرات الجوهرية في المجتمع الأفغاني التقليدي في أعقاب الإطاحة بطالبان في عام 2001، ما زالت المرأة الأفغانية محرومة من حقوقها الأساسية. وعلى رأس القائمة حق المرأة الأفغانية في التعلّم. وبالنسبة لرها، التي حقّقت حلم طفولتها بالدراسة في الجامعة، شكّلت لها حكايات أمها مصدر طاقة لملاحقة أحلامها.
تقول رَها: "بوصفنا فتيات صغيرات في القرية الأفغانية، فقد أخبرونا، أننا خلافاً للفتيان، لا نملك الذكاء للدراسة أو الحصول على عمل بخلاف كوننا ربات منزل، بيد أنّ النساء اللاتي سمعت عنهن في حكايات أمي، كن مختلفات".
"أعتقد أنّه لا يمكن لأحد أن يغير مسار حياته من دون التخيل، والحكايات الخيالية هي مصادر خيال رائعة بالنسبة لنا جميعاً".
جينكيز م. وارزي
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2021
[embed:render:embedded:node:22242]