حوار مع المفكر الراحل محمد أركون - نقد العقل الإسلامي
يتموقع "النقد المزدوج" كما يمارسه أركون ضد التيارين معا وليس بينهما، وكما يرفض مبدأ القطيعة التاريخية والابستيميائية، يرفض أيضا الهوية المنغلقة ودعاوي العقلانية من الداخل، مؤسسا لعلاقة نقدية، ورؤية تفكيكية للعقل الغربي والعقل الإسلامي معا، وهو ما نلمسه بوضوح في نقده للسياج الدوغمائي الذي يحكم الثقافة الإسلامية من جهة، وللاستشراف والعلمانية والمركزية الغربية من جهة ثانية. إن أركون يدعونا إلى كتابة تاريخ نقدي للعقل الإسلامي.
وبعبارة أخرى، إلى النظر إلى ما هو أبعد من التاريخ الرسمي للثقافة الإسلامية، والذي يعتقد بوجود عقل ثابت ومفارق للزمن. وفي هذا السياق تندرج دعوته إلى إعادة قراءة علم أصول الدين وعلم أصول الفقه، من أجل تحقيق هدفين أساسيين. الهدف الأول يبغي تجاوز الرؤية التاريخية الخطية لكل علم من هذه العلوم، من أجل الإمساك بنظام الفكر الإسلامي "الذي يربط بين علم النحو وعلم الألفاظ والمعاني والتفسير والتأريخ وعلم الأصول والأدب الكلاسيكي للكلمة من جهة وبين العلوم المدعوة عقلية من جهة أخرى".
أما الهدف الثاني فهو "توضيح وتبيان تاريخية العقل الخاصة بتلك الحركة الثقافية التي أدت إلى نتيجة مفادها اعتبار الشريعة والنظر إليها وكأنها التعبير الموثوق عن وصايا الله وأوامره" ويعني بذلك مساهمة علم الأصول في الارتفاع بقوانين ارتبطت بسياق تاريخي محدد إلى مستوى المقدس والمتعالي، وهو ما يدعو أركون إلى تفكيكه، وبلغة أخرى، تفكيك هذا اللامفكر فيه داخل الفكر الإسلامي، والمتمثل في تاريخية العقل الذي بلور علم الأصول.
ويرى أركون بأن الفكر الإسلامي المعاصر، المرتبط بإيديولوجيا الكفاح، غير قادر على الدخول في هذه القراءة النقدية ـ التاريخية للتراث، لأنه يعمد أكثر إلى استغلاله أيديولوجيا من أجل تجييش الجماهير. ويضرب أركون مثلا على ذلك بالثورة الإسلامية في إيران، التي، وإن رافقتها عودة لمظاهر وعلامات ثقافية "إسلامية"، إلا أنها تظل بعيدة عن كل دراسة علمية لهذا التراث الديني، إن لم تقف ضد تحقيق ذلك. إن أركون يطالب بمقاربة جديدة للحقيقة الدينية، تقوم على تحليل مستوياتها اللغوية والسيميائية والتاريخية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية والفلسفية، بهدف الخروج وتجاوز خطاب الاكتفاء الذاتي.
ويعتبر أركون، المفكر الفرنسي من أصل جزائري، والفيلسوف والمؤرخ في الفكر الإسلامي، من بين الشخصيات الأكثر تأثيرًا في العالم الإسلامي المعاصر، كما كان أستاذًا فخريًا في جامعة السوربون (باريس 3)، ودرس "الدراسات الإسلامية التطبيقية"، في جامعات أوروبية وأميركية ومغاربية عدة. - See more at: http://elaph.com/Web/News/2017/3/1136166.html#sthash.b7YfYTVN.dpuf