المدرسة لم تعد سوى ذكرى بعيدة في قطاع غزة

دروس مؤقتة في خان يونس بعد ما يقارب من سبعة أشهر بدون مدرسة – قطاع غزة. Provisorische Schule in Khan Juni, Gazastreifen
دروس مؤقتة في خان يونس بعد ما يقارب من سبعة أشهر بدون مدرسة. يوضع المعلم محمد خضري: "نحاول تقليد بيئة الصفوف المدرسية الحقيقية. يتعلم الأطفال القصائد العربية ويقرأون الأدب ويتلقون دروساً في اللغة الإنكليزية وفي الرياضيات". صورة من: Abu Shanaa

لم يذهب أطفال قطاع غزة إلى المدارس منذ بداية الحرب ويحذِّر ممثلو الأمم المتحدة من أن إسرائيل تدمِّر بشكل ممنهَج نظام التعليم الفلسطيني، "فكلما طال أمد بقاء الأطفال خارج المدارس زاد خطر عدم عودتهم إليها". متابعة الصحفي كريم الجوهري لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Karim El- Gawhary

لم يذهب أطفال قطاع غزة إلى المدارس منذ بداية الحرب ويحذِّر ممثلو الأمم المتحدة من أن إسرائيل تدمِّر بشكل ممنهَج نظام التعليم الفلسطيني، "فكلما طال أمد بقاء الأطفال خارج المدارس زاد خطر عدم عودتهم إليها". متابعة الصحفي كريم الجوهري لموقع قنطرة.

يتجول الصديقان محمد وعابد في مدرستهما القديمة في خان يونس جنوب قطاع غزة، أو بالأحرى فيما تبقى منها. ويمتلئ فناء المدرسة بحطام المبنى. تحطَّمت نافذة صفهم الدراسي بسبب الصدمة الناجمة عن الانفجار، مما سمح برؤية بقية المبنى المدمَّر. استخرج الاثنان المواد المدرسية القديمة من بين الأنقاض. تتوالى الصور والمشاهد من وكالة رويترز للأنباء.

يقول محمد الفجم، البالغ من العمر عشر سنوات: "كنت الأول على صفي. كان هذا صفي. انظر، لقد تدمَّر بالكامل". ويشير إلى أنَّه من الممكن أن تستمر الدروس في الخيام المنصوبة أمام المبنى.

سيكون سعيداً جداً بالعودة أخيراً إلى المدرسة. لكن الموضوع لن يكون ذاته أبداً. يقول: "لدي أصدقاء ماتوا في الحرب، بسام ومحمد وعبدالله. غالباً ما كانوا يأتون إلى منزلي ونذهب إلى المدرسة سويةً كل يوم".

ووفقاً لوزارة التعليم الفلسطينية قُتِل ما يقرب من 5000 طالب وأكثر من 260 معلماً في الهجوم الإسرائيلي الذي بدأ بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 واحتجاز حماس لرهائن إسرائيليين.

دروس في الهواء الطلق في خان يونس دروس مؤقتة بعد نحو سبعة أشهر بدون مدرسة – قطاع غزة. Unterricht unter freiem Himmel in Khan Junis
دروس في الهواء الطلق في خان يونس. تلخِّص ابتسام الرملاوي -وهي أم لأربع بنات- مشاعرها قائلةً: "أخشى أن تتخلف بناتي عن الركب لأنهن لم يتلقين أي تعليم منذ فترة طويلة. بذلت قصارى جهدي لضمان حصولهن على تعليم لائق. كوالدة أجد الوضع برمته فظيعاً". صورة من: Abu Shanaa

التدمير متعمَّد؟

لم يذهب 625 ألف طالب في قطاع غزة إلى المدرسة منذ أكثر من ستة أشهر. ويقول جوناثان كريك، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في القدس: "لا يوجد أي شكل من أشكال التعليم أو الدراسة في غزة في الوقت الحالي". وفي الوقت ذاته يدين خبراء الأمم المتحدة "التدمير الممنهَج لنظام التعليم" في قطاع غزة، وفقاً لبيان صدر في نيسان / أبريل 2024 في أخبار الأمم المتحدة.

ويواصل البيان: "قد يكون من المعقول التساؤل عما إذا كان هناك جهد متعمَّد لتدمير نظام التعليم الفلسطيني بشكل شامل، في عمل يُعرف باسم "الإبادة التعليمية"". ويشير مصطلح "الإبادة التعليمية" إلى "المحو الممنهَج المتعمَّد للتعليم من خلال اعتقال أو احتجاز أو قتل المعلمين والطلاب والموظفين وتدمير البنية التحتية التعليمية".

أصدرت إنغر أشينغ -الرئيسة التنفيذية لمنظمة "أنقذوا الأطفال الدولية"- ويان إيغلاند -الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين- واللَّذَيْن تنشط منظمتاهما في قطاع غزة بياناً مشتركاً يحذران فيه من العواقب الطويلة المدى لهذا الدمار.

يقولون إنَّ هذا الدمار سيحمل تأثيراً دائماً على جيل كامل. وبسبب النزاع لم تعد هناك إمكانية للحصول على التعليم. ولكن ما أن تضع الحرب أوزارها لن تكون هناك مدارس ليعود إليها الأطفال. ويحذر الخبيران "نعرف من الأزمات السابقة أنَّه كلما طال أمد بقاء الأطفال خارج المدارس زاد خطر عدم عودتهم إليها".

Here you can access external content. Click to view.

"نحاول تقليد بيئة الصف المدرسي"

وهذا أحد الدوافع وراء مبادرة جديدة في خان يونس، غير بعيدة عن مدرسة الصديقين محمد وعابد المدمَّرة، والتي تحاول إعادة تقديم نوع من التعليم. وفي الهواء الطلق، تجمَّع 50 طفلاً وبعض المعلمين. يجلسون على الأرض، ويقرأ الأطفال قصة قصيرة من ملصق معلَّق على جدار المبنى. ويتجلَّى حماسهم في علو أصواتهم أثناء القراءة مع المعلم.

يوضِّح المعلِّم محمد خضري: "بدأنا هذا لمنح الأطفال بعض الراحة النفسية من مخاوفهم والتفجيرات. نحاول تقليد بيئة صف دراسي حقيقي. يتعلمون القصائد العربية، ويقرأون الأدب، واللغة الإنكليزية والرياضيات".

ويصف المعلم محمد خضري الهدف من المبادرة بأنه السعي لمساعدة التلاميذ على المواصلة من حيث توقفوا، ومنعهم من الابتعاد أكثر عن دراستهم. ويعترف قائلاً: "بالطبع فإنَّ هذا ليس بديلاً عن المدرسة الحقيقية". ثم وزَّع بعض الكتب المدرسية، وعددها قليل جداً بالنسبة للأطفال الموجودين. وتبقى العديد من أيدي الأطفال الممدودة فارغة.

Here you can access external content. Click to view.

القليل من الحياة الطبيعية

كانت إيمان أحمد -طالبة الصف الثالث- محظوظة لعودتها إلى المنزل مع كتاب مدرسي، أو -على وجه التحديد- عودتها إلى الخيمة أو الحاوية التي تعيش فيها عائلتها منذ أن فروا من مدينة غزة إلى الجنوب هرباً من الهجمات الإسرائيلية. تقضي اليوم هناك مع إخوتها، لكن حتى هذا الوضع ليس آمناً.

تقول الفتاة الصغيرة: "قبل الحرب كنت استيقظ كل صباح وأتناول الفطور ومن ثم ارتدي الزي المدرسي. الآن استيقظ حين أسمع صوت الانفجارات. لكنني اعتدت على ذلك الآن".

وابتسام الرملاوي -والدة إيمان- قلقة على مستقبل تعليم بناتها الأربع. حين تتحدث بناتها عن المنزل يكون عادةً الحديث عن المدرسة التي التحقن بها مع أصدقائهن.

تقول الأم ملخصة مشاعرها: "أخشى أن تتخلَّف بناتي عن الركب لأنهن لم يتلقين أي دروس لفترة طويلة. حاولنا التعويض عن ذلك في المنزل بأفضل ما نستطيع من خلال الكتب المدرسية. بذلت قصارى جهدي لضمان حصول بناتي على تعليم لائق. وبوصفي والدة أجد الوضع برمته فظيعاً".

على الأقل تمنح المبادرة الجديدة ابنتها بعض الأمل. تقول إيمان: "إنها تذكرني بأيام المدرسة مع أصدقائي. وهذا شعور رائع كنت قد نسيته خلال شهور الحرب الماضية".

في نهاية اليوم الدراسي، يقف المعلم محمد خضري ممسكاً بختم، محاطاً بالأطفال. يختم قلباً أحمر على خدودهم. بمثابة تأكيد لحضورهم حين عودتهم إلى المنزل. بيد أنَّ هذا الختم في الواقع أكثر من ذلك بكثير: تذكير صغير بأنَّ الشيء القليل من الحياة الطبيعية قد عاد إلى حياة الأطفال، ولو لفترة وجيزة من الزمن.

 

 

كريم الجوهري

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2024

Qantara.de/ar