سوريا والعرب بعيدا عن صورة الحرب في إعلام الغرب
افتتح في مدينة كولونيا الألمانية معرض الفن العربي، الذي يهدف إلى التعريف بالفن والثقافة العربيين، لا سيما عن طريق اللوحات الفنية والرسومات والمجسمات. وشارك في هذا المعرض الذي يفتتح أبوابه يوميا من الرابعة وحتى الثامنة مساء (واستمر حتى 22 من شهر تموز / يوليو 2018) 23 فنانا وفنانة جلهم من اللاجئين السوريين في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، بالإضافة إلى بعض الفنانين العرب الذين جاؤوا من أجل المشاركة في هذا المعرض وإظهار الدعم لأشقائهم السوريين. جبار عبد الله أحد منظمي هذا المشروع قال إن هذا المعرض جاء نتيجة لمعارض سابقة شارك بها فنانون سوريون فقط، إلا أن القائمين ارتأوا في هذا العام توسيع دائرة المشاركين من أجل ضم فنانين عرب من الدول العربية أو من المتواجدين في أوروبا، وذلك من أجل إثراء هذا المعرض بالأعمال الفنية المختلفة، وليشكل للفنانين والزوار فرصة أكبر للتعريف بذواتهم وأعمالهم أمام الجمهور وأمام أقرانهم الفنانين. وقال عبد الله إن المعرض حصل على دعم من مؤسسات ألمانية مختلفة من أجل التمكن من التواصل مع الفنانين واستضافتهم طيلة أيام الافتتاح. المتجول في أروقة المعرض يلمح تنوع وغنى الأعمال الفنية المعروضة، فبعض الفنانين استعانوا بالمدرسة الانطباعية التي كان رائدها الفنان الهولندي الراحل فينسنت فان غوخ من أجل إيصال معاني لوحاتهم الفنية للجمهور، فيما لجأ آخرون للمدرسة التشكيلية، وآخرون للمدرسة التعبيرية ما أدى إلى شعور الزوار بمدى النضج الفني للوحات والأعمال الفنية المشاركة، ولم يخفِ بعض الزوار الألمان انبهارهم بما رأوه. صورة مختلفة عن الإعلام يوليا كما عرفت لمهاجر نيوز بنفسها لم تخفِ إعجابها بما تشاهد. وقالت: "أنا أهتم جدا بالجانب النفسي للاجئين والمواطنين الجدد، أعتقد أن مثل هذه المعارض تساعد على إظهار صورة حضارية عن ثقافة المشاركين، وتدعونا نحن الألمان للتمعن في جانب آخر لثقافة المنطقة هناك تختلف عن مشاهد الحرب والدمار التي نراها بشكل متكرر في وسائل الإعلام.
الفنانة قيم طلاع من دمشق والتي تسكن حاليا مدينة شتراسبورغ الفرنسية هي إحدى المشاركات في هذا المعرض، وبالنسبة لطلاع فإن رسوماتها ومشاركاتها تختلف عن بقية الرسوم المشاركة فهي تستخدم أدوات الطباعة البدائية والإبرة الحادة من أجل تكوين عمل فني. فأي رسمة تستلزم وجود قالب خاص يتم استخدام الإبرة الحادة فيه ومن ثم يتم "كبسه" بطريقة حرارية من أجل عرضه وهو ما يستلزم وقتا أكبر مقارنة بالرسم بالريشة مثلا. وعبرت الفنانة طلاع عن سعادتها في المشاركة في هذا المعرض وتقول: "لقد شاركت في معارض منفردة بالسابق ولاقت أعمالي ترحيبا كبيرا، ألا أن المشاركة في معرض يمثل نخبة من الفنانين هو شرف كبير لأي فنان". وتقول الفنانة السورية إن هذا المعرض عرَّفها على العديد من الفنانين المشاركين وسيتيح لها توسيع دائرة معارفها الفنية. مشاركة خضعت لدراسة وبالرغم من أن هذا المعرض يرحب بكل الفنانين والفنانات للمشاركة به إلا أن المشاركين حظوا بموافقة لجنة مختصة قبل عرض أعمالهم، بحسب زهران العقيل أحد القائمين على هذا المعرض. عقيل وهو فنان سوري شاركت لوحاته أيضا في هذا المعرض إلا أنه أيضا عضو في لجنة خاصة من عدة فنانين عرب وألمان تم تشكيلها من أجل تقييم الأعمال المعروضة ومخاطبة الفنانين وإصدار موافقة على مشاركتهم. ويرى العقيل أن المعرض له أهمية خاصة في تجميع الكفاءات الفنية وعرضها بطريقة لائقة من أجل المساهمة في نشر الثقافة العربية لا سيما أن الفن هو إحدى مقومات أية حضارة. وبحسب عقيل فإن في المعرض فعاليات فنية طيلة أيام العرض وغير منحصر فقط بعرض الأعمال الفنية بل إن هناك بعض العروض الموسيقية وكذلك دورات إرشادية في الرسم وفعاليات للأطفال من أجل إضفاء حيوية وتنوع على البرنامج.
وأثناء تجوال الزائر في ردهات المعرض يصادف صلاح الأيوبي المشارك بلوحات جده الفنان التشكيلي الراحل خير الدين الأيوبي، وتتحدث اللوحات عن حياة دمشق القديمة وتظهر جوانب الحياة العامة في خمسينيات القرن العشرين، وقال الأيوبي إنه نجح في إخراج بعض صور جده من سوريا خوفا عليها من الضياع والتلف ومن أجل إتاحة الفرصة لعرضها من جديد وتمكين مَن يرغب في مشاهدتها والتعرف عليها مِن ذلك. وكذلك يصادف الزائر الفنانة سميرة بخاش من حلب والمقيمة في بلجيكا، وبحسب بخاش فإن المعرض نجح في إبراز جوانب فنية مختلفة، كما نجح في تعريف الزوار بماهية الحداثة في الفن وهو أمر مهم من أجل إبراز الجوانب الحضارية للبلاد العربية. الفنان ذو الفقار الشعراني من مدينة السلمية، أعرب عن سعادته بالمشاركة في هذا المعرض إلا أنه أسف من غياب مدارس الفن العربية الأصيلة في أعمال العديد من المشاركين، ويقول الفقراني من الملاحظ مدى تأثر الفنانين العرب بالمدارس الأوروبية، وهو ما يطرح علامة سؤال عن ماهية التكوين الفني للمناهج الدراسية في الدول العربية ويضيف: "الفن العربي له مدارس عديدة مثل فن الرقش العربي (الأرابيسك) والزخرفة والفسيفساء وهو ما بتنا نفتقده في أعمالنا". غير أن الفنانة قيم طلاع لا توافق زميلها تماما فهي تعتقد أن الفنان العربي حتى وأن اتبع مدرسة أوروبية إلا أن مكونات اللوحة واختيار الألوان وغيرها من الأمور تُشعِر الرائي بأن هذه الصور شرقية عربية، وتضيف "أميل أحيانا إلى استخدام اللون الذهبي، ما يضيف عليها طابعا شرقيا. زملائي الفرنسيون يقولون: لوحاتك تُظهِر الروح العربية". عرض على أنغام الموسيقى الفنانة المغربية فاطمة دويران -أو أم هند كما تحب أن تعرف بنفسها- كانت إحدى المشاركات في هذا المعرض، ووقفت الفنانة القادمة من الرباط أمام بعض لوحاتها وهي تشرح عنها لا سيما أنها فنانة تستخدم الفن التجريدي. وتقول الفنانة في الفن التجريدي إن لكل شخص رؤية وفهم مختلف لما يراه وهو ما يوضح مدى صعوبة عمل اللوحات التجريدية، وترى الفنانة أم هند أن قدومها ومشاركتها يبين التلاحم العربي في المهجر وتقول إن هذه فرصة كبيرة للتعارف مع الآخرين لا سيما الفنانين.
كذلك عبر الفنان الهاشمي المليجي من الرباط عن سعادته في المشاركة مؤكدا أنه لم يتردد في القدوم إلى هذا المعرض بالرغم من مشاق السفر وذلك من أجل المساهمة في تقديم صورة جميلة ومشرفة عن الفن والحضارة العربية في المهجر. ورويدا رويدا بدأت القاعة في الامتلاء ومع توافد العديد من الزوار عزفت الموسيقى ما دفع العديد من المترددين إلى الدخول إلى القاعة للتعرف على جوانب ثقافة مختلفة، وبانت الابتسامة على وجوه الزوار فيما تمايل البعض على أنغام أغنيات فيروز، وبدا لوهلة وكأن القاعة قد تحولت إلى لوحة بشرية امتزجت فيها الثقافات والأعراق وكونت مزيجا واحدا يُدعى السعادة. علاء جمعة - كولونياحقوق النشر: مهاجر نيوز 2018 ar.Qantara.de