معارضو مرسي ومؤيدوه: عناد في التخاصم ونأي عن التصالح
يستطيع المرء شراء البطاقة الحمراء المكتوب عليها "ارحل" لقاء جنيهين مصريين، أي ما يعادل ثلاثين سنتا أوروبيًا؛ وفي ميدان التحرير قد تكون هذه البطاقات نفدت لدى بعض الباعة المتجوِّلين في وقت مبكر بعد الظهر. وكذلك تحظى الملصقات التي شُطب عليها وجه الرئيس محمد مرسي بشعبية خاصة. إذ تحمل هذه البطاقات والملصقات رسالتين بسيطتين عكستا مطالب المحتجين الذين بدأت مظاهراتهم في يوم الأحد الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013.
وتقول لي الممرِّضة منى حلمي غاضبة: "لقد انتخبتُ محمد مرسي لأنَّه قدَّم نفسه باعتباره شخصًا متديِّنًا، ولكننا نعاني الآن من ارتفاع في الأسعار وزيادة في البطالة والفقر. وفي المقابل يقول الإخوان المسلمون «امنحونا فرصة». ولكن إلى متى؟ إلى أن نهلك تمامًا؟". ويقول المتظاهر محمد عزيز: "لقد احتجنا ثمانية عشر يومًا من أجل التخلُّص من حسني مبارك. وإذا كان مرسي لا يريد الرحيل، فسنبقى هنا طيلة مئة وثمانين يومًا".
إصرار وصمود حتى التنحي
وفي الواقع لقد طالبت "جبهة 30 يونيو" التي أشرفت على تنسق المظاهرات ضدّ الرئيس محمد مرسي الناس بالبقاء في ميدان التحرير وأمام القصر الرئاسي وفي جميع الساحات الكبرى في البلاد إلى أن يستقيل الرئيس محمد مرسي من منصبه ويستجيب لجميع مطالب المواطنين المصريين المشروعة.
وكذلك ورد مؤخرًا في إحدى الصحف اليومية التابعة للدولة عنوان جاء فيه أنَّ هذا اليوم سوف يكون "أطول يوم". وفي الواقع لقد خرجت مظاهرات تلو الأخرى بعد وقت الظهر في جميع أنحاء البلاد. ولم تشمل هذه المظاهرات المعارضة لحكومة مرسي مدينتي القاهرة والإسكندرية فقط، بل كذلك أيضًا لقد عمَّت هذه المظاهرات العديد من المدن المصرية الأخرى في منطقة الدلتا وفي صعيد مصر وحتى مدينة أسوان. وفي منطقة الدلتا حاصر المتظاهرون الإدارات الإقليمية في العديد من المدن.
وفي ظهيرة يوم الثلاثين من يونيو اتَّضح أنَّ هذا اليوم لن يكون يومًا عاديًا: إذْ أقفلت المصانع في القاهرة وسار العمَّال أفواجًا إلى ميدان التحرير. وكذلك اتَّجه الموظّفون من مبنى التلفزيون الرسمي نحو وسط المدينة. وقد ذهب العديدون منهم بصورة شكلية إلى العمل ومن ثم توجَّهوا بسرعة إلى المظاهرات.
ويقول أحد الجالسين في مقهى على ناصية الطريق: "إذا لم نستطِع اليوم التخلّص من الإخوان المسلمين فسوف يستقرّون بشكل دائم". ويؤيِّده في الرأي الأشخاص الآخرون الذين يستمعون إليه، ثم يجيبه رجل من بينهم: "لم يسبق لنا الخروج في مظاهرات على الإطلاق، ولكن إذا لم نخرج الآن إلى الشوارع، فمتى سنخرج يا ترى؟".
المعارضة دمَّرت البلاد
ولكن كذلك لقد خرج العديد من أتباع محمد مرسي في يوم الأحد هذا إلى الشوارع في منطقة شرق القاهرة. "نحن هنا من أجل حماية محمد مرسي، رئيسنا المنتخب شرعيًا"، بحسب تعبير الموظف إبراهيم مصطفى. ثم يحذِّر هذا الموظَّف المناصر لمرسي قائلاً: "إذا أقدم أحدهم على القفز فوق جدار القصر الرئاسي فعندها سنتدخَّل".
ويقول الميكانيكي عادل محمد: "لقد دمَّر المعارضون البلاد باحتجاجاتهم هذه. ولكننا في المقابل مسالمون. والمخرج من هذه الأزمة يكمن في التعاون والقبول بشرعية الرئيس المنتخب". وثم يضيف جاره قائلاً: "لا ينبغي إنهاء فترة ولاية الرئيس إلاَّ بالانتخابات. ولكن إذا تم إسقاط الرئيس المنتخب، فعندئذ لن يتمكَّن الرئيس التالي من حكم البلاد أكثر من ستة أشهر".
تسود لدى كلا المعسكرين السياسيين حالة من المعاندة والتعنّت؛ إذْ لا يريد أي منهما في هذا النزاع التنازل للطرف الآخر. ومن جانبه يقول المعارض السياسي الحائز على جائزة نوبل للسلام محمد البرادعي: "لقد منحنا الرئيس رخصة قيادة، ولكن اتضَّح لنا أنَّه لا يستطيع قيادة السيارات".
وقبل بدء هذه الاحتجاجات أعلن محمد مرسي أنَّه لا يفكِّر في التنحي عن منصبه. وقد قال في هذا الصدد: "إذا غيَّرنا شخصًا مسؤولاً تم انتخابه بشرعية دستورية، فسيكون هناك أناس أو معارضون يعارضون الرئيس الجديد أيضًا، وبعد أسبوع أو شهر سيطالبون برحيله".
كريم الجوهري
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنظرة 2013
درس كريم الجوهري العلوم السياسة والإسلامية ويعمل مراسلاً صحفيًا في القاهرة لدى عدد من وسائل الإعلام الألمانية من بينها صحيفتا التاغيستسايتونغ والباديشه تسايتونغ. ويدير منذ عام 2004 مكتب هيئة الإذاعة النمساوية (ORF) في الشرق الأوسط. كما صدر له مؤخرًا كتاب بعنوان "يوميات الثورة العربية" لدى دار نشر كريماير أوند شيرياو.