نسيبة: فلسطين دولة افتراضية والحل الأجدى بلد واحد للشعبين

يرى المفكِّر والفيلسوف الفلسطيني سري نسيبة رئيس جامعة القدس في القدس الشرقية أن حلَّ الدولتين سيكون عنصرياً وأن الحل الأجدى للصراع هو دولة واحدة للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، في حوار مع الصحفية إنغِه غونتر عن عملية السلام المتعثِّرة.

الكاتب، الكاتبة : إنجي غونتر

هل تحمَّستَ وابتهجت مثل الكثيرين من الفلسطينيين لموافقة الأمم المتَّحدة على منح فلسطين صفة دولة "مراقب غير عضو" في منظمة الأمم المتحدة؟

سري نسيبة: لا، ليس تمامًا. ولكن يسعدني أن أرى الناس سعداء.

هذه الفرحة لم تدُم، لأنَّ إسرائيل قد أعلنت في اليوم التالي عن مخططات استطيانية تخلق مشكلات كبيرة. هل تعتقد أنَّ هذا القرار الذي اتَّخذته الأمم المتَّحدة سيكون له أي تأثير وسيُعيد النشاط إلى عملية السلام المتعثِّرة؟

نسيبة: حتى الآن لا أحد يستطيع قول ذلك. وأعتقد أنَّه سيتم استئناف المفاوضات من جديد. وأعتقد كذلك أنَّ كلَّ شيء سوف يسير ببطء شديد ولن يصل على الأرجح إلى أية نتيجة؛ وأنَّهم سوف يقولون لا بدّ من إجراء المزيد من التغييرات السياسية.

وعلى الأرجح سيتم إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل. وفي الواقع إذا أوجدت هذه الانتخابات قيادة لديها اهتمام في اِستكمال ما تم التفاوض عليه حتى ذلك الحين، فعندئذ سيتم التوصّل إلى اتِّفاق. ولكن هذا الاتِّفاق سوف يمنح الفلسطينيين أقل بكثير مما يأملون في الحصول عليه من خلال حلِّ الدولتين.

هل تعني من الناحية الإقليمية؟

نسيبة: من جميع النواحي - فيما يخص الأراضي والقدس واللاجئين.

إذًا هل تعتقد أنَّه سوف تكون هناك في نهاية المطاف دولتان؟

نسيبة: أعتقد أنَّ ذلك أمر ممكن. ولكن حلّ الدولتين لن يكون نفس الحلِّ الذي نريده.

ما الذي سينقصكم في هذا الحلّ؟ السيادة؟

نسيبة: ما هي أسماء هذه الدول الصغيرة التي صوَّتت ضدَّنا مع الولايات المتَّحدة الأمريكية، أقصد تلك الجزر الواقعة في المحيط الهادئ؟

هل تعني دولتي ميكرونيزيا وجزر مارشال؟

نسيبة: بالتأكيد، فمثلما تعتمد هذه الدويلات على الولايات المتَّحدة الأمريكية سوف نبقى نعتمد على إسرائيل.

وهل يعود سبب ذلك إلى كون الفلسطينيين ضعفاء غير قادرين على تحقيق رؤيتهم في إقامة دولتهم المستقلة في حدود عام 1967؟

نسيبة: لقد أدَّت المستوطنات إلى تدمير هذه الرؤية.

حسب توقعاتك ما الذي يمكن أن تقدِّمه إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو؟

نسيبة: نتنياهو يتخيَّل وجود أرخبيل مكوَّن من مناطق متجانسة ديموغرافيًا تتم إدارتها من قبل إدارة فلسطينية مستقلة ولكنها تخضع لأجندة إسرائيلية.

مستوطنات إسرائيلية في القدس الشرقية. د ب أ
في الاتِّجاه المعاكِس: أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنَّ حكومته ستقوم ببناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية في الضفة الغربية والقدس الشرقية ردًا على منح الأمم المتَّحدة الفلسطينيين صفة مراقب غير عضو في هذه المنظمة الدولية.

​​

سوف تستخدم إسرائيل هذا الأرخبيل كسوق لصادراتها وتحتفظ لأسباب أمنية بسيطرتها على كلِّ ركن فارغ في الضفة الغربية وكذلك وبطبيعة الحال في القدس الشرقية. وعندئذ سوف تسمح لنا أن نسمي هذا الأرخبيل دولتنا. هذه هي خطة نتنياهو.

هذا يعني أنَّ الصراع سوف يستمر؟

نسيبة: من الممكن أن يستمر الاتِّفاق الآنف ذكره عشرة أعوام أو ربما حتى عشرين عامًا، ولكنه لن يستمر بصورة دائمة. لأنَّه سيخلق وضعًا غير طبيعي - خليطًا غير متجانس؛ حيث سيعبر المستوطنون الإسرائيليون في طريقهم إلى عملهم عبر الأراضي الفلسطينية.

ولن يتمكَّن الفلسطينيون هنا من إنشاء بُنى تحتية مستقلة. وهكذا لن يبقى أمامنا سوى خيار دمج أنفسنا مرة أخرى في سوق العمل الإسرائيلي. زد على ذلك وجود مليون ونصف المليون عربي يعيشون ويعملون في إسرائيل.

تحدَّثتَ الآن عن البعد الاقتصادي فقط. كيف تنظر باعتبارك أستاذًا للفلسفة إلى حاجة المرء للهوية الوطنية والحقوق المدنية؟

نسيبة: أنا أقول بصفتي فيلسوفًا إنَّ الشيء المهم في الحياة هو الاقتصاد. إذ إنَّ الناس يريدون في نهاية يومهم مصدر رزق كريم وتعليم أطفالهم وتأمين الرعاية الصحية.

ولذلك سيلاحظ الفلسطينيون أنَّ إسرائيل المفتوحة أمامهم تُعتبر أفضل بالنسبة إليهم. وهكذا كانت الحال أثناء الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 وحتى الانتفاضة الأولى.

لقد كان بوسع الفلسطيني الآتي من غزة زيارة مستشفى في القدس أو كسب ماله في تل أبيب. ولكن اليوم لا يستطيع هذا الرجل نفسه معالجة طفله الذي قد يكون مصابًا بمرض السرطان في إسرائيل إلاَّ بعد الحصول على تصريح خاص - وفقط شريطة أن لا يخطو الشخص المرافق للمريض خطوة واحدة خارج المستشفى.

وكذلك أصبحت الآن القيود المفروضة على السفر في الضفة الغربية أكثر بكثير مما كانت عليه الحال قبل اتفاقيات أوسلو.

يبدو أنَّ في هذا حنين إلى الماضي، وكأنَّ كلَّ شيء كان أفضل في عهد الاحتلال.

نسيبة: أنا لا أعارض عملية السلام، كما أنَّني كنت دائمًا مع عملية السلام. ولكنني ولهذا السبب لست أعمى عن النتائج والآثار السلبية التي تمخَّضت عنها.

لو أقمنا دولتنا في مطلع الثمانينيات لكان الأمر سيبدو مختلفًا الآن. ولكننا لم ننجح في ذلك. ومع "أوسلو" انتقلنا إلى بيت بناؤه نصف مكتمل، ليس حرًا بمعنى الحرية ولا محتلاً احتلالاً تمامًا.

ولكن معظم الإسرائيليين لا يريدون في الواقع معرفة أي شيء عن الفلسطينيين. وهم مع الانفصال من دون التخلي من أجل ذلك عن كلِّ الضفة الغربية.

نسيبة: لهذا السبب بالذات نحن عالقون. ولكنني مع ذلك مقتنع بأنَّ الحلَّ لن يقوم في نهاية المطاف على إيجاد دولتين، بل دولة واحدة مع مساواة في الحقوق لكِلا الشعبين. وكلّ شيء آخر سوف يؤدِّي إلى نظام فصل عنصري.

هل تتحدَّث عن ذلك مع السياسيين في رام الله؟

نسيبة: أنا لا أراهم تقريبًا، ولكنهم يفكِّرون مثلي. ولا أحد يعتقد أنَّنا أسَّسنا دولة، ولا حتى الرئيس محمود عباس. وذلك لأنَّ هذه الدولة مجرَّد دولة افتراضية، وهذه هي قمة نجاحه.

ومحمود عباس عمره الآن سبعة وسبعون عامًا، وهو يعلم أنَّه لن يعيش ويرى دولة مستقلة استقلالاً حقيقيًا معترَف بها من الأمم المتَّحدة. فلماذا إذًا ذهب إلى نيويورك؟ جوابي هو أنَّ عباس قرَّر أن يترك للفلسطينيين دولة افتراضية ومن ثم يقول لهم "وداعًا".

 

أجرت الحوار: إنغِه غونتر
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2012

يُعدّ الدكتور سري نسيبة البالغ عمره ثلاثة وستين عامًا أحد منظري الحلِّ السلمي مع الإسرائيليين، فقد أجرى في الثمانينيات اتصالات مع حركة "السلام الآن" الإسرائيلية.
وإبَّان الانتفاضة الثانية أطلق مع رئيس المخابرات الإسرائيلي السابق عامي أيالون مبادرة السلام المعروفة باسم "صوت الشعب". ما يزال نسيبة يؤمن بالتعايش، ولكنه لم يعد يؤمن بإمكانية التوصّل إلى حلِّ الدولتين العادل، مثلما أعلن في كتابه الأخير "دولة لفلسطين".