هل من مخرج للصراع الإسرائيلي الفلسطيني الدائم؟
يربط كثيرون بين الهجوم المروع -الذي شنته حركة حماس الإسلامية الراديكالية في السابع من أكتوبر- ورد فعل إسرائيل القاسي في غزة بحرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973. ويبدو أن ما يسمى بالتأثير المفاجئ -عنصر المفاجأة- للهجوم آنذاك والآن يبدو مبررا بالقدر الكافي لإجراء هذه المقارنة المفترضة.
أما أنا، فإنني أفضل أن أربط التصعيد الحالي بحرب يونيو/حزيران 1967، ليس لأن خلفيتَيْ الحدثين متوازيتان، وليس لأن الأحداث نفسها متشابهة، ولكن بسبب عواقب كل منهما: فكما سُجِلت حرب عام 1967 في كتب التاريخ باعتبارها نقطة تحول مهمة، فإن الصراع الحالي سوف يغير أيضاً الديناميكيات في الشرق الأوسط.
سيتعين على الفكرة الصهيونية أن تتحرك فيما يتعلق بمطالبتها بالسلطة في فلسطين التاريخية، وكذلك القيادة الفلسطينية. لقد فشلت هذه القيادة نهائيا في فرض تصوراتها لحل القضية الفلسطينية.
بدأت حرب يونيو/حزيران 1967 حقبة الاحتلال والضم والاستيطان المفرط للضفة الغربية. ولا يمكن لأي محكمة أو منظمة دولية أو حتى سياسة أن تشكك في حقيقة أن هذه العناصر الثلاثة تتعارض بشكل صارخ مع القانون الدولي. إن تمسك إسرائيل بهذه العناصر الثلاثة يوثق السقوط الفعلي للقانون الدولي.
يشعر المستوطنون اليهود الذين يبلغ عددهم حاليا نحو 700 ألف، والذي ينتمي جزء كبير منهم إلى التيار الديني القومي، أنهم "في وطنهم" في الضفة الغربية. وعددهم يتزايد بشكل كبير بفضل حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية الحالية.
وهذا لا يبطل فحسب النظام القانوني الدولي إلى درجة السخافة، بل يبطل أيضا تشبُّث دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا المتكرر -والأشبه بصلوات متكررة- واعترافها بحل الدولتين، على الرغم من أن هذا الحل لا يعدو كونه مجرد سراب على أي حال.
لقد انتهت عملية السلام التي بدأت في أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قبل أن تبدأ فعلياً تقريباً نتيجة لاغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين عام 1995 على يد طالب يهودي يميني، وتكفل النشاط الاستيطاني المفرط المستمر والسياسة المتأرجحة المفتقرة لخطة واضحة لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية السابق ياسر عرفات بالقضاء على ما تبقى من عملية السلام.
احتفالية إبراهيمية مرحبة بالجميع
حيفا نموذج مثالي لتجانس نسبي بين مواطني إسرائيل الفلسطينيين واليهود و"عيد أعيادها" يجمع المتعة والتعدد الثقافي والسياحة المحلية كما يكتب نعوم ياتسيف لموقع قنطرة.
مسألة الدولة يمكن حلها بالتأكيد
هل يمكن للتصعيد الحالي، رغم هوسه ودمويته المتجاوزين لكل المقاييس، أن يوفر فرصة لحل هذا الصراع الأبدي بشكل شامل وعادل، ولو على المدى المتوسط على الأقل؟ إن الأشكال الأحادية المؤقتة المتبعة حتى الآن لإدارة الصراع لم تؤدِّ إلا إلى المزيد من التعنت والكراهية والانتقام.
ومع ذلك بالنسبة للمدافعين عن الحكومة الإسرائيلية الناشطين بقوة في الشمال العالمي، وخاصة في الولايات المتحدة وألمانيا، كان الصراع المجمد مجرد نجاح تكتيكي. لقد حققت إسرائيل دائمًا انتصارًا عسكريًا في نهاية كل صراع عسكري جديد، لكن هذه الانتصارات كان بها عيب وهو أنها لم تجلب سلاما وأمنا فعليا إلى البلاد قط.
كما فشلت القيادة الفلسطينية المزدوجة في رام الله ومدينة غزة على المستوى الاستراتيجي. إذ يتشبث كلا الجناحين بمطالباتهما بالسلطة الإقليمية، ويقضيان على أي محاولة جادة للاتفاق في مهدها، ويرفضان في النهاية الدعوة إلى انتخابات ديمقراطية.
وقد جرت هذه الأخيرة في عام 2006. ومع ذلك فإن إجراء انتخابات جديدة سيكون أمرا حاسما من أجل تجاوز الانقسام وتسوية قضية إقامة الدولة.
حل الدولتين مات بالفعل
ولكن من المؤكد أن مسألة إقامة الدولة -التي تبدو لنا اليوم ضربا من الخيال- من الممكن أن يتم حلها إذا توفرت إرادة سياسية حقيقية من الجانب الإسرائيلي. سيكون هناك ثلاثة خيارات: الخيار الأول يكمن في الوضع الراهن، لكنه غير مقبول بسبب تكريس الاحتلال واستمرار بناء المستوطنات والاستخدام المفرط للعنف ضد السكان (بالضفة الغربية) من قبل المستوطنين المتعصبين أيديولوجياً. ويتضمن هذا الخيار أيضًا عناصر دقيقة يصفها البعض بمصطلح الفصل العنصري المثير للجدل.
أما الخيار الثاني فهو ما يسمى بحل الدولتين. لكن هل ما زال هذا الخيار على قيد الحياة؟ ربما لا: فحتى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب -الذي لا يتمتع بمواهب مفاهيمية استثنائية- أشار عن حق إلى أن هذه الفكرة أصبحت بالية منذ فترة طويلة.
ووجود 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية وحده أمر يعارض هذا الخيار. ومع أن وزيرة الخارجية الألمانية بيربوك قد تدعو إلى "وقف الاستيطان"، لكن هذا لن يكون كافياً على الإطلاق. إن إخلاء المستوطنات هو وحده الذي سيمكن من التوصل إلى حل يتماشى مع هذا الخيار ـ ولكن هذا أمر لا يمكن تصوره تقريبا نظراً للجبهات الإيديولوجية المتعنتة في إسرائيل.
على الرغم من كل شيء فإن التعايش المشترك ناجح
أما الخيار الثالث المتبقي فهي الرؤية التي تبدو ساذجة ولكن يمكن تطبيقها على المدى الطويل لدولة مشتركة يمكن تسميتها "أبراهام/إبراهيم". ونظرا لأنني كنت أزور إسرائيل وفلسطين بانتظام حتى تفشي وباء كورونا، أستطيع أن أتحدث عن تعايش متواضع ولكن مع ذلك بنَّاء بين مجتمع الأغلبية اليهودية في إسرائيل و"الإسرائيليين الفلسطينيين" (عرب إسرائيل).
في مدينة يافا حيث كان مولدي، وعلى نحو أكبر أيضا في حيفا وعكا والناصرة، يمضي التعايش بشكل جيد نسبيًا. ومع ذلك فإن الصور النمطية السلبية هي السائدة بشكل عام: ففي تصور الفلسطينيين، يعتبر اليهود الإسرائيليون مجرد "جنود قمعيين ومحتلين"، بينما ينظر الإسرائيليون في كثير من الأحيان إلى الفلسطينيين على أنهم "إرهابيون".
إن تبني صور مثل هذه -عن جيران يجب عليك أن تعيش بجوارهم ومعهم- هو أمر أعرفه من سويسرا. ونظرا لأنني تأقلمت ثقافياً واجتماعياً هناك -من خلال زوجتي- إضافة إلى ألمانيا، فأنا أؤمن بإمكانية التعايش. إن نموذج الحكومة السويسرية كنهج لاحتواء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يمكن أن يكون طريقا لهذا الشكل من التعايش.
لا يوجد تواصل
إن أفراد الثقافات الأربعة المختلفة في سويسرا ليسوا متصلين بعضهم ببعض بمشاعر قوية. إن مصطلحات مثل، المصطلح الساخر، "روستيغرابين" (Rösti-Graben) (وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى الحدود الفاصلة ثقافيا وفكريا بين السويسريين الناطقين بالألمانية والسويسريين الناطقين بالفرنسية) والمصطلح "بولينتاغرابين" (Polenta-Graben) (وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى الحدود الثقافية والفكرية بين السويسريين الألمان والسويسريين الإيطاليين)، تثبت أن هذا التقسيم ليس مجرد تقسيم فولكلوري -تراثي شعبي- فقط. ولكن على الرغم من ذلك فإن التعايش هناك متحقق بشكل أفضل من أي مكان آخر. بالطبع لا يمكن مقارنة علاقة التوتر الجهنمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين بالوضع في الكونفدرالية السويسرية، والتي لا يمكن أن تنشب الحروب إلا خارجها فقط.
وخلافاً لما هو عليه الحال في "الأرض المقدسة"، يعرف الناس في سويسرا بعضهم البعض جيداً ويثقون بعضهم ببعض، في حين أن الفلسطينيين والإسرائيليين نادراً ما يعرفون بعضهم البعض، ناهيك عن غياب ثقة بعضهم ببعض. وهذا عائق يصعب التغلب عليه نفسياً من أجل إقامة دولة مشتركة. وبدون تعزيز التواصل المتبادل - وخاصة على مستوى القاعدة (الشعبية)، على سبيل المثال من خلال مبادرات المواطنين - فإن فكرة الدولة المشتركة ستظل بالتالي ضربا من الخيال.
سويسرا: أربع ثقافات وأربع لغات
وعندما تنمو الثقة عند نقطة ما، فمن المؤكد أن النموذج السويسري قد يقدم نهجاً لبناء دولة مشتركة. عدد السكان والمساحة متشابهان، وكذلك التنوع الثقافي الهائل: في كلتا الحالتين هناك عناصر معقدة متعددة الثقافات، ومتعددة اللغات، ومتعددة الطوائف. سويسرا الصغيرة هي موطن لأربع ثقافات وأربع لغات. في دولة إبراهام/إبراهيم سيكون هناك لغتان (العبرية والعربية)، مع اعتبار اللغة الإنكليزية لغة مشتركة.
في كلتا الحالتين غالبا ما يكون هناك فصل إقليمي بين المناطق اللغوية والثقافية المختلفة، وهو ما قد يكون بالتأكيد مفيدًا في إطار الحد من الصراع في الحياة اليومية: مع بعض الاستثناءات (فرايبورغ، بِرن، فاليس)، فإن هذه هي القاعدة في سويسرا.
وهناك أيضاً فصل إقليمي مماثل للمجموعات السكانية في المنطقة الأساسية لإسرائيل، باستثناء حيفا ويافا وعكا والناصرة، وبلا شك فإن الحالة الأكثر حساسية هي القدس. ويعيش فلسطينيون فقط فيما يسمى بـ"المثلث" في الجليل، بينما يعيش اليهود الإسرائيليون بشكل حصري تقريبًا في مناطق مثل نهاريا وصفد ونتانيا.
ولا ينبغي لدولة أبراهام/ إبراهيم أي ذلك المجتمع الذي سيتم تأسيسه أن يكون، مثل سويسرا، "دولة قومية" كلاسيكية، بل "أمة إرادة". ويبدو هذا التوجه خياليا على الأمد القريب ـ في ضوء الفظائع التي ارتكبتها حماس يوم 7 أكتوبر، والأعمال الوحشية المستمرة التي تقوم بها إسرائيل ضد السكان المدنيين في غزة.
ولكن على المدى الطويل، تبدو دولة إبراهام/إبراهيم قابلة للتصور وممكنة بالنسبة لي، بشرط ألا تقوم على الهيمنة الصهيونية أو على فكرة الدولة الجهادية. يمكن نقل الكثير من عناصر النظام الدستوري الناجح في سويسرا، مثل النظام القانوني على مستوى الكانتونات، والفيدرالية، وأخيرا الديمقراطية المباشرة، إلى الدولة الديمقراطية المشتركة. وهناك شيء آخر يدعم هذه الفكرة - وهي الحجة الأكثر أهمية تقريبًا وهي أنه: ليس لدينا أي حل آخر تقريبًا.
عارف حجاج
حقوق النشر والترجمة: موقع قنطرة 2024
وُلِدَ عارف حجاج في فبراير / شباط 1943 في يافا، في فلسطين. بعد الترحيل عام 1948، نشأ في بيروت والكويت ودرس العلوم السياسية والتاريخ والقانون الدولي في هايدلبرغ الألمانية. نشر مؤخرًا كتابه "مشرد بثلاثة أوطان. نصوص نثرية عن الاختلاف" (دار نشر كينَر).