خصوصيات النساء أثناء الانتفاضة الفلسطينية
روايةُ "باب الساحة" -التي أصبح عنوانها الإنكليزي "الممر إلى الساحةِ" في ترجمةِ سواد حسين النابضةِ بالحياةِ- تدورُ أحداثُها في بداياتِ الانتفاضةِ الفلسطينيةِ الأولى (1987-1993).
ومثلها مثل العديدِ من رواياتِ سحر خليفة، تتمحورُ هذه الرواية حول لحظةٍ تاريخيةٍ مهمةٍ نتوقعُ أن تُعالَجَ بنظرةٍ عامةٍ، أو من خلال عيون رجالٍ ذوي "أهميةٍ صحفيةٍ". بيدَ أنّ هذه الرواية، بدلاً من أن تعرض لنا قرارات الأممِ المتحدةِ أو خطاباتٍ أو اعتقالاتٍ، فإنّها تنقلنا إلى الحياة الصعبةِ والمتناقضةِ والغنيةِ لنساءٍ عادياتٍ.
هذا علماً بأن العديد من الرواياتِ الفلسطينية المكتوبةِ في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات -بكلمات الروائي الغزاوي عاطف أبو سيف- ركّزت على "قيمٍ وقضايا وطنية"، و"تغاضت عن خصوصيات الأفرادِ لصالحِ قضايا إنسانية ...".
وعلى النقيضِ من ذلك تدورُ رواية سحر خليفة حولَ أشخاصٍ أقل من أن يكونوا أبطالاً، وها هي ترتقي بهم -بقدرٍ من التعاطفِ والفكاهةِ- إلى مرتبةٍ أعلى من القضايا الوطنية. وفعلاً مع بدايةِ الروايةِ تطاردُ امرأةٌ شابةٌ اسمها سمر بشكل هزلي الست زكية الأكبر سناً باستبيانٍ، وتسألها ما هي التغييرات التي شهدتها في حياةِ النساءِ منذ اندلاعِ الانتفاضةِ.
النساءُ والانتفاضةُ
سمرُ المتفائلةُ متخرجةٌ حديثاً من الجامعةِ، ربما تُشبه سحر خليفة الشابة، وتريد تضمينَ شيء إيجابي في بحثها. بيدّ أنّ الست زكية لا تهتمُّ كثيراً بنظّاراتِ سمر الوردية ولا بإيمانها بالبحث.
وهنا كما في غيرها تتقدّم أحداثُ الروايةِ عبر حوارِها السريعِ، لتبدو غالباً كنص مسرحيةٍ تتمحورُ حولَ بضع شخصياتٍ رئيسيةٍ، وهي: سمر -الباحثة المثالية- والست زكية -دايةُ الحارة- ونزهة -المومس- وحسام -عازبٌ مؤهلٌ وبطلٌ مصاب- وأحمد الشقيقُ الأصغرُ لنزهة.
وأثناء كلامهما، تتحدثُ سمر والست زكية حول موضوع نزهة الشائك. فبينما تقولُ الست زكية إنّه لا يمكن لأحد مساعدتها، تردُّ سمر: "أنا؟ سأذهبُ لمقابلتها وأجعلها تملأُ الاستبيان لي". "لا! لا تتجرئي على ذلك!. لا تكوني غبية!".
بيدَ أنّ سمر تذهب إليها، وتدورُ غالبيةُ أحداثِ روايةِ "باب الساحة" داخلِ هذا المنزلِ "السيء السمعةِ". ونزهة هي ابنة مومسٍ تُدعى سكينة، وسكينة طُعنت حتى الموتِ قبل عدّةِ سنوات. ومع ذلك ما زال يُشار إلى البيتِ باسم "بيت سكينة". وبالنسبة إلى نزهة، فمن المستحيلِ الابتعاد عن ظلِّ والدتها.
عنفٌ منزلي بين جدران عازلة
طوال روايةِ "باب الساحة" لا تُحاصَرُ الشخصياتُ فقط بحظرِ التجولِ الإسرائيلي والجنود والجدران بل أيضاً بعلاقاتٍ مسيئةٍ وتوقعاتٍ مجتمعيةٍ. فبعد ظهورِ سمر مع استبيانها ينتهي بها الأمرُ محبوسةً مع نزهة لمدة تسعةِ أيامٍ في بيت سكينة. وما أن تخرج حتى يتحتم عليها مواجهة عائلتها التي تشعرُ بالغضبِ الشديدِ لأنّها كانت مع نزهة وحسام.
فتنتابُ والدتها نوبة قلقٍ، ويجرّها إخوانها خارج السريرِ ويصفعونها، والأسوأ من ذلك شعورُ سمر بأنّها لا تستطيعُ المقاومةَ: "حين ضربها الجنودُ قاومت وأنزلت اللوح الخشبي الذي في يدها عليهم وأي شيء تستطيعُ أن تجده لتضربهم به. لكن الآن، كانت مجرّد زورقٍ صغيرٍ تتقاذفه الأمواجُ والعواصفُ".
وخلال الروايةِ، تُظهِر الشخصيات قدراً كبيراً من الوطنيةِ، لكن القليل فقط من التضامنِ. إذ ليس الرجالُ فقط من يضربون النساء بل أنّ التضامنَ بين النساءِ هشٌّ أيضاً. وفي أحد المشاهدِ تأتي أم عزّام إلى منزل نزهة بحثاً عن شقيقةِ زوجها الست زكية.
وليس على الست زكية أن تشعرَ بالقلقِ لوجودها في منزلِ نزهة. فقد تطلّقت منذ زمنٍ بعيد، وقدّمت نفسها بوصفها دايةُ الحارةِ الكتومة والمحافظة. حين تصلُ أم عزّام إلى "بيت سكينة"، لا تعرف أنّ ابنها حسام مستلقٍ ومحمومٌ في الغرفةِ المجاورةِ. فتفضي بهمومها للست زكية، قائلةً لها أنّها لا تستطيعُ التحمّل أكثر من ذلك، "تتوسلُ بنبرةِ ذليلةِ للغاية، ’أرجوك خذيني إليكِ’". تضيفُ أم عزّام: "سأكون خادمتك: أطبخُ طعامك وأحملُ حقيبتك من منزلٍ إلى منزل".
بيدَ أنّ الست زكية بدلاً من أن تتحلّى بالرحمةِ مع زوجة شقيقها تفكِّرُ في أخيها وفي القيلِ والقالِ. وتقولُ لأم عزام أن تذهب إلى المنزلِ وتتحمّل سوءَ المعاملةِ.
ليست طيبة القلبِ
تساعدُ نزهة حسام المصاب، وتخبئه في منزلها. بيد أنها ليست مومساً بقلبٍ طيب دُفِعت إلى هذه الحياةِ رغماً عن إرادتها بل إنّها امرأة صعبةُ المِراس ذات لسانٍ سليطٍ لا يمكنها تحمّل النفاقِ. ولا يوجدُ سوى شخص واحد لا تزال نزهة مولعة به، وهو: أخوها الأصغر، أحمد. بينما هو، من الناحيةِ الأخرى، ليس فخوراً بأنّ لديه أختاً مومساً.
للروايةِ جوانب من مسرحيات المأساةِ اليونانيةِ، فمع اقترابِ نهايةِ الرواية، وأثناء حزنِها تلعنُ نزهة فلسطينَ فتنصدمُ مجموعةٌ من النساءِ الأخريات: "يصفعن خدودهنّ مذهولات. ’لقد أصابها الجنونُ! فليكن الله في عونك يا فلسطين!’"
بيد أنّ لهذه اللحظةِ أيضاً جانبٌ هزلي، إذ تتصّرفُ النساء كما لو أنّ افتقار نزهة إلى الوطنيةِ -وليس الاحتلال- هو ما يهدِّدُ فلسطين.
من الممتعِ قراءة هذه الرواية المسرحية الذكية ذات الإيقاع السريعِ بترجمتها الإنكليزية في حين تحتفلُ الروايةُ الأصليةُ (باللغةِ العربيةِ) بالذكرى الثلاثين لإصدارها. وبدلاً من الشعور بأنّ رواية باب الساحة قد عفا عليها الزمن، فإنّها تعكسُ الماضي بينما تُعبِّرُ عن الحاضر أيضاً.
مارسيا لينكس كويلي
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2020
ملاحظة: الاقتباسات مترجمة من النسخة الإنكليزية.
[embed:render:embedded:node:39750]