في ألمانيا...الشرق يلتقي مع الغرب بلغة الضاد
أكثر من عام عمر المشروع غير الربحي الذي بدأه شتيفان ويبير من متحف الفن الإسلامي في متحف "البيرغامون" في برلين أحد أهم المتاحف التي تطفو فوق "جزيرة المتاحف" في العاصمة الألمانية، ليشمل بعدها ثلاثة متاحف أخرى هي متحف الشرق الأدنى ومتحف البودة ومتحف التاريخ الألماني DDR، ولتتوسع الجولات بعد 6 أشهر من انطلاق المشروع إلى مرتين في الأسبوع كل يومي أربعاء وسبت الساعة الثالثة ظهراً.
"يمكنكم الدخول إلى المتحف مجاناً، كما أنني سأكون مرافقتكم لأشرح لكم بالعربية حول المتحف".. هكذا رحبت بنا الكاتبة والفنانة التشكيلية كفاح علي ديب على باب متحف الشرق الأدنى، حيث كانت دليلنا في الجولة.
فرصة للاقتراب من ألمانيا أكثر
تقول كفاح لـ "هذه الجولات مهمة على صعيد إعطاء الثقة للوافدين الجدد وإشعارهم أنهم كأي شخص موجود في ألمانيا بإمكانه دخول المتاحف، وممارسة النشاطات الثقافية دون خجل، أو خوف من عدم فهم ما الذي يراه، فعندما قدمت إلى برلين لم أكن أعرف إذا ما كان من المسموح لي دخول المتاحف ولم تكن لدي الشجاعة الكافية لدخولها، ولذلك عندما سمعت بفكرة المشروع وجدت الفكرة رائعة لأنني فكرت في أن الوافدين الآخرين ربما يشعرون مثلي، وهذا المشروع سيسهل ذلك".
رافقنا كفاح ضمن جولتها التي تقدمها في متحف الشرق الأدنى في الـ"بيرغامون"، حيث عبرنا المدخل إلى بوابة "عشتار" من الحضارة البابلية في العراق،والتي وقفت في وسط القاعة الكبيرة، لم تكن الجولة عبارة عن سرد معلومات وحقائق عن آثار بدت للوهلة الأولى للزوار من سوريا والعراق مألوفة، نظراً لانتمائها إلى منطقة الرافدين وبلاد الشام، إذ أصرت الدليلة على طرح أسئلة من قبل الزوار، أو تحفيز خيالهم بطرحها لأسئلة للوصول إلى معاني ودلائل القطع الأثرية المعروضة.
التعرف على الآثار العربية في العاصمة الألمانية
"يتراوح عدد الزوار في كل جولة بين العشرة أشخاص والثلاثين، وهناك وجوه تتكرر لأكثر من مرة، حيث يأتون للجولة مرة ثانية مع أدلاء مختلفين للحصول على معلومات عدة، كذلك يصطحبون معهم أصدقاءهم في المرات القادمة فمن يخوض تجربة أول جولة بالتأكيد سيزور باقي المتاحف"، تقول كفاح قبل أن تنتقل بنا إلى واجهة مدينة ميليت التركية، والتي تشرح لنا عن أهميتها كأول فكرة لدور القطاع الخاص في بناء المدن، لنعبر بعدها عبر طريق الموكب إلى الحضارة الآشورية.
يحوي المتحف قطعاً أصلية بغالبها أخذت من العراق أو بلاد الشام، الأمر الذي يثير دهشة العديد من الزوار، تقول كفاح "كنت أخاف أحياناً أن يثير الأمر سخط الزوار، أو حزنهم ربما، لكن بالعكس فالعديد منهم يعتبرون أن هذه الآثار محفوظة هنا، وفرصة جيدة أنهم تمكنوا من مشاهدتها بحالة جيدة"
.
وهذا ما يؤكد عليه آلان أحد الزوار السوريين في الجولة، فيقول لـ "الجولة أكثر من رائعة والأهم أنها باللغة العربية، فها أنا أتعرف على آثار بلادي بلغتي الأم على الأقل ولو في مكانٍ آخر"، بينما يقاطع ميلاد قائلاً "بالفعل الجولة مثيرة للاهتمام، فكل هذه الحضارة كانت في بلادنا ولم نكن نعلم عنها شيء والآن لدينا الفرصة للتعرف عليها".
في القاعات الآشورية تروي كفاح قصص الملوك واللوحات والمنحوتات المعلقة، وتشرح عن الدلالات الاقتصادية والدينية في تلك المرحلة، تطرح الكثير من الأسئلة وتجري نقاشات حول المعروضات مع الزوار، لكنها تعتبر أن للجولة بعدٌ آخر كما لكل المشروع، فالأمر لا يتعلق بالتجول في المتاحف، فالمهتم بالنهاية سيقصدها حتى ولو بعد سنوات عندما يتقن اللغة، لكن للمشروع ككل بعدٌ يتعلق في دمج الوافدين الجدد بالمجتمع الألماني، ودمج الوافدين مع بعضهم، كما أن الجولة هي فرصة لقاء أشخاص جيدين، وبعد كل جولة أكسب أصدقاء جدد في ألمانيا، وكثيراً ما نتابع نقاشاتنا في الخارج ونتجول بالحديقة، لتكون الجولة المنصة التي أتاحت لنا اللقاء".
نال مشروع "ملتقى" جائزة ألمانية كأفضل مشروع يعمل على دمج اللاجئين للعام 2016، كما أنه رشح للعديد من الجوائز، ويتم العمل حالياً على جعله مشروعاً مستمراُ، وأن يضم متاحف أخرى، وربما يتوسع لمدنٍ أخرى، كما يقدم المشروع سنوياً بطاقاتٍ مجانية للراغبين بحضور فعالية "ليلة المتاحف الطويل" في آب/ أغسطس، عبر مسابقة على صفحة المشروع في فيسبوك.
ساعة تقريباً مدة الجولة الزمنية، لكنها أغنى بكثير من حيث القصص والمتعة، كما أنه يمكن للزوار المتابعة منفردين في المتحف، أو تخطيط مشروع مستقبلي لزيارة المتاحف الأخرى.
راما الجرمقاني- برلين
حقوق النشر: دويتشه فيله 2017