"الحرب الثالثة" في غزة... حرب "عض الأصابع" ومعركة أروقة الأمم المتحدة
مع تصاعد العمليات التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وتزايد عدد ضحايا الحرب المدنيين، الذي وصل في اليوم التاسع الى 205 قتلى معظمهم من الأطفال وكبار السن إثر قصف الطائرات الاسرائيلية لمنازلهم؛ تزايدت دعوات المجتمع الدولي إلى وقف الأعمال الحربية من كلا الطرفين، والعودة إلى اتفاق التهدئة الموقع بين حماس واسرائيل برعاية مصرية وأمريكية بعد الهجوم على القطاع عام 2012.
واندلعت الحرب على إثر اختفاء ثلاثة مستوطنين في الضفة الغربية، عثر عليهم لاحقا مقتولين بالقرب من مدينة الخليل، حيث اتهمت إسرائيل حركة حماس بالوقوف خلف عملية القتل، بينما نفت حماس مسؤوليتها عن ذلك. وتشن إسرائيل منذ 9 أيام هجوما واسعا بالطائرات على قطاع غزة، أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين وتدمير مئات المنازل، بينما ترد حركة حماس بقصف إسرائيل بصواريخ طالت مدينة تل أبيب لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
مبادرة مصرية لإنهاء الحرب
وتأتي الحرب الثالثة بين حماس وإسرائيل في ظل متغيرات إقليمية ونظام مصري يكن كراهية لحركة حماس، والذي دفع الاخيرة إلى البحث عن وسيط آخر للإشراف على هدنة مع اسرائيل من خلال دور تركي وقطري بالرغم من إطلاق مصر مبادرة لوقف إطلاق النار، ودعت المبادرة التي قبلتها إسرائيل ورفضتها حماس أمس رسميا إلى وقف الأعمال الحربية.
ويأتي رفض حماس للمبادرة بدعوى أنها لا تلبي شروطها برفع الحصار المفروض على قطاع غزة وإطلاق سراح الأسرى، فيما رأت فيها اسرائيل فرصة لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية.
ويبذل وزير الخارجية الامريكي جون كيري وبعض وزراء خارجية دول أوروبية وتركيا وقطر ومصر والسلطة الفلسطينية جهودا يومية لوقف القتال في قطاع غزة، والوصول إلى هدنة بين حماس التي تطالب بفتح المعابر ورفع الحصار واسرائيل التي تطالب بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية.
ويعتقد مدير مركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات "مسار"، هاني المصري، في حديث مع موقع "قنطرة" أن الحرب تتجه إلى التصعيد في ظل رفض حماس المبادرة المصرية، واصفا المرحلة الحالية بمرحلة "عض الأصابع"، التي يحاول كل طرف الضغط على الطرف الاخر لتحقيق شروطه.
ويرى بعض المراقبين أن التصعيد الاخير المتزامن بين الضفة الغربية، التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينة وقطاع غزة ناتج عن غياب الأفق السياسي، وفشل المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية في ظل حالة الاحتقان المتزايدة التي تهدد بانفجار الوضع في الضفة الغربية، فضلا عن رغبة حماس بالخروج بشروط جديدة في ظل ازمتها المالية الخانقة في قطاع غزة، ورغبة اسرائيل بتدمير قوة حماس الصاروخية.
عشراوي: "ما يحدث على غزة عدوان إسرائيلي"
أما عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، فتعتبر في حديث مع موقع قنطرة أن "القضية ليست قضية عنف متبادل بين قطاع غزة واسرائيل، بقدر ما هي قضية عدوان اسرائيلي مدروس على شعب اعزل ومحاصر، عدوان من قوة عسكرية لا تخضع للقانون والمسائلة، لافتة الى ان هناك ايضا ردود فعل بعض الاطراف التي تمتلك من وسائل الدفاع عن النفس" .
وتؤكد عشراوي أن "السلطة الفلسطينية تلتزم بالخيار السياسي لإنهاء الاحتلال لكي يعيش الشعب الفلسطيني بحرية وكرامة، وأن الأولوية الأولى تكمن في حقن الدماء، وكف يد اسرائيل عن هذا الشعب، ورفع الحصار عن قطاع غزة، ومعالجة الأسباب الجوهرية التي ادت الى هذا الوضع المأساوي".
وتبين عشراوي "أن كف يد اسرائيل سيكون عبر القانون الدولي، من خلال الانضمام إلى المنظمات والمعهدات الدولية لمسائلة اسرائيل ومحاسبتها، لافتة الى ان السلطة الفلسطينية قررت لانضمام الى ميثاق روما (الذي يؤهل السلطة إلى الانضمام لمحكمة الجنائيات الدولية ويعطيها امكانية ملاحقة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب)، والطلب من الأمم المتحدة رسميا دراسة وضع فلسطين تحت الحماية الدولية، مع تصاعد البناء الاستيطاني وأعداد القتلى، واتساع رقعة الدمار في قطاع غزة بفعل القصف الاسرائيلي المتواصل".
كما ترى عشراوي أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ظل التصعيد الجاري "يتجه إلى أزمات متواصلة وحركة من العنف والعدوان الذي تحاول اسرائيل فيه فرض اسرائيل الكبرى في فلسطين التاريخية. وإن كان هذا المفهوم لدى اسرائيل سندافع عن فلسطين التاريخية".
المصري: الحرب "كشفت فشل المفاوضات"
ومن جانبه يرى المصري أن "الشعب الفلسطيني والمقاومة سيكونان الفائزين بالحرب بغض النظر عن عدد الضحايا والمنازل وبالرغم من عدم تكافؤ القوة بتحقيق حقوقه ومصم على المقاومة". صمود المقاومة ومحاولة فرض شروطها بين أن طريق المفاوضات طريق فاشل، أدى الى ما تقوم به اسرائيل من وقائع احتلالية على الأرض، وبالتالي أصبح على الفريق المفاوض إعادة النظر في هذا المسار، واعتماد مسار جديد يرتكز على المفاوضات والمقاومة والشراكة السياسية الفعلية"، كما يقول المصري.
وما زال الفلسطينيون يعتقدون أن توجه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة والانضمام الى منظمتها هيو مجرد تكتيك أكثر منه إستراتيجية. لكن المصري يعتبر هذا التوجه "خطوة مهمة حين تكون توجهاً استراتيجياً للقيادة الفلسطينية يرافقها استراتيجيات أخرى، لأن "الدولة الفلسطينية لن تقوم اخيراً في أروقة الامم المتحدة بل ستقوم على أرض فلسطين، وهذا يتطلب صمود ومقاومة شعبية شاملة ليصبح الاحتلال مكلفاً وحينها ستصبح الاستراتيجيات الأخرى (المفاوضات و الذهاب إلى الأمم المتحدة) قادرة على تحقيق النتائج المرجوة منها. على أرض الواقع"
مهند حامد
حقوق النشر: قنطرة 2014