تراجع تركيا والغرب عن حافة هاوية دبلوماسية
قبع المعارض التركي عثمان كافالا منذ عام 2017 في السجن دون إدانة ونحن الآن في آخر أسبوع من أكتوبر 2021. قضيته حركت سفراء عشر دول غربية، بينها ألمانيا والولايات المتحدة، طالبوا السلطات التركية بإطلاق سراحه في مبادرة أثارت غضب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
وتتهم تركيا المعارض عثمان كافالا البالغ من العمر 64 عاما بالسعي الى زعزعة استقرارها. ويقبع كافالا، الشخصية البارزة في المجتمع المدني وراء القضبان منذ عام 2017 بدون إدانته، حيث يواجه عددا من التهم على خلفية احتجاجات حديقة غيزي في اسطنبول والتي تعرف بحركة غيزي عام 2013 ومحاولة الانقلاب عام 2016. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2019، أمرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بـ"الإفراج الفوري عنه" لكن ذلك لم يجد صدى لدى أنقرة التي لم تعترف بهذا الحكم.
بيان يثير سخط إردوغان
تعنت السلطات التركية، دفع كندا وفرنسا وفنلندا والدنمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد والولايات المتحدة عبر سفرائها إلى المطالبة في بيان غير مألوف إلى "تسوية عادلة وسريعة لقضية" كافالا. واعتبر البيان قضية رجل الأعمال التركي بأنها "تلقي بظلال من الشك على احترام الديمقراطية وحكم القانون والشفافية في نظام القضاء التركي".
وقد أثارت هذه الخطوة حنق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي أمر وزير خارجيته بطرد سفراء هذه الدول. وقال آردوغان خلال زيارة لوسط تركيا "أمرت وزير خارجيتنا بالتعامل في أسرع وقت مع إعلان هؤلاء السفراء العشرة (عبر اعتبارهم) أشخاصا غير مرغوب فيهم"، مستخدما مصطلحا دبلوماسيا يمثل إجراء يسبق الطرد. وأكد أن على هؤلاء السفراء أن "يعرفوا تركيا ويفهموها" معتبرا أنهم "يفتقرون الى اللياقة". وأضاف "عليهم مغادرة (البلاد) إذا لم يعودوا يعرفونها".
رد أوروبي على خطوة إردوغان
وسارعت دول أوروبية عدة إلى الرد على تصريحات الرئيس التركي. وقالت السويد والنرويج وهولندا وفرنسا التي وقع سفراؤها على البيان المشترك، إنها لم تتلقَّ أي إخطار رسمي من تركيا. وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية النرويجية ترود ماسايد لوسائل إعلام في بلدها "سفيرنا لم يفعل أي شيء يبرر الطرد"، متعهدة مواصلة الضغط على تركيا بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية.
بدورها، قالت وزارة الخارجية الألمانية "نجري حاليا مشاورات مكثفة مع الدول التسع الأخرى المعنية". وصرحت نائبة المتحدثة باسم الخارجية الألمانية، أندريا زاسّه، يوم الإثنين (25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021) بأنه لم يتم حتى الآن تنفيذ تهديد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بطرد السفير الألماني من أنقرة.
وأضافت أن خطوة كهذه " تتعارض مع عمق وكذلك أهمية" العلاقات الألمانية التركية كما أنها "لا تتوافق وطريقة التعامل بين شركاء حلف شمال الأطلسي (ناتو)". وفي ظل تزايد الضغط الدولي مؤخرا على تركيا على خلفية قضية كافالا، هدّد مجلس أوروبا أخيرا أنقرة بإجراءات عقابية يمكن إقرارها خلال دورته المقبلة التي ستعقد بين 30 تشرين الثاني/نوفمبر والثاني من كانون الأول/ديسمبر 2021، إذا لم يتم الإفراج عن كافالا خلال فترة استمرار محاكمته. ويمكن أن تصل الإجراءات ضد تركيا إلى تعليق حقوق التصويت وحتى العضوية في المجلس.
تراجع تركي
وفي خضم هذه التطورات، درست إدارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الخيارات المتاحة لتجنب الإعلان رسميا اعتبار سفراء الدول العشر الموقعة على البيان أشخاصا غير مرغوب فيهم، بعدما خاطر الرئيس التركي بالإعلان أنهم أصبحوا غير مرحب بهم، حسبما أفادت وكالة "بلومبرغ" للأنباء نقلا عن مصادر مطلعة.
وبحسب هذه المصادر، فإن كبار المستشارين أطلعوا الرئاسة التركية على التداعيات المحتملة على الاقتصاد التركي وسعر صرف الليرة، وأوصوا الحكومة بعدم اتخاذ خطوة ستعني فعليا طرد السفراء. وأبلغ المسؤولون مكتب إردوغان أن عدم إصدار قرار رسمي بهذا الشأن يعني تجنب المزيد من التدهور في العلاقات مع الولايات المتحدة وألمانيا، أكبر شريك تجاري لتركيا.
وقالت مصادر بلومبرغ إن هذه المداولات هي التي منعت وزارة الخارجية من إصدار إعلان رسمي بشأن السفراء حتى الآن. وذكرت بلومبرغ أنه حتى اللحظة، وقبل ساعات فقط من ترؤس إردوغان لاجتماع حكومي لمناقشة الخلاف، لم يتضح بعد ما إذا كان إردوغان قد قرر توجيه تحذير صارم آخر للسفراء، ثم سيترك الخلاف يهدأ تدريجيا دون تصعيد.
بيلين أونكر
ترجمة: ع.ش
حقوق النشر: دويتشه فيله 2021
[embed:render:embedded:node:42431]