شجرة "مقدسة" تخلق آلاف فرص العمل في المغرب
تقع مدينة تافراوت المغربية في قلب الأطلس الصغير بجهة "سوس-درعة-ماسة" على بعد 130 كيلومتراً شرق مدينة أكادير، وهي مدينة صغيرة بمساحتها وسكانها الذين لا يتجاوزون عشرة آلاف نسمة.
يُعرف عن أهل المدينة بأنّهم أغنياء ورائدون في قطاع التجارة بمدن الدار البيضاء والرباط وغيرها، وخرج منها العلماء أمثال المختار السوسي، ومدينة جاءت بالوزراء أمثال عزيز أخنوش وزير الفلاحة، وحصاد وزير الداخلية سابقاً والتعليم لاحقاً قبل أن يعزله الملك محمد السادس من منصبه عام 2017.
يدلل الموقع الجغرافي للمدينة على أهميتها التاريخية والاقتصادية، فهي تقع ضمن جهة "سوس-درعة-ماسة" بملتقى جبال الأطلس الكبير والمتوسط والصغير، وتُعد أغنى الجهات المغربية بمواردها الطبيعية والاقتصادية لوجود مناجم الفضة والذهب والزنك والنحاس فيها، وتعرف الجهة فلاحيّاً بإنتاج التمور المغربية الأصيلة والزعفران والصناعات التقليدية اليدوية مثل النسيج والحلي الفضية وغيرها، فضلاً عن تاريخها الثقافي الذي شهد تعايشاً بين اليهود الأمازيغ قبل أن يختفي وجودهم والأمازيغ الأصل أو أهل سوس كما يُطلق عليهم والذين هاجر معظمهم إلى المدن الكبرى بحثاً عن فرص عمل.
من يفد إلى المدينة للمرة الأولى في آذار/ مارس، بداية زهر اللوز يلسعه ليل المدينة البارد، فالمدينة تقع على ارتفاع 1200 م عن سطح البحر، وجوّها جاف.
يلف صباحات الربيع فيها مشهداً سرمديا حيث الضباب المعلق بقمم جبالها، ويستمر حتى ساعات بعد الضحى، بعد الظهر تتضح معالم المدينة بصخورها البركانية والغرانيتية فتبدو جرداء، إلّا أن طبيعتها شكلّت عاملاً جاذبا للسيّاح الباحثين عن السياحة الجبلية سنوياً، وأيضا موطئا للسياحة المحلية التي تزدهر مرتين سنوياً خلال مهرجان اللوز بعد ارتباطها بشكل وثيق بزراعة اللوز وإنتاجه، وهو ما تشتهر به حالياً.
تافراوت هو اسم أمازيغيّ ويعني "الشعبة" أو "قناة الماء" التي يجري فيها مياه الجبال المحيطة بها وتصبّها في واد أملن.
تاريخياً، صمدت المدينة أمام الاستعمار الفرنسي وكانت آخر معاقل المقاومة المغربية قبل أن يسيطر عليها عام 1934 ويحولها إلى مركز للمراقبة بحكم موقعها الاستراتيجي، يقول الباحث الاجتماعي أحمد تانطافت لموقع قنطرة: "تُعتبر المدينة مركزاً حضرياً حديثاً ارتبطت نشأته بفترة الاستعمار الفرنسي، فعبّد الطرق وأنشأ المباني الإدارية فيها".
نوستالجيا لزهر اللوز
يُجهل تاريخ دخول غرس شجرة اللوز لمدينة تافراوت والقرى المحيطة بها، لكنّها شجرة "مقدسة" اجتماعيا وتدخل في جوانب اقتصادية وثقافية يتداولها أهل المنطقة كعادات وتقاليد، وقد يظهر ذلك بداية عند استقبال الضيف بأحد مشتقّات منتجات اللوز وهو "أملو" (لوز مطحون مخلوط بالعسل وزيت أركان) الشهير محلياً.
وحفاظاً على الموروث الزراعي للمنطقة، قامت النساء بتزيين اللباس التقليدي "املحاف" بطرز يشبه زهرة اللوز، كما يحافظ على تقليد موكب العروس الذي تصحبه عادة فتيات مرافقات لها متشحات بالبياض تماهياً مع زهرة اللوز.
في سنوات الثمانينيات بدأ هذا الموروث بالتدهور نتيجة الجفاف والهجرة، وتناقصت أعداد الأشجار بفعل الشيخوخة والأمراض، بعد أن هجر السكان الحقول وابتعدوا عن الحرث بحثًا عن فرص عمل بديلة بالمدن.
يحنّ أهل تافراوت، خاصة الجيل القديم، لمواسم زرع اللوز وحصدها، حيث تعتبر هُويّتها التي يحتفى بها سنوياً بمهرجانين بداية الربيع ونهاية الصيف تحت مُسمّى "مهرجان اللوز".
يقول محمد أبركاز لموقع قنطرة: "اللوز شجرة زرعت قديماً بالمنطقة، إلّا أن الجفاف الذي شاع نهاية السبعينيات أدّى إلى موت أشجار كثيرة لم تستطع مقاومة الظروف المناخية كما فعلت شجرة أركان"، مضيفاً: "يحتفل السكان بعيد اللوز منذ الستينيات لكنه اختفى في الثمانينيات حتى عام 2000 عادوا للاحتفال رغم انقراض شجر اللوز، وتضطر المنطقة لاستيراد اللوز من شمال المغرب أو وسطه أو حتى من الخارج".
من جانبه، قال المواطن يوسف لموقع قنطرة إنّ: "اللوز كان يشكل مصدراً أساسياً لتجارة سكان المنطقة لكنّ عوامل عدة أدت إلى تراجعه كتطرّف المناخ وتسيب الخنزير البرّي، مما عرفت تراجعاً في التشجير والاهتمام بالشجر، في ظل غياب الوعي وقلة الموارد الزراعية".
قابلنا محمد أحد زوّار المدينة القادمين من القرى المجاورة، وكان يشتري بعض المنتجات من أحد المحلات، يقول: "كان اللوز يعتبر العملة النقدية للسكان حيث يبيعونه من أجل شراء موادهم الغذائية الأخرى والمحروقات. هذا المنتوج المتميز بمذاقه الطبيعي حيث لا تضاف أسمدة كيماوية لأشجاره؛ أصبح نادراً لقلّة الأشجار وهجرة أهل القرى، واضطرار التجار لاستيراد المزيد من منتج اللوز الخارجي لسدّ النقص".
وحول المحفزات التي تقدم للفلاحين لإعادة زراعة اللوز، يقول: "قامت وزارة الفلاحة بإعادة إحياء الشجرة من خلال برنامج "المغرب الأخضر" وتشجيع الفلاحين على زراعتها، ويظل أن نأمل سقوط أمطار كافية لزيادة مستوى الإنتاج، ونأمل محاربة الخنزير البري الذي يدمّر أشتال اللوز".
إلى جانب شجرة اللوز تُزرع شجرتا النخيل وأركان، ولإبراهيم شهيد مدير مهرجان اللوز الذي يُنظّم بآذار/ مارس سنوياً؛ ذاكرة طفولية في زراعة اللوز وحصاده من بساتين عائلاته.
يقول لموقع قنطرة: "كانت منطقة تافراوت في الستينيات غنية باللوز، عندما كان يزهر كأن الثلج سقط. كان الناس يسقون بساتينهم باستخدام الخيول، لكن منسوب الماء بدأ يقلّ ودخلت المنطقة بدورة جفاف بدأت عام 1977 واستمرت حتى الثمانينيات، فتأثرت أشجار اللوز وضعفت لقلّة المياه وأصبحت عرضة لمرض "سكروت" الذي يصيبها من قمتها حتى جذورها، وتقول إحصائيات إنّ 70% من شجر اللوز تأثر وتراجعت حقول اللوز بشكل ملحوظ".
واحتفاءً بهذه الشجرة، ابتدع الناس عيداً لها منذ ستينيات القرن العشرين، واستمرّ حتى في فترة الجفاف، وأدرج العيد على لائحة دليل السيّاح. يقول شهيد: "كنت أتذكر الزوّار عندما كانوا يكسرون أغصان اللوز للاحتفاظ بها كذكرى من المدينة".
في عام 2009، يقول شهيد، أعيد النظر بطبيعة الاحتفال/ المهرجان، فأصبح ذا أهداف تنموية، أولها تسليط الضوء على أهمية الشجرة وإعادة توطينها من خلال وزارة الفلاحة، وخلال الدورة الثانية للمهرجان تمّ تشجير مناطق بقرية أملن وتاهلا باللوز في 20 هكتاراً، إضافة لـ100 هكتار في قرية توصغران، كذلك التشجيع على سياحة المنطقة المنعزلة وترويج الحركة التجارية فيها.
أشجار لوز صغيرة
وقوفاً على أهمية شجر اللوز لتمكين السكان بمناطقهم، قامت وزارة الفلاحة المغربية بإعادة تشجير مئات الهكتارات بآلاف من أشجار اللوز ضمن مشروع "المغرب الأخضر"، يقول حسن الخالدي، مدير المديرية الفلاحية في إقليم تزنيت لموقع قنطرة إن "الوزارة ساهمت في تجهيز أراضٍ بالريّ بالتنقيط، وبناء المدرجات لحماية الأراضي من الانجراف، وغرس أشجار لوز على مساحة 450 هكتاراً، والعناية بما يفوق المليون شجرة، وتقديم المساعدة التقنية للفلاحين، وتوزيع 300 خلية نحل لتلقيح وتحسين جودة إنتاج اللوز".
ويردف بأنّ مشروع "تطوير وتأهيل سلسلة اللوز بالأطلس الصغير والتي استهدفت إقليم تزنيت ومن ضمنه تافراوت والقرى المحيطة بها (آيت وافقا، تارسواط، إريغ تاهلا، تاسريرت، أملن) وإنزي والقرى المحيطة بها (تيزوغران وتفراوت لملود) قد استفاد منه ألفا شخص، بمساحة 600 هكتار، ويهدف إلى تحسين الإنتاجية من 0.05 (طن/ هكتار) لـ15.0 (طن/ هكتار) وتحسين دخل الفلاحين حتى يصل لـ5324 درهم للهكتار (530 يورو) وخلق فرص عمل تصل لـ750 ألف فرصة خلال ثلاث سنوات من عمر المشروع.
وصال الشيخ - المغرب
حقوق النشر: موقع قنطرة 2018