نور الدين فرح...كاتب منح الصومال صوتاً أدبياً مسموعاً
حين حل نور الدين فرح في العام الجاري 2013 ضيفاً على مدينة كولونيا لتقديم كتابه الجديد للقراء الألمان، تزامن ذلك مع ما نشرته وكالات الأنباء العالمية من خبر اعتداء مسلح قامت به ميليشيات "الشباب" الإسلاموية المتشددة في العاصمة الصومالية مقديشو على مقر الأمم المتحدة هناك، مما أدى إلى مقتل 18 شخصا على الأقل.
إلا أن الكاتب لم يأت إلى كولونيا للتحدث عن مستجدات الوضع في بلاده، وإنما لقراءة مقتطفات من كتابه الجديد الذي صدر قبل ذلك الحدث بأيام قليلة باللغة الألمانية.
وكما يقول فرح، فإنه لا يتحدث عن السياسة مباشرة إلا نادرا. إلا أنه يتخذ في كتبه موقفا واضحا من التطورات في الصومال، رغم أنه لا يعيش هناك منذ أربعة عقود.
ففي عام 1976 أعلن حاكم الصومال المستبد آنذاك محمد سياد بري، نور الدين فرح شخصا غير مرغوب فيه، بسبب انتقاداته للنظام الديكتاتوري.
"كنت في روما، حين وصلني هذا الخبر. ولم يكن لدي سوى 150 دولارا"، كما يتذكر فرح. ويستطرد معبراً عن شعوره حين وصله نبأ إعلان الحاكم الصومالي آنذاك: "كان الأمر صعبا جدا"، إلا أنه قرر بلا تردد البقاء في إيطاليا، حيث عمل في البداية كمترجم قبل أن يركز اهتمامه مجددا على الكتابة. وبعد إقامته في دول إفريقية مختلفة انتقل منذ عام 1999 للعيش في جنوب إفريقيا.
تجارة القرصنة
ورغم سنين عديدة من العيش في المنفى، لا يزال فرح يعتبر نفسه صومالياً، كما يقول، ويضيف: "البلد الذي أتحدث عنه في كتبي هو بلد أحلم به وتدور أفكاري حوله".
ورغم أنه كان يمكن لفرح أن يعود إلى وطنه بعد إسقاط الدكتاتور سياد بري، إلا أن البلاد انزلقت إلى حرب أهلية متواصلة لأكثر من عقدين. وبعد استقرار محدود ونسبي، جاء الاعتداء على مقر الأمم المتحدة في مقديشو ليذكر بأن مستنقع العنف لا يزال يتهدد البلاد.
وقد نجحت قوات إفريقية في تحرير مدن البلاد الكبيرة من سيطرة الإسلامويين المتشددين، بينما يعلق المجتمع الدولي آمالا كبيرة على الرئيس الحالي حسن شيخ محمود. ونفس الآمال تراود بعض الصوماليين في المنفى الذين قرروا العودة إلى وطنهم.
نور الدين فرح استأنف بدوره زياراته إلى الصومال. وكرس معظم رواياته لبلاده، وتدور ابداعاته الثلاثة الأخيرة حول الحرب الأهلية. وتعود آخر قصصه إلى عام 2006، أي إلى الفترة التي سيطرت فيها ميليشيات الشباب على مناطق واسعة من البلاد. وهي الفترة أيضا التي ازدهرت فيها "تجارة القرصنة".
إذْ دأب مسلحون على خطف سفن تجارية كبيرة أمام السواحل الصومالية، واحتجاز طواقمها كرهائن واشتراط "فدية" مقابل إطلاق سراحهم. ويرى فرح أن وسائل الإعلام الغربية تركز على هذا الجانب فقط، في حين أنه ليس إلا جانباً واحداً من جوانب متعددة للصومال.
تقوم إحدى شخصيات روايته الأخيرة بدور "مفاوض" باسم محتجزي الرهائن، فَـــفرح يرفض استخدام مصطلح "القراصنة". ويقول هذا "المفاوض" في روايته: "تترك الأكاذيب حولنا مرارة في نفسي، إذ يتعين علينا أن نلعب دور المارقين في المسرحية. ولا يريد أحد أن يعرف شيئا حول دورنا الحقيقي في فصول هذه المسرحية".
ويصف فرح في روايته وضع صيادي أسماك صوماليين فقدوا منهل معيشتهم ومصدر رزقهم بسبب أن دُوَلاً أجنبية تمارس الصيد بشكل غير شرعي في المياه الإقليمية الصومالية. كما تصف الرواية غرق السفن ومخلفاتها السامة أمام سواحل البلاد. ويقول فرح إن هذه مشاكل لا تتم مناقشتها إلا نادرا.
"لستُ شخصا مهما"
ورغم أن فرح على وعي تام بأن كتاباته لن تحل مشاكل الصوماليين النفسية، بما فيها مشاكل محتجزي الرهائن، إلا أنه يتناولها في أعماله الأدبية للتعريف بها، وللتعريف بجوانب أخرى لا تهتم بها وسائل الإعلام الغربية.
ويعتبر فرح من أهم كتاب القارة السمراء، وتم مرات عدة التفكير في منحه جائزة نوبل. ورغم نجاحه، فإنه يبقى متواضعا، إذ أنه يقول: "حين أقوم من النوم صباحا وأجلس أمام طاولتي، فإنني لا أعتبر نفسي شخصية مهمة". ويضيف أنه يرى في نفسه "انتهازي قلم" وشخصا يعمل كثيرا، "آملا في رواية قصص يمكن أن تفيد الآخرين وتثير سرورهم".
فيليب زاندنر
ترجمة: أخيم زيغولو
تحرير: حسن زنيند
حقوق النشر: دويتشه فيله 2013