تلاشي فرص لجوء المغاربة لألمانيا بعد أحداث كولونيا
مرَّ الآن عامٌ كامل منذ ليلة رأس السنة الميلادية 2015 – 2016 في مدينة كولونيا. فكيف تم حينها في المغرب تلقي الأخبار حول أعمال العنف الجنسية والتحرُّشات الواسعة النطاق ضدَّ النساء؟
هشام عرود: لقد صُدِمْنا كثيرًا. لا أحد يملك الحقَّ في التحرُّش جنسيًا بالنساء، لا أحد أينما كان. ووجود أشخاص من شمال أفريقيا بين المشاركين في تلك الأحداث، يجب أَلَّا يدفعنا إلى الاعتقاد بأنَّ مثل هذا السلوك مقبول في المغرب لأسباب ثقافية. فالرجال الذين يتحرَّشون جنسيًا بالنساء موجودون في كلِّ مكان، بصرف النظر عن الجنسية.
والرأي العام المغربي والجالية المغربية الألمانية في ألمانيا انتقدا سلوك المجرمين هذا بشدة. والكثيرون من المغاربة، الذين خرجوا إلى الشوارع ليلة رأس السنة 2015 – 2016 في كولونيا وغيرها من المدن الألمانية وعلموا بوقوع هجمات العنف الجنسية هذه، قالوا بكلِّ وضوح: نحن نستنكر هذا العمل، ونريد أن تعمل الشرطة والعدالة على معاقبة المذنبين. ببساطة، لا أحد من المغاربة تَقَبَّل هذا العمل.
حتى اليوم لا يزال من غير الواضح إذا كان اللاجئون متورِّطين وإلى أي مدى في أعمال العنف الجنسية في كولونيا. ولكن من الثابت أنَّ بعض المجرمين ينحدرون من الجزائر والمغرب. كذلك تم تقديم عدد من الجناة إلى العدالة. أنت تراقب الأحداث وتقوم بتحليلها في سياق خطاب سياسة الهجرة في أوروبا وشمال أفريقيا. فكيف ترى تأثير أحداث ليلة رأس السنة في كولونيا على المدى الطويل؟
هشام عرود: أحداث كولونيا كانت نقطة تحوُّل. ومنذ ذلك الحين تغيَّرت الخطابات في ألمانيا والاتِّحاد الأوروبي تغييرًا جذريًا. والمزاج المعادي لم يقتصر على المغاربة وحدهم، بل شمل تقريبًا جميع اللاجئين في ألمانيا. وبشكل غير مباشر شمل أيضًا بعض السوريين، الذين كانوا قد جاءوا عبر الجزائر إلى المغرب والذين يريدون مواصلة سفرهم من هناك عبر الجيبين الإسبانيين سبتة ومليلية إلى أوروبا.
وحتى عام 2015 كانت مراكز الاستقبال في سبتة ومليلية ممتلئة عن بكرة أبيها. وفي عام 2016 سجَّلت للمرة الأولى تراجعًا في الأرقام. وهذا لا يعود فقط إلى حقيقة أنَّ عدد اللاجئين السوريين الذين كانوا يصلون عبر سبتة ومليلية كان ينخفض باستمرار: إذ إنَّ بعض اللاجئين الهاربين من سوريا قرَّروا حتى العودة من الجييبين الإسبانييين إلى المغرب. وبالنسبة للسلطات المغربية كان ذلك أمرًا غير متوقع تمامًا، حيث لم تكن السلطات المغربية مُستعدة بأي حال من الأحوال للسماح للاجئين السوريين الهاربين من إسبانيا بالعودة إلى المغرب. ومن وجهة نظري فإنَّ هذا يعتبر بشكل غير مباشر من العواقب المترتبة على أحداث كولونيا أيضًا.
في ألمانيا عادت ليلة رأس السنة 2015 – 2016 في كولونيا مرة أخرى حاضرةً حضورًا كبيرًا في وسائل الإعلام الألمانية. فكيف يبدو الوضع في المغرب؟
هشام عرود: في بداية عام 2016 اهتمت وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني المغربية بهذا الموضوع لعدة أسابيع. ولكن على العموم فإنَّ أحداث ليلة رأس السنة في كولونيا 2015 - 2016 لم تلعب دورًا كبيرًا إلى هذا الحدِّ في وسائل إعلامنا. ومع ذلك لقد تغيَّر الكثير بالنسبة لسياسة الهجرة، وأصبحنا نلاحظ ذلك بالفعل.
ما هي التغييرات الأهم بحسب رأيك؟
هشام عرود: لقد تم استخدام هذه الأحداث كذريعة للاستمرار في الحدِّ من الهجرة وفرص اللجوء. ومنذ أحداث كولونيا لم تعد لدى الأشخاص القادمين من المغرب أية فرصة تقريبًا للحصول على اللجوء في ألمانيا، وذلك لأنَّ المغرب يعتبر في ألمانيا من الدول المعروفة باسم "دول آمنة". وبالنسبة للمغاربة لم يعد من الممكن بالتالي الحصول على وضع اللجوء في ألمانيا.
وآلاف من المغاربة توصَّلوا من خلال ذلك إلى استنتاجات وعادوا من تلقاء أنفسهم إلى المغرب. صحيح أنَّه لا توجد لدينا حول ذلك إحصاءات رسمية، ولكن لدينا تقديرات مبنية على التقارير الميدانية. وعمومًا لقد أدخلنا في سياسة الهجرة اتِّجاهًا معاكسًا - وبتنا نشهد اليوم المزيد من القمع، والمزيد من الجدران، والمزيد من الرقابة أكثر من ذي قبل. وكذلك تم تعزيز التعاون بين المغرب ووكالة "فرونتكس" المعنية بمراقبة حدود الاتِّحاد الأوروبي، وزادت ميزانية "فرونتكس" مرة أخرى زيادة كبيرة.
ضمن إطار ما يعرف باسم "شراكة التنقُّل" مع الاتِّحاد الأوروبي من عام 2013، يتعيَّن على المغرب أن يُعيد تشكيل سياسته الخاصة بشؤون اللجوء والهجرة وفقًا للمعايير الأوروبية. ومن بين قرارات أخرى يتعيَّن تسهيل عمليَّات الترحيل إلى المغرب. وقد تم الإيعاز للمغرب باستعادة اللاجئين القادمين من دول أفريقية أخرى. وفي المقابل ينبغي أن يصبح الحصول على تأشيرات دخول لدول الاتِّحاد الأوروبي أسهل بالنسبة لبعض المواطنين المغاربة. ولكن ماذا عن تنفيذ هذه القرارات؟
هشام عرود: في عام 2014 كانت هناك للمرة الأولى حركة: فبعد خطاب العرش الذي ألقاه الملك ودعوته إلى تحديث سياسة الهجرة تم في المغرب توثيق أكثر من عشرين ألف لاجئ عبور، ومعظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وبالإضافة إلى ذلك تم الشروع في سنِّ قوانين مختلفة. والآن أصبح يوجد لدينا قانونٌ لمكافحة الاتِّجار بالبشر. ومع ذلك فإنَّ العديد من المناقشات مُجمَّدة، وذلك لأسباب منها النزاعات المتعلقة باتِّفاقيات الزراعية وصيد السمك والصحراء الغربية. وكذلك لم يتم بعد إصدار قانون اللجوء.
لقد تفاوضت ألمانيا في 2016 مع المغرب على اتِّفاقية لقبول اللاجئين المرحَّلين إلى المغرب. وحاليًا من المفترض أنَّ هناك في ألمانيا نحو ثلاثة آلاف شخص من المغرب، تم رفض طلبات لجوئهم ويجب ترحيلهم من ألمانيا. وحتى الآن لم يَعُد إلى المغرب في الواقع سوى بضعة عشرات منهم...
هشام عرود: لقد تعهَّد المغرب بالتعاون في إعادة مواطنيه وبتسريع الإجراءات البيروقراطية. ولكن فقط عندما يتعلق الأمر بمواطني المغرب. وهذا تفصيل مهم، لأنَّ الاتِّحاد الأوروبي كان يريد إلزام المغرب باستعادة جميع المهاجرين، الذين يسافرون انطلاقًا من المغرب إلى الاتِّحاد الأوروبي. وهذا أمر غير ممكن. وإذا وافقنا عليه، فسنواجه عندئذ في المغرب مشكلات اجتماعية كبيرة، وعلاوة على ذلك أيضًا سنواجه صعوبات مع بلدان هؤلاء اللاجئين الأصلية. نحن لا يمكن أن نكون حرَّاسًا لحدود أوروبا.
شراكة التنقُّل من عام 2013 نَصَّت على تسهيل منح تأشيرات الدخول للمغاربة، الذين يريدون دخول الاتِّحاد الأوروبي. فهل ترى أنَّ هذا من حسنات هذه الاتِّفاقية؟
هشام عرود: هذا صحيح، ولكن في الواقع لن يستفيد من ذلك سوى جزء صغير جدًا - نخبة - من المواطنين المغاربة. أمَّا الغالبية العظمى من المواطنين لن يحصلوا على أية فوائد من عملية تسهيل منح تأشيرات الدخول المخطط لها حتى الآن. أنا لم أعد أعتقد أنَّ شراكة التنقُّل ستتحقَّق، على أية حال ليس مثلما خطط لها في الأصل الاتِّحاد الأوروبي.
هل تعتقد أنَّ التدابير الوقائية التي يتَّخذها الاتِّحاد الأوروبي وألمانيا سوف تُغيِّر شيئًا في حركة الهجرة الفعلية بين المغرب وأوروبا؟
هشام عرود: لا، أنا لا أعتقد ذلك. وفقط أسعار الهجرة غير الشرعية سوف تستمر في الارتفاع. والوحيدون، الذين يستفيدون من تشديد سياسة الهجرة، هم في نهاية المطاف المتاجرون بالبشر والمهرِّبون.
حاورته: مارتينا صبرا
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017