هل أرسلت ألمانيا أسلحتها إلى الأيدي الخطأ في العراق؟
إنَّ مَنْ يتحدَّث في هذه الأيَّام مع أشخاص إيزيديين يعيشون في ألمانيا حول الوضع في شمال العراق، لا يسمع كلمات اليأس والحزن فقط، بل يسمع أيضًا كلمات تعبّر عن السخط والغضب. من المستغرب أنَّ هذا الغضب غير موجّه كثيرًا ضدّ ما يعرف باسم تنظيم الدولة الإسلامية. بل إنَّ المقصود بهذا السخط والغضب هي الحكومة في إقليم كردستان.
لم تكن الوحشية التي استخدمها إرهابيو تنظيم الدولة الإسلامية ضدّ الإيزيديين مفاجئة بالنسبة لهم. وفي المقابل تمثّلت المفاجأة السيئة بالنسبة لهم في سلوك قوّات البشمركة الكردية العراقية خلال هجوم تنظيم الدولة الإسلامية على منطقة سنجار. يرى الإيزيديون أنَّهم قد تعرضوا للخيانة من قبل البشمركة.
ولكن ما مصدر هذا الغضب لدى الإيزيديين على الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان وقوّات البشمركة التابعة له؟ ألم يقاتل أفراد البشمركة من أجل فتح طريق الهروب للإيزيديين عندما كانوا محاصرين من قبل إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية؟ ألم تكن حكومة إقليم كردستان هي مَنْ قدّمت وبسخاء الملجأ للإيزيديين وأبناء الأقليات الدينية الأخرى المضطهدة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية؟ هذا هو الوصف المتداول في ألمانيا، والمبرّر لإمكانية إرسال أسلحة ألمانية إلى الأكراد أيضًا. ولكن عند النظر عن كثب يبدو الوضع معقّدًا أكثر بكثير. ولا يعود من السهل التمييز بين الأسود والأبيض.
غضب الإيزيديين
تمثّل المواقع الإخبارية التي تنشر المعلومات باللغة العربية ويديرها على وجه الخصوص أشخاص إيزيديون المصدر الرئيسي للأخبار القادمة من منطقة سنجار. وتخدم هذه المواقع الإخبارية في تبادل المعلومات بين الإيزيديين في العراق وجالياتهم المشتّتة في أوروبا. وفي ألمانيا تتم على سبيل المثال استضافة موقع بحزاني bahzani.net ، الذي يعدّ موقعًا إخباريًا مستقلاً. إنَّ مَنْ يقرأ لفترة من الزمن الأخبار والتقارير المنشورة هنا حديثًا ويتراوح عددها بين 30 و40 خبرًا وتقريرًا في اليوم الواحد - يفهم غضب الإيزيديين بشكل أفضل.
ترد على هذا الموقع العديد من نداءات الاستغاثة المرسلة من العراق: يشكو الإيزيديون من أنَّ المساعدات المرسلة من قبل إخوانهم في الدين لا تصل إليهم، وذلك لأنَّ الإدارة الكردية تعرقل توزيعها. وكذلك من المفترض - بحسب معلومات هذا الموقع - أنَّ الأمر قد استغرق مع المساعدات الألمانية للاجئين أكثر من خمسة أيَّام إلى أن تم تخليصها في مطار أربيل. وبالإضافة إلى ذلك يذكر أشخاص إيزيديون آخرون أنَّ أربيل منعتهم منعًا تامًا من تنظيم مؤتمرات شعبية ومظاهرات بهدف لفت الأنظار إلى أزمة اللاجئين، تمامًا مثلما تم منعهم من الاتصال بوسائل الإعلام الغربية.
ولكن مع ذلك فإنَّ السبب الأهم لغضب الإيزيديين يكمن في الأحداث التي شهدتها بداية شهر (آب/ أغسطس 2014) ويصفها الإيزيديون بأنَّها "كارثة شنكال". حيث يقال إنَّ قوّات البشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني انسحبت من دون قتال وعلى نحو يشبه الفرار من منطقة سنجار، عندما كان مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية يقتربون من سنجار، على الرغم من أنَّ أفراد البشمركة كانوا يعرفون أنَّهم يسلّمون من خلال ذلك الإيزيديين الذين يعتبرون من "الكفّار" للموت والاستعباد.
صحيح أنَّ الجنرال الكردي الذي أصدر أمر هذا الانسحاب تم تسريحه الآن من قوّات البشمركة، لكن الإيزيديين لا يرون في ذلك سوى محاولة لتقديم كبش فداء. لقد كانوا على ثقة من أنَّ قوّات البشمركة ستدافع عنهم؛ كما أنَّهم كانوا في السابق ممنوعين من تسليح أنفسهم. ولذلك فهم ينظرون الآن إلى انسحاب قوّات البشمركة المفاجئ من منطقة سنجار كذروة مؤقتة لسياسة يتم اتّباعها في إقليم كردستان تهدف إلى تهميشهم وإبادتهم.
زد على ذلك أنَّ الجزء الثاني من القصة، أي إنقاذ الإيزيديين في جبل سنجار، يتم سرده من قبل الإيزيديين أنفسهم بشكل مختلف عن الشائع في وسائل الإعلام الألمانية. إذ إنَّ قوّات البشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، والتي يتم تسليحها بأسلحة من ألمانيا، ليست هي مَنْ قاتل من أجل فتح طريق الهروب للإيزيديين الذين كانوا محاصرين من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، بل وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتّحاد الديمقراطي الكردي (PYD) القادمة من سوريا المجاورة. كذلك لقد شارك في عملية إنقاذ الإيزيديين الكثيرات من المقاتلات الكرديات. والكثيرات منهن سقطن أثناء قتالهن ضدّ إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية.
ووحدات حزب الاتّحاد الديمقراطي هي أيضًا القوة الوحيدة حاليًا التي تبذل جهودًا جادة من أجل استعادة منطقة سنجار من أيدي إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية. ولكن مع ذلك يعدّ تعاون الغرب مع هذه الوحدات حاليًا أمرًا محرّمًا، بسبب الصلة الأيديولوجية القائمة بين حزب الاتّحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني الذي يعتبر تنظيمًا سريًا. ونظرًا إلى العمل البطولي الذي بذلته وحدات حماية الشعب أثناء إنقاذ الإيزيديين ودعمها أيضًا الأقليات المسيحية في شمال سوريا في المعركة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، يتعيّن على الغرب أن يفكّر جيدًا في هذا الموقف.
الالتزام بحماية الأقليات الدينية
يرتاب الإيزيديون إلى أقصى حدّ من الأسلحة الغربية المرسلة إلى حكومة إقليم كردستان. فهل يضمن الغرب عدم توجيه هذه الأسلحة في يوم ما ضدّهم؟ في إقليم كردستان أيضًا يوجد الكثير من التعاطف مع تنظيم الدولة الإسلامية، ومن المفترض أنَّ هناك سبعمائة شاب كردي هربوا حتى الآن إلى صفوف هذا التنظيم.
وكذلك يوجد رجال دين مسلمون في إقليم كردستان يلقون وبكلّ حرية خطبًا تحريضية ضدّ الإيزيديين الذين يصفونهم بـ"الكفار". ولذلك فإنَّ الإيزيديين فقدوا ثقتهم في حكومة إقليم كردستان، وهذا ما يمكن سماعه في كلّ مكان. وعلى أية حال فهم لا يتمتّعون تقريبًا بأية حقوق سياسية في داخل إقليم كردستان.
في البرلمان المحلي الكردي لا يمثّل الإيزيديين العراقيين الذين يبلغ عددهم ستمائة ألف نسمة سوى نائب واحد يعتبر نائبًا مرتشيًا. وكذلك لم يتم تكليف الإيزيديين بتولي وظائف ومناصب رفيعة سواء في داخل الحكومة أو في الدوائر الرسمية أو في وحدات البشمركة. وفي الوقت الراهن تعتبر العلاقة بين حكومة إقليم كردستان والإيزيديين متوترة للغاية.
بعد أحداث سنجار لم يعد من الممكن أن نفترض بطبيعة الحال أنَّ قوّات البشمركة ستضمن حماية هذه الأقلية الدينية. ولهذا السبب يجب أن يتم على أية حال ربط تصدير الأسلحة إلى هذا الطرف بشرط تعهده بالالتزام بحماية الأقليات الدينية ومنحها الحقوق السياسية بصورة كافية. ويجب كذلك أن يكون هناك طرف محايد يتحقّق بانتظام من مراعاة هذا الالتزام. وعندئذ فقط سوف تحمي الأسلحة المرسلة من الغرب الإيزيديين العراقيين أيضًا.
لا يستطيع الأيزيديون في الوقت الراهن تصوّر المستقبل في المنطقة. لأنَّ البيئة في شمال العراق تبدو معادية جدًا بالنسبة لهم. سيحاول الكثيرون منهم الهجرة إلى أوروبا. ومع ذلك يبقى الكثيرون منهم قلقين على النساء والأطفال الكثيرين الذين لا يزالون في الأسر لدى تنظيم الدولة الإسلامية، وعلى الأهل والأقارب المحتاجين في إقليم كردسان. ومن الواضح أنَّ المساعدات الدولية ما تزال لا تصل إلى معظمهم بعد.
باتريك فرانك
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ/ قنطرة 2014
الكاتب الألماني باتريك فرانك هو أستاذ للدراسات الإسلامية ومدير عام مركز الدراسات الدينية في جامعة بامبرغ الألمانية.