زلزال المغرب العميق...فاجعة أتت على الإنسان والحضارة

يدفن المغاربة جراء الزلزال جثامين إخوانهم في الوطن ويضمدون جراح المصابين الناجين من الكارثة. وبالموازاة مع ذلك يحدوهم الأمل أن يدفنوا كذلك سنوات من سياسة المغربين؛ مغرب نافع ومغرب غير نافع، التي تابع العالم بأسره مخرجاتها في المغرب العميق. متابعة محمد طيفوري من أغادير.

الكاتبة ، الكاتب: محمد طيفوري

كان إيقاع الحياة عاديا في مختلف مناطق المغرب، فالعطلة الصيفية انتهت ودخل الجميع سباقا مع الزمن لإتمام إجراءات الدخول المدرسي، الذي انطلق فعليا بداية الأسبوع الماضي؛ يوم 4 سبتمبر/ أيلول الجاري. أسبوع ستبقى نهايته محفورة في ذاكرة المغاربة، فليلة الجمعة 8 سبتمبر/ أيلول ستبقى مشهودة، بسبب الرعب والهلع والجزع الذي غشي البلاد والعباد، بعدما اهتزت الأرض، عند الساعة 23:11 ليلا، بقوة بلغت 7 درجات على مقياس ريختر، وعلى عمق 18 كيلومترات، بمركز إقليم الحوز جنوب غرب مراكش.

تجاوزت الهزة الأرضية المناطق المجاورة لتعم أغلب مدن المغرب، في الشمال كما الجنوب، فقد امتدت على محيط قدره 400 كيلومتر، ما جعل أغلب الأسر المغربية تقضي تلك الليلة في العراء؛ وسط الحدائق والمنتزهات والملاعب الرياضية وأحيانا داخل السيارات، بعدما صار البقاء بين جدران المنازل وداخل الديار غير آمن، مع توالي تحذيرات الخبراء من احتمال حدوث هزات ارتدادية في ساعات متأخرة من الليل.

صبيحة يوم السبت، بدأت الأخبار والصور والفيديوهات ترِد، هنا وهناك، كاشفة حجم الكارثة الطبيعية، التي تعدّت حدود منطقة الحوز بمراكش نحو مدن تارودانت (250 كلم جنوبا) وشيشاوة (70 كلم غربا) وأزيلال (160 كلم شرقا) وورزازات (200 كلم شرقا)، حيث صارت قرى ودواوير بأكملها أثر بعد عين. لحظتها فقط، أدرك المغاربة أن ما عاشوه حدث غير مسبوق، فالبلاد - بحسب الخبراء - شهدت واحدا من أعنف الزلازل منذ أزيد من قرن. خلافا لما يحدث عادة، حيث تتمركز الهزات في عمق البحر، بقوة تتراوح ما بين 3 و4 درجات على سلم ريختر، بالكاد يحس بها سكان المدن الساحلية.

 

أعنف زلزال يضرب المغرب منذ قرن 

 

#زلزال #المغرب 2023 - #وجع و #دمارhttps://t.co/lxJy6qzk3Y pic.twitter.com/g7GPG5bho3

— موقع قنطرة (@QantaraAR) September 12, 2023

 

 

علميا، شكّل زلزال الحوز مفاجأة حقيقة فرضت على علماء الجيولوجيا مراجعة نظرياتهم بشأن الزلازل، فالمنطقة - وتحديدا مركز الهزة - وإن كانت واقعة في نطاق الأماكن المعرضة لخطر الهزات الأرضية، على اعتبار بعدها بحوالي 200 كيلومتر فقط عن مدينة أغادير التي شهدت أحد أقوى الزلازل في المغرب المعاصر؛ زلزال عام 1960 الذي أودى بحياة 15 ألف قتيل، فقوة الضربة كانت غير متوقعة، بالنظر إلى أن 7 درجات عادة ما تحدث عند حدود الصفائح التكتونية.

وعمليا، أظهر الزلزال للعالم بأسره درجة عالية من التضامن والتآزر بين المغاربة، فقوافل المساعدات الغذائية والصحية والمعدات نحو المناطق المتضررة في تزايد يوما بعد آخر، فضلا عن تحرك جميع الهيئات المهنية والمدنية، بدون استثناء، كل من موقعه وبحسب الاستطاعة، لتقديم الدعم والمساندة للمتضررين من الكارثة، خاصة، وأن الأقاليم المنكوبة تقع في المجال القروي حيث الزراعة وتربة الماشية والحرف التقليدية (الفخار، النسيج...) والسياحة (أوكايمدن، أوريكا...) هي محور الأنشطة الاقتصادية المحلية، ما يدخل المناطق ضمن أحزمة الفقر في المغرب.

 

لولا التضامن الشعبي لكانت النتائج وخيمة

 

فتحرك المواطنين المغاربة، منذ الساعات الأولى للكارثة، بكل الوسائل المتاحة والصيغ الممكنة؛ من مشاركة في الإنقاذ وإسعاف للمصابين وتبرع بالدماء وتوفير للطعام، خفف إلى حد كبير من وقع وتداعيات الزلزال على السكان. وفضلا عن ذلك ساهم تفاعلهم في تقليل الخسائر البشرية، فحجم الكارثة على الأرض مريع، ولولا التضامن الشعبي لكانت النتائج وخيمة، فقدرات وإمكانيات الدولة مهما بلغت تبقي محدودة أمام المساحة الواسعة التي غطاها الزلزال (أربع مدن كبرى متباعدة).

زلزال المغرب ضرب جزءًا من التراث العالمي أيضًا! أضرار كبيرة في المدينة القديمة التاريخية في #مراكش، وانهيار جزء من مئذنة #جامع_الفنا الشهير!#المغرب#زلزال_المغرب#زلزال_مراكش pic.twitter.com/gKqnEjgPyf

— DW عربية (@dw_arabic) September 10, 2023

 

عمليات الإنقاذ لا زالت متواصلة في مناطق معروفة بتضاريس يغلب عليها الطابع الجلبي، فأعلى قمة جبلية في المغرب والثانية افريقيا بالمنطقة "جبل طوبقال 4165"، ما شكل عقبة كبرى في الساعات الأولى للكارثة حيث بدا الجميع شاردا من هول الفاجعة، لا سيما من نزلوا إلى الميدان في عمليات الإغاثة والنجدة، فحجم الدمار في الأقاليم المنكوبة فاق كل التوقعات. فأينما تولي وجهك يصدك الموت، معلنا نهاية الحياة في قرى مات كل من فيها، فحتى المواشي نفقت تحت الأنقاض، باختصار، الناس لديهم أقل من لا شيء. 

ضحايا الكارثة يقتربون من ثلاثة آلاف قتيل (2944)، فيما تجاوز عدد الجرحى 5674 مصابا، في حصيلة مؤقتة لوزارة الداخلية المغربية. ويبقى تقدير الفاتورة المادية حتى الآن صعبا بالنظر لشساعة المساحة، وإن كانت تقديرات أولية تتحدث عن كلفة اقتصادية يحتمل أن تصل إلى 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويرجح أن تقدر الخسائر بأزيد من 10 مليارات دولار، أخذا بعين الاعتبار الخسائر في البنية التحتية والمرافق التي طالها الدمار، فضلا عن انعكاسات ذلك على القطاعات الاقتصادية الأساسية، لا سميا قطاع السياحة.

فحتى اللحظة لم يحصر القطاع بعد أضراره، فكل أحياء المدينة القديمة في مراكش، عاصمة السياحة المغربية، قد تضرر بدرجات متفاوتة، فجزء من الأسوار المحيطة بالمدينة التي بناها المرابطون عام 1070 تهدم كما تضرر الملاح اليهودي، ناهيك عن تعرض مآثر تاريخية بعضها مصنف كتراث إنساني عالمي، للتداعي مثل المسجد الأعظم؛ الجوهرة المعمارية بقرية تينمل ببلدة تلاث نيعقوب، الذي بني أواسط القرن 12 (548 هجرية) زمن دولة الموحدين. فضلا عن قلاع تاريخية منتشرة هناك منها: قلعة أمناس والكندافي وتامادوت وضريح المعتمد بن عباد عميد ملوك الطوائف في الأندلس.

 

قطار التنمية لكل مناطق المملكة المغربية 

 

 

يدفن المغاربة جراء الزلزال جثامين أقرباءهم بالدم وإخوانهم في الوطن، ويضمدون جراح المصابين الناجين من الكارثة، ممن كتب لهم القدر عمرا جديدا. وبالموازاة مع ذلك يدفون، بحسرة وآلم كبيرين، جزء من حضارة ضاربة في القدامة، وشواهد على تاريخ مجيد من دولتهم الممتدة عبر قرون، توارثوه جيلا عن جيل، حتى أخذ على حين غرة ليلة الجمعة الماضية.

ويحدوهم الأمل أن يدفنوا كذلك سنوات من سياسة المغربين؛ مغرب نافع ومغرب غير نافع، التي تابع العالم بأسره مخرجاتها في المغرب العميق. فقطار التنمية والتحديث التي يجوب مسرعا مدن المغرب الحديث (الرباط، الدار البيضاء، طنجة، أكادير، فاس، القنيطرة...) لا يعرف الطريق نحو مغرب آخر؛ مغرب البساطة والقناعة حيث يعيش الإنسان بالكفاف، الذي ظل على حاله منذ زمن الاستعمار، فلا تأهيل ولا بنيات تحية ولا غير ذلك من الشروط الأساسية التي تضمن العيش الكريم هناك في "مغرب البسطاء".   

 

محمد طيفوري، أغادير

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023