محاسبة ملك المغرب في مناطق الريف الفقيرة
في الخامس عشر من شباط/فبراير 2018، اعترف رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني بجهود فرق الإنقاذ التي تستهدف المجتمعات الريفية النائية في جبال الأطلس المتوسط والكبير المحاصرة بتساقط الثلج الأثقل في البلاد منذ ما يزيد عن 50 عاماً. وأشاد العثماني بـ "الأبطال غير المرئيين": الأطباء والممرضات وأفراد الجيش وعمال النقل، لتقديمهم مساعدات طارئة إلى أكثر من نصف مليون مغربي من الذين تضرروا بالعواصف الثلجية القاسية التي خلفت عدداً من القتلى.
وكشفت وزارة الداخلية في بيان منفصل أن التعبئة قدمت مساعدة إنسانية مباشرة إلى ما يُقدّر بـ 370 ألف شخص، بما في ذلك الخدمات الصحية وإخلاءات طوارئ بالمروحيات. ووفقاً لأرقام أصدرتها وزارة الداخلية، فقد قُدِمت مساعدة الإغاثة الشتوية لـ 52 ألف عائلة منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2017.
ومع ذلك فقد نددت المجتمعات المتأثرة بالعواصف الثلجية بإدارة الحكومة للوضع، وانتقدت الافتقار للتدابير الاستباقية وقدرات استجابة السلطات المحلية والإقليمية.
وكما يقول السكان: "الناس معزولون، والطرق مسدودة، لم يعد الفلاحون قادرين على إطعام الماشية بعد الآن".
وقد خرجت عدة قرى بمظاهرات مطالبة بإعادة فتح الطرق وبوصول المساعدة، إذ أثار الحصار مخاوفَ بشأن تناقص الغذاء والتدفئة والإمدادات الطبية. وفي أكثر المناطق تضرراً، تجاوز ارتفاع الثلوج المترين، بينما انخفضت درجات الحرارة إلى 15 درجة مئوية تحت الصفر.
وفي حين أن ضراوة الطقس هي سمة مألوفة في شتاء المغاربة الذين يقطنون جبال الأطلس الريفية، إلا أن العواصف الثلجية القاسية [في أولى شهور] عام 2018 قد عزلت ما يقارب من 1200 قرية، تاركة إياها من دون أي إمكانية للوصول إلى الطرق، والكهرباء والمياه النقية لفترة تصل إلى أسبوع. وقد كانت نتيجة ذلك عدة وفيات.
ففي 30 كانون الثاني/يناير 2018، لقيت امرأة مريضة حتفها في إقليم أزيلال على نقالة مؤقتة بينما قام القرويون بمحاولة بائسة لنقلها إلى مشفى قريب. والحادثة، التي سُجِّلت على كاميرا هاتف محمول ونُشِرت على مواقع التواصل الاجتماعية، سلّطت الضوء على مدى عزلة بعض المناطق. وفي إقليم ميدلت، أُبلِغ عن 4 حالات وفاة على الأقل، من بينها شاب وُجِد متجمداً حتى الموت. وفي قضية أخرى، قُتِلت امرأة إثر انهيار سقف منزلها تحت وطأة وزن الثلج.
ولم تعلن الحكومة برنامجها للتعبئة الطارئة إلا في 7 شباط/فبراير 2018، عقب تعليمات من الملك المغربي محمد السادس. ووفقاً للعثماني، فإن الإغاثة الإنسانية مستمرة على مدى ثلاثة أشهر بمساعدة من الهلال الأحمر ووكالات أخرى لتوزيع رزم الإمدادات التي تحوي مواد غذائية أساسية وبطانيات وعلف الماشية.
لا يمكن لجهود الانقاذ إخفاء المظالم الاجتماعية-الاقتصادية
رغم وصف العثماني لتساقط الثلوج بـ "غير المتوقع"، فإن الحادثة كشفت مرة أخرى عن نقص التنمية في الجيوب الريفية لجبال الأطلس. ويزعم النقّاد أن ظروف الطقس المريرة تسلط الضوء على إهمال الحكومة لهذه المناطق، التي اشتهرت بسبب ترك سكانها في البرد من دون أي احتياجات أساسية ضرورية لتحمل الشتاء، حتى مع العواقب المميتة غالباً.
ففي شتاء عامي 2006/2007، توفي أكثر من 20 طفلاً من قرية أنفكو في الأطلس الكبير نتيجة البرد والثلج. وبعد أربعة أعوام، حصدت ظروف الشتاء القاسية أرواح 11 آخرين من سكان القرية ذاتها، بمن فيهم رضيع يبلغ من العمر أسبوعاً.
كما يعيش ما يقارب 40 بالمئة من سكان الريف في المغرب تحت خط الفقر، مما يعني أن العديد من العائلات لا تملك الوسائل لمواكبة طقس الشتاء القاسي.
ويشرح سعيد أحبار من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لِـ "أخبار يا بلادي"، في وصف للصعوبة التي واجهتها قرى مقاطعة ميدلت الريفية في فبراير/شباط 2018: "القوة الشرائية للسكان ضعيفة جداً. بالنسبة للبعض يصبح من المستحيل حتى شراء حطب للتدفئة".
كما تعاني هذه المناطق من بنية تحتية غير مؤهلة كرداءة الطرق ونقص الكهرباء والمياه النظيفة. وتقول البلديات أنها لا تملك ميزانيات كافية لمواكبة الحالات الطارئة، رغم أن السكان بوجه عام يشتكون من الفساد واختلاس أموال الدولة.
ووفقاً للبنك الدولي، فقد أدخلت الحكومة المغربية مشاريع البنية التحتية إلى الأطلس في السنوات الأخيرة، بيد أن ما يقدر من 60 بالمئة من الريفيين المغربيين قد لا يحصلون على الكهرباء والمرافق الصحية والمياه إلا بشكل محدود.
يتعقب البعض الوضع رجوعاً إلى الحقبة الاستعمارية في المغرب حين قسّمت فرنسا محميتها إلى منطقة "مفيدة" وأراضٍ متبقية تشمل الكثير من جبال الأطلس اليوم. فصور السكان وهم يقطعون المسارات الجبلية الصخرية تتناقض بصورة صارخة مع مشاريع التنمية الحضرية الفاتنة ووجهات السياحة الشعبية في المغرب. فالمغرب يحتل المرتبة 123 على مؤشر التنمية البشرية العالمي.
وفي ذات الوقت، يعتقد نشطاء حقوق الأمازيغ أن التقسيم هو أيضاً استمرار للتمييز المتواصل الذي تقوم به الدولة ضد المجتمعات الأمازيغية في المغرب، والتي يتركز العديد منها في مرتفعات الأطلس. فهم يتهمون الدولة بمصادرة الأراضي القبلية التقليدية، واستغلال الموارد الطبيعية خلال العملية كالخشب والفضة، وإهمال إعادة استثمار الأرباح في مشاريع اقتصادية واجتماعية.
وقد علق الكاتب الأمازيغي منتصر إثري في مقال افتتاحي مكتوب في 7 شباط/فبراير 2018: "المسؤولن في هذه البلاد مستعدون لمناقشة أي موضوع يفيدهم، ولكنهم غير مستعدين البتة للحديث حول موضوع الثروة، والمعادن والأمازيغ في الجبال".
بينما تقول أصوات مؤيدة للأمازيغيين إن مشاريع كهذه من شأنها أن تخفف من التحديات التي تطرحها فصول الشتاء وتجنب من كوارث إنسانية محتملة في المستقبل. عندما بدأ ثلج هذه السنة بتغطية الأطلس، كانت بعض الجمعيات الأمازيغية قد بدأت بالفعل بجمع التبرعات للمساعدات الطارئة لتوزيعها على المجتمعات المحاصرة في الأطلس.
ويقول منظم إحدى الحملات: "بما أن الناس يموتون يومياً من البرد، والجوع ونقص الدواء، فلا يستطيع الأمازيغ الانتظار حتى الربيع لتلقي المساعدة. نريد أن نرى الملك محمد السادس يخصص بعضاً من ثروته وموارد الدولة لهذه المناطق المنكوبة ليحاول ويضع حداً لهذه الأزمة التي تبدو أنها تحدث كل شتاء".
ماثيو غرين
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2018