هل تتعافى المنطقة العربية من عدوى ترامب؟
أُثير نزاع بين الدول الخليجية وقطر بسبب بيان مزعوم من أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، نُشر على موقع وكالة الأنباء القطرية الرسمية في الرابع والعشرين من أيَّار/مايو 2017. وفي هذا البيان تم وصف عدوة السعودية اللدودة إيران كقوة عظمى من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلى وصف علاقات قطر مع إسرائيل على أنَّها جيِّدة وحركة حماس المنبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين على أنَّها الممثِّل الشرعي للشعب الفلسطيني.
من جانبها أوضحت قطر أنَّ هذا البيان لم يكن حقيقيًا وأنَّ وكالة الأنباء القطرية قد وقعت ضحيةً لهجوم قراصنة الإنترنت. ولكن في هذه الأثناء كانت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية قد أطلقت حملةً إعلاميةً حادة اللهجة ضدَّ قطر، تعرَّضت فيها قطر لهجوم واسع النطاق بسبب هذه المواقف التي تتعارض بوضوح مع مواقف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتَّحدة.
ولكن على الرغم من التأكيدات القطرية بأنَّ هذا كان مجرَّد هجوم من القراصنة، بيد أنَّ المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتَّحدة استمرتا في تصعيد هجماتهما ضدَّ دولة قطر. واصلت الدولتان الخليجيتان هذه الحملة الإعلامية وتم حجب بعض وسائل الإعلام القطرية (وخاصة قناة الجزيرة) لديهما.
وفي هذه الأثناء اشتعل النزاع أكثر: حيث قامت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتَّحدة بإيقاف جميع وسائل المواصلات إلى قطر، وتم سحب الموظفين الدبلوماسيين وطالبتا من المواطنين القطريين مغادرة البلدين خلال أسبوعين. وبالإضافة إلى ذلك فقد تم استبعاد قطر من التحالف العسكري الموجَّه ضدَّ المتمرِّدين الحوثيين في اليمن.
بلغت المواجهة ذروة مؤقَّتة عندما أتاحت وسائل إعلام إماراتية فرصة الحديث لعضو من الأسرة الحاكمة القطرية معارض لأمير قطر الحالي من أجل التعبير عن آرائه الناقدة للقيادة القطرية الحالية. وهذا المعارض اغتنم هذه الفرصة لينتقد سياسة أمير قطر بشدة، وقد تحدَّث حتى عن وجود خطط لتأسيس حزب معارض.
وفي الاتِّجاه نفسه سارت تصريحات أحد أفراد جماعات الضغط السعودية في واشنطن: فقد قام هذا الأخير بتذكير أمير قطر على موقع تويتر فيما يتعلق بعلاقات قطر مع إيران بأنَّ الرئيس المصري المعزول عضو جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي قد فعل الشيء نفسه والآن بات يقبع في السجن. تتجاوز مثل هذه الإجراءات المعتاد وتُمثِّل تهديدات غير مخفية بانقلاب مدعوم من الخارج إذا لم يتحوَّل الأمير القطري إلى المسار السياسي الإقليمي الذي تنتهجه السعودية والإمارات.
يوجد خلف هذه التطوُّرات قبل كلِّ شيء عاملان. فمن ناحية بدأت التوتُّرات بين قطر والإمارات العربية المتَّحدة بالفعل منذ عام 2011، وذلك عندما بدأت دولة قطر بدعم جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت في تلك الفترة تحاول الوصول إلى السلطة في جميع أنحاء المنطقة من خلال الانتخابات. في حين أنَّ كلاً من قادة دولة الإمارات العربية المتَّحدة وكذلك المملكة العربية السعودية كانوا ينظرون إلى الإخوان المسلمين على أنَّهم يمثِّلون تهديدًا وجوديًا لحكمهم.
وكذلك كان يخشى الطرفان من حدوث تقارب بين مثل هذه الدول (وعلى رأسها مصر) وبين إيران. وبعد إسقاط الرئيس المصري محمد مرسي في شهر تمُّوز/يوليو 2013، والذي تم الترحيب به كثيرًا من قِبَل الدولتين الخليجيتين (السعودية والإمارات)، تعرَّضت قطر لضغوط متزايدة بهدف وقف دعمها الإعلامي والمالي والمادي للجماعات الإسلامية.
وعندما لم تستجب قطر لهذه المطالبات بما فيه الكفاية من وجهة نظر المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتَّحدة، وصل الأمر أخيرًا في عام 2014 إلى أزمة دبلوماسية، بلغت ذروتها في سحب كلّ من السعودية والإمارات ومملكة البحرين الصغيرة سفراءها من قطر.
وصحيح أنَّ هذه الأزمة قد تمت تسويتها من خلال تقديم قطر تنازلات، ولكن لم يحدث أي تغيير جذري في سياسة قطر. وظلت على وجه الخصوص علاقاتُ قطر مع دولة الإمارات العربية المتَّحدة باردةً جدًا. فعلى العكس من الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز، الذي لم يعد ينظر إلى الإخوان المسلمين على أنَّهم يشكِّلون تهديدًا خطيرًا وحتى أنَّه أصبح يتعاون معهم في اليمن، فإنَّ القيادة في أبو ظبي، وعلى رأسها ولي العهد محمد بن زايد، لا تزال تتَّخذ حتى يومنا هذا موقفًا متشدِّدًا من الإخوان المسلمين.
العلاقات القطرية مع إيران شوكة في عين السعوديين
ومن ناحية أخرى تعتبر علاقة قطر مع إيران بمثابة شوكة في عين المملكة العربية السعودية. فهذه الإمارة (دولة قطر) تدير حقل غاز مشتركًا مع ايران ولهذا السبب وحده تعتمد على علاقات براغماتية مع إيران. في الحملة الأخيرة المعادية لقطر اتَّهمت وسائل إعلام سعودية أيضًا الأمير تميم باللقاء سرًا في بغداد مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني.
أمَّا العامل الثاني لتفسير هذا الصراع فهو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فقد أعطى عمليًا لحكَّام دول الخليج المستبدين تفويضًا مطلقًا للعمل بقسوة في المستقبل ضدَّ "الإرهابيين". ولكن حكَّام دول الخليج لا يرون أنَّ الإرهاب يتمثَّل في تنظيم القاعدة وتنظيم "الدولة الإسلامية" فقط، بل في أي شكل من أشكال المعارضة الموجَّهة ضدَّ أسرهم الحاكمة وكذلك في إيران، التي تدعم من وجهة نظرهم الإرهابيين.
وعلى هذه الخلفية يجب علينا أيضًا أن ننظر إلى موجة القمع المشدَّدة الحالية ضدَّ المعارضة (الإسلامية وغير الإسلامية) وضدَّ وسائل الإعلام الناقدة في البحرين وفي مصر الحليفة. وبالنسبة للطغاة في هذه الدول من الواضح أنَّهم ليسوا بحاجة لأن يخشوا من أي انتقاد من جانب دونالد ترامب عندما يستخدمون العنف الوحشي ضدَّ معارضيهم بذريعة محاربة الإرهاب وعندما يدوسون حينئذ حقوق الإنسان بأقدامهم.
بسبب موقف إدارة دونالد ترامب الناقد لإيران بات بإمكان المرء الآن أن ينتهج مسارًا أكثر تشدُّدًا حتى ضدَّ إيران، الأمر الذي أشار إليه أيضًا نائب ولي العهد السعودي من خلال قوله إنَّ المعركة ضدَّ إيران لن تجري على الأراضي السعودية، بل على الأراضي الإيرانية. صحيح أنَّ ما يعنيه بذلك على وجه التحديد لا يزال غير واضح بعد، ولكن مع ذلك يتعيَّن أن يكون هذا مدعاةً للقلق. لذلك فقد بات بعض المحللين يتوقَّعون بالفعل قيام السعودية بمحاولات تعبئة محتملة للأقليَّات الوهابية في داخل إيران ضدَّ القيادة في طهران.
تسخير الإمارات لعمل جماعات الضغط بشكل كبير ضدَّ قطر
ومع هذا الدعم السياسي الجديد من قِبَل دونالد ترامب بات بإمكان المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتَّحدة أن تعيدا قطر إلى مسارهما بوسائل قاسية. ومع ذلك فهناك بعض المؤشرات التي تشير إلى أنَّ وكالة الأنباء القطرية قد تعرَّضت حقًا لهجوم من قِبَل قراصنة. وذلك لأنَّ نشر مثل هذا البيان لم يكن على كلِّ حال في مصلحة قطر.
ويضاف إلى ذلك أنَّ قطر قد طلبت بحسب بعض التقارير من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي إف بي آي مساعدتها في الكشف عن هذا الهجوم الإلكتروني. كذلك لقد تم اختيار توقيت الهجوم بعناية. حيث جاء هذا الهجوم أثناء ذروة حملة إعلامية طويلة الأمد ضدَّ هذه الدولة الخليجية في الولايات المتَّحدة الأمريكية. يتصدَّر هذه الحملة الإعلامية المعادية لقطر مركز الأبحاث الأمريكي "مؤسَّسة الدفاع عن الديمقراطيات"، الذي لفت الانتباه في المقام الأوَّل من خلال ومواقفه المؤيِّد لإسرائيل والمعادية لإيران، وقد نشر مؤلفوه سلسلة كاملة من مقالات تنتقد قطر وتتَّهمها بدعم الإرهاب.
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى الرسائل الإلكترونية المسرَّبة من بريد سفير دولة الإمارات العربية المتَّحدة في واشنطن، والتي تظهر تبادل الرسائل بشكل منتظم بين السفير الإماراتي ومركز الأبحاث المذكور. وتبيِّن هذه الرسائل الإلكترونية بالإضافة إلى جهود الضغط الكبيرة من قِبَل دولة الإمارات العربية المتَّحدة ضدَّ قطر، أنَّ دولة الإمارات ستُرحِّب بإغلاق الولايات المتَّحدة الأمريكية قاعدتها العسكرية الكبيرة في قطر ونقلها إلى بلد آخر.
ومن خلال ذلك يمكن أن تصبح قطر أكثر عرضة للخطر. وما من شكّ في أنَّ الحملة المعادية لقطر تخدم هذا الهدف. حتى الآن يمكن التكهُّن فقط حول من يقف خلف هجوم القراصنة الإلكتروني المزعوم؛ الذي وفَّر على أية حال للمملكة العربية السعودية ولدولة الإمارات العربية المتحدة (وحليفتهما مصر) فرصةً مواتيةً لزيادة الضغط بشكل كبير على دولة قطر.
ولذلك يتعيَّن على ألمانيا ودول الاتِّحاد الأوروبي أن تنتقد السياسة المعادية لقطر من جانب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتَّحدة. لأنَّ التعريف الواسع للإرهاب الذي تتبناه دول الخليج ذات الحكم المطلق وحلفاؤها، ويتم من خلاله وضع المعارضة المعتدلة في إناء واحد مع الجماعات الجهادية، وكذلك الموقف الذي يزداد عدوانية تجاه إيران، لا يساعدا على تحقيق الاستقرار في المنطقة.
ماتياس زايلَر
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017
ماتياس زايلَر باحث دكتوراه في مجموعة بحث الشرق الأدنى والأوسط وأفريقيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية SWP.