الأدب المصري...نقطة انعطاف وتحول
بعد ثلاثة أيام من سقوط الرئيس المصري حسني مبارك ظهرت في دار نشر "لينوس" ترجمة ألمانية لكتاب "تاكسي ـ حواديت المشاوير" لخالد الخميسي، وبيعت كل النسخ في يوم واحد. كتبت وسائل الإعلام في نقدها لهذا الكتاب: "الكتاب النهائي للثورة المصرية". وظهر الأصل العربي للكتاب في عام ٢٠٠٧، أي قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية بأربع سنوات.
وكل شخص في الغرب تعجب مما حدث وتساءل عما حدث للمصرين فجأة هكذا، بعد أصبح بإمكانه أن يقرأ في "التاكسي" كيف كان قطاع كبير من المصريين في حالة من الحيرة والإحباط منذ سنوات. وقبل ذلك بسنوات، تحديدًا في عام ٢٠٠٢ ظهرت رواية علاء الأسواني "عمارة يعقوبيان" باللغة العربية و٢٠٠٧ بالألمانية، التي تحكي عن ازدواجية الأخلاق والفساد وسلطة الدولة والحركة الإسلاموية المتزايدة، التي كانت تتلقى كل الذين يشعرون بالمعاناة والخداع بأذرع مفتوحة.
كانت مصر مقارنة بالدول العربية الأخرى تتمتع دائمًا بمشهد أدبي شديد القوة، وهذا المشهد لم يجد اهتمامًا عريضًا وقويًا كما حدث في العشر سنوات الأخيرة. نشأت دور نشر ومكتبات جديدة، وظهر جيل جديد من الكُتاب عرضوا بطرق مختلفة ذلك التصادم المؤلم بين الحلم وبين الواقع ـ وجاء هذا العرض بلغة سهلة القراءة وقريبة من الحياة اليومية استطاعت أن تكسب دوائر قُراء جديدة.
مساحات حُرة في الإنترنت
كانت المدونات من الوسائل المهمة في هذا الصدد. انفتحت في الإنترنت مساحة حرة لم تكن متاحة من قبل. قام شباب من النساء والرجال بتطوير رؤى جديدة في هذا الفضاء الافتراضي، وتعاطوا مع بعض الأمور التي كانت ممنوعة ومحرمة وقاموا بتجارب لغوية جديدة ـ خارج حدود رقابة الوالدين والمدرسة والسلطات الدينية والحكومية.
ومن أبناء مشهد التدوين المصري كانت الصيدلانية غادة عبد العال ابنة الـ35 عامًا القادمة من المحلة الكُبرى. وبمدونتها "عايزة اتجوز" وضعت إصبعها على وتر حساس في المجتمع المصري، حيث يسود النفاق وازدواج الأخلاق العلاقة بين الجنسين. تصف الكاتبة بسخرية طقوس ما يُسمى بزواج الصالونات، التي عادة ما تكون سخيفة ومهينة. ودون طموح أدبي وضعتها على شبكة الإنترنت، واكتسبت مدونتها بسرعة جمهورًا عريضًا ومجهولًا لحد ما، كان يعلق على المحتويات بكل اهتمام. ثم ظهرت في صورة كتاب أصبح من الكتب الأكثر مبيعًا وبعدها تُرجم إلى الألمانية.
أما رواية "وراء الفردوس" لمنصورة عز الدين المولودة عام ١٩٧٦ فقد كانت أكثر أدبية، حيث تصف الكاتبة من خلال ذكريات الماضي وقُصاصات الأحلام المترابطة قصة صداقة بين فتيات من عائلة كبيرة محافظة في إحدى القرى. توضح الرواية بطريقة مؤرقة سلطة التقاليد وتأثيراتها التي عادة ما تكون رهيبة على الشخصيات النسائية. وبصور لغوية ساحرة أبرزت الرواية حالة الاستسلام، دون أن تتحول إلى عملية إلقاء لوم كما هو معروف في بعض كتب الأدب النسوي. وفي عام ٢٠٠٩ تم ترشيح الرواية لجائزة البوكر للرواية العربية، وتُرجمت بعدها بعامين إلى الألمانية.
موضوعات تاريخية ملتهبة
أما رواية "عزازيل" فتنقلنا إلى مصر أخرى مختلفة تمامًا، وكاتبها هو ابن الأسكندرية يوسف زيدان عالم اللغة والباحث في الوثائق. من خلال قصة حياة الراهب "هيبا" في مصر قبل دخول الإسلام نتعرف على الصراعات الدينية للمسيحيين القدامى، تحديدًا في القرن الخامس الميلادي، حيث نتعرف على إشكاليات العقيدة والعنف الذي يُمارس باسم الرب، كما نُعايش سلطة وعذاب الشك الفردي. ويتضح إلى أي مدى ظلت هذه الموضوعات شائكة وملتهبة في مصر حتى الآن من خلال ردود الأفعال العنيفة التي جاءت من دوائر مسيحية وإسلامية أيضًا، التي وصلت إلى المطالبة بمنع الكتاب. ويمكن قراءة تلك الرواية الآسرة بوصفها دعوة للتساؤل عن كل الأمور التي تُعد مؤكدة وبديهية ـ ليس فقط في مجال العلوم. إلا أن الكتاب قد لاقى ترحابًا شديدًا من الشباب المصري الواعي، وهذا ما أوضحته الثورة التي اندلعت بعد ذلك بعدة أعوام.
طبعات الترجمة الألمانية وصلت إلى عشرات الآلاف من النسخ
هناك عديد من الروايات التي أحيت المشهد الأدبي قبل الانتفاضة الشعبية في عام ٢٠١١ وألهبت روح المقاومة والإبداع لدى جمهور متنامي. ولم يُترجم حتى الآن رواية التحرر "نون" للروائية سحر الموجي وروايتي "كتاب الطغرى" و"التماسيح" للكاتب والمحرر الثقافي يوسف رخا. وفي المقابل ستظهر قريبًا في دار نشر لانوس الترجمة الألمانية لثاني القصص المثيرة لأحمد مراد "تراب الألماس"، حسب ما صرحت دار النشر.
منذ أحدثت رواية علاء الأسواني "عمارة يعقوبيان" ازدهارًا حقيقيًا في القراءة، أصبحت الروايات المصرية وحتى المترجم منها إلى الألمانية يباع منها عشرات الآلاف. ومازال نجيب محفوظ هو الأنجح لدى الجمهور الألماني. باع دار نشر "أونيونسفرلاج" منذ وفاة الأديب الحاصل على جائزة نوبل والمتوفى عام ٢٠٠٦ نصف مليون نسخة حتى الآن.
سوزانه شاندا
ترجمة: صلاح هلال
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: معهد غوته 2013
سوزانه شاندا متخصصة في علوم الأدب وهي منشغلة بالشرق الأوسط منذ قرابة الـ١٥ عامًا بكثافة. ظهر كتابها "أدب التمرد. أدباء مصر يحكون عن التحول" عام ٢٠١٣. وتعيش الكاتبة النمساوية الأصل في سويسرا.