خيارات ما بعد أوسلو: انتفاضة شوارع…أم معركة داخل المنظمات الدولية؟
يرجح المراقبون أن تنتهي مفاوضات السلام، التي يقودها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بين الفلسطينين والإسرائيليين منذ ثمانية أشهرفي التاسع والعشرين من نيسان المقبل دون التوصل إلى أي اتفاق سلام. وهذا ما عبر عنه الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي علانية في أكثر من مناسبة بالرغم من السرية، التي تحيط بمسار المفاوضات الجارية.
فالفجوة بين مطالب ومواقف الطرفين ما زالت عميقة، وتوقيع اتفاق "مبادىء" أو مجرد "إطار" يتضمن اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل كما يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو، يرفضه الفلسطينيون رفضا قاطعا، كما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حفل استقباله عقب عودته من لقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض مؤخرا.
الانتهاء المحتمل لمهلة المفاوضات في حال عدم توقيع اتفاق محدد يشمل انسحابا إسرائيليا كاملا من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 دفع الجانب الامريكي والاسرائيلي الطلب من الرئيس محمود عباس تمديد المفاوضات، لكن القيادة الفلسطينية رفضت هذا الاقتراح، لأنها تخشى تكرار سيناريوهات ما حصل في اتفاق "اوسلو"، الذي لم يقود بعد أكثر من 20 عاما إلى اقامة دولة فلسطينية مستقلة.
فشل المفاوضات بين الانتفاضة وعزلة إسرائيل الدولية
يتخوف بعض المراقبين من أن فشل المفاوضات يضع المنطقة أمام خيار الانزلاق نحو انتفاضة ثالثة، فيما يرى آخرون أن المرحلة المقبلة ستزيد من عزلة إسرائيل الدولية مع اشتداد موجة المقاطعة الأوروبية لإجبارها على التوقف عن الاستيطان والعمل على تحقيق حل الدولتين.
إلا أن السيناريو الثالث، الذي ترسمه القيادة الفلسطينية هو الاكثر واقعية وهو يقضي بالتوجه إلى الأمم المتحدة ومحاولة الانضمام إلى المنظمات الدولية، ومحاسبة إسرائيل على احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، حيث شكلت الرئاسة الفلسطينية لجنة لدراسات الخيارات القانونية بالانضمام إلى المعهادات الدولية عقب الحصول على دولة مراقب في الأمم المتحدة. وإبراز الخيارات الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية في حال فشل المفاوضات.
"هذا السيناريو المرجح يتطلب من الفلسطينيين الاستعداد لمعركة قانونية قاسية مع إسرائيل مع احتمالية فرض اسرائيل عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية"، كما قال عضو الوفد الفلسطيني المفاوض محمد شتية لموقع قنطرة على هامش فعاليات مؤتمر "فلسطين والقانون الدولي"، الذي عقد في مدينة أريحا وتمحور حول كيفية توظيف القانون الدولي لصالح اقامة دولة فلسطينية وفق القانون الدولي.
نبيل عمرو: المفاوضات الجارية لم تصل بعد إلى طريق مسدود
أما الكاتب والقيادي الفلسطيني المعروف نبيل عمرو فشدد في حديث خص به موقع قنطرة، "أنه ما زال من المبكر القول إن المفاوضات الجارية وصلت إلى طريق مسدود، مضيفا أن فرص التوصل إلى اتفاق مع جهد الأيام الاخيرة الذي سيبذلها وزير الخارجية الأمريكي كيري لا تزال قائمة، وهو ما سيتطلب المزيد من الوقت وتمديد المفاوضات". وأضاف نبيل عمرو: "التمديد سيكون مرتبطا بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، التي ستكون العقدة المستعصية أمام تمديد المفاوضات، وفي حال أفرجت إسرائيل عن الأسرى لن يكون هناك مشكلة لدى القيادة الفلسطينية بتمديد المفاوضات".
وحول الخيارات المتاحة أمام القيادة الفلسطينية في حال فشل المفاوضات الجارية أشار عمرو إلى أن "الخيار المتاح أمام القيادة الفلسطينية هو التوجه إلى الأمم المتحدة والذي يحتاج إلى ترتيبات كبيرة، ويتطلب إيجاد صيغة ملائمة دون مغادرة العملية السياسية".
وفيما يتعلق بتأثير المجتمع المدني في المرحلة المقبلة يعتبر عمرو أن "المجتمع المدني الفلسطيني والاسرائيلي لا يمكن التعويل عليه بالقيام بدور فاعل في جسر الهوة بين الطرفين، وهو يكتفي بالدور المساعد والداعم، وفي حال لم يحدث انجازات واختراق على طاولة المفاوضات من قبل الحكومات سيكون دوره محدود جدا وخاصة في اسرائيل".
سلام اقتصادي قبل السلام السياسي؟
وتتضمن "خطة كيري" في شقها الاقتصادي ضخ مليارات الدولارات في خزينة السلطة الفلسطينية الفارغة، وإقامة مشاريع اقتصادية للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني وتخفيض البطالة المتفشية بالأراضي الفلسطينية.
وفي شوارع السياسة بمدينة رام الله المكتظة بالمتجولين، يتوارى مشهد سياسي قاتم حول الغموض، الذي يكتنف الحياة السياسة للمدينة الصاخبة ليلا،وهو غموض يشكل مصدر قلق وأرق لكل العاملين في المطبخ السياسي الفلسطيني، فيضوء حالة الترقب التي تعيشها "المقاطعة" (مقر الرئاسة الفلسطينية) إزاءالخطوة القادمة في حال فشل المفاوضات الجارية في ظل وجود التهديدات والضغوطات الأمريكية، ومع تصاعد دور الحركات والأحزاب الفلسطينية الرافضة لاستمرار المفاوضات الحالية.
البرغوثي: المفاوضات الجارية مصيرها الفشل
ومن جانبه يرى المفكر الفلسطيني وأمين عام المبادرة الفلسطينية مصطفى البرغوثي في حديثه مع موقع قنطرة "أن المفاوضات الجارية مصيرها الفشل، مع تبني وزير الخارجية الأمريكي كيري الموقف الإسرائيلي، واستخدام إسرائيل المفاوضات غطاء للاستمرار في توسعها الاستيطاني، ومع تصاعد وتيرة قتل جيش الاحتلال للشبان الفلسطينيين".
"فبناء السلام مع إسرائيل في ظل وجود حكومة هي الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل لا يمكن أن يحدث وفق حل يلبي حقوق الفلسطنيين"، كما يوضح البرغوثي الذي كانت مجلة السياسات الدولية الشهيرة "فورينبوليسي" قد اختارته ضمن 100 أهم مفكرعالمي.
وبحسب البرغوثي "فإن المخرج الفلسطيني من مأزق عبثية المفاوضات الجارية العمل على تغير ميزان القوى لصالح الفلسطينين من خلال تعزيز المقاومة الشعبية السلمية وتوسيع حركة المقاطعة لإسرائيل العالمية كما حصل مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا حين قاطعه العالم وأجبر على التخلي عن سياساته العنصرية، بالإضافة إلى إيجاد إرادة فلسطينية قوية للتوجه نحو الأمم المتحدة والانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة اسرائيل على ما ترتكبه من جرائم في حق الفلسطينيين، وتعزيز صمود الفلسطينيين ببنيان اقتصادي متين يمكن من الصمود في وجه الضغوط الإسرائيلية والأمريكية".
وحول دور المجتمع المدني الفلسطيني والإسرائيلي يرى البرغوثي في رؤيته إن "المجتمع المدني يمكن أن يقوم بدور مهم في الضغط على إسرائيل من خلال استخدام نفوذه وعلاقته لتوسيع حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل واجبارها على منح الشعب الفلسطيني حقوقه". وتسبب مقاطعة الاتحاد الأوروبي للمستوطنات الاسرائيلية الحاق خسائر مادية لإسرائيل، إلا أنّ "المطلوب تصعيدها وتوسعتها حتى تحقق نتائج وضغوط على الحكومة الإسرائيلية لتلزم بالمواثيق والعاهدات الدولية"، بحسب البرغوثي.
الفلسطينيون سيلوحون باللجوء إلى عصا الأمم المتحدة
وبحسب الكاتب والإعلامي الفلسطيني المعروف إبراهيم ملحم فإن احتمالات فشل المفاوضات أكبر من نجاحها. ويرى ملحم أن السؤال الأهم هو: ماذا سيفعل الفلسطينيون والإسرائيلون في اليوم الثاني من فشل المفاوضات.
ويوضح الكاتب أن الفلسطينيين سيهددون باللجوء إلى الأمم المتحدة ومنظماتها، الذي لن يأتي بنتائج سريعة الأجل وسيكون بالتراكم، وهذا الخيار ممكن ولكن سيكون اللجوء إليه بالتدريج.وكذلك سيلوح الفلسطينييون بالانضمام الى محكمة الجنايات الدولية. وسيكون رد اسرائيل بتصعيد هجماتها على الأرض وفرض عقوبات اقتصادية تؤدي الى اضعاف السلطة وصولا إلى انهيارها، والتسبب في انفجار الوضع الداخلي الفلسطيني الذي لن يتحمل ذلك ويتطور إلى مستوى مواجهات مع إسرائيل خاصة إذا ما ارتفعت أعداد الجنازات الفلسطينية اليومية بالرصاص الإسرائيلي".
تمديد المفاوضات مرتبط "بالدفع المسبق"
وفضلا عن ذلك يرى ملحم أن قبول الفلسطينيين بتمديد المفاوضات سيكون مرتبط بالدفع المسبق وأن الخلاف سيكون على "سعر التمديد"، الذي سيتطلب دفع تكلفة عالية للفلسطينيين لقبول التمديد، من إطلاق سراح قيادات فلسطينية من السجون الإسرائيلية والسماح للسلطة بتوسيع مشاريعها الاقتصادية في المناطق "سي" التي تسيطر عليها إسرائيل، وهذه المطالب من الصعب استجابة إسرائيل إليها وخاصة في ظل ضعف الضغط الأمريكي على إسرائيل، مما سيجعل المنطقة بين شد وجذب لا أحد يعلم إلى أين سيفضي".
غير أن ملحم استبعد إمكانية انزلاق وتطور أحداث المنطقة عقب فشل المفاوضات الجارية الى انتفاضة ثالثة، خاصة أن الفلسطينيين خسروا الكثير في الانتفاضة الثانية ولا يرغبون في تكرار هذه التجربة، وكذلك سيحرص الفلسطينيون على عدم استخدام العنف المسلح للحفاظ على صورتهم من التشويه أمام العالم.
كما اعتبر أن عزلة إسرائيل دوليا أمر غير واقعي، لأن اسرائيل تملك "القدرة على التأثير على القرار الأوروبي والامريكي، وأن قرار العزلة يعني معاداة اسرائيل وأنها ستسوق هذا الأمر على أنه معاد للسامية، لذلك لن يجرؤ أحد عليه، وسيتم الاكتفاء بالمقاطعة المحدودة للمستوطنات، وهذا أمر مقبول".
مهند حامد – رام الله
حقوق النشر: موقع قنطرة 2014