انتقام نظام الأسد...من "التجويع أو الاستسلام" إلى "الاستسلام أو الموت"؟
ماذا لو سقط الأسد؟ في النقاشات حول ذلك يطرح السياسيون والخبراء في بعض الأحيان السؤال عمَّا يمكن أن يعنيه انتصار المعارضة الإسلامية بالنسبة للأقليَّات العرقية والدينية في سوريا، وما إذا كان لا بدَّ حينئذ من حماية الأقلية العلوية خاصة، التي ينحدر منها الرئيس بشار الأسد، من التعرُّض للانتقام.
سؤال معاكس نادرًا ما يتم طرحه
من النادر جدًا للأسف طرح هذا السؤال المعاكس: كيف ستكون الأعمال الانتقامية من قبل النظام عندما ينتصر الأسد؟ ومع ذلك لقد كانت حرب الأسد ضدَّ السكَّان المدنيين منذ البداية مجرَّد انطباع أولي عن ذلك. فقبل أن يتَّضح بفترة طويلة كيف يمكن أن يسير النزاع مع الشعب السوري الثائر، كان النظام قد بدأ انتقامه.
سواء كان هذا الانتقام من خلال إطلاق الرصاص على المتظاهرين السلميين في بداية الصراع واستخدام البراميل المتفجِّرة على نطاق واسع وارتكاب المجازر أو الاعتقالات التعسُّفية للآلاف من السوريين، الذين اختفوا حتى يومنا هذا وقد تعرَّض الكثيرون منهم للتعذيب حتى الموت: فإنَّ عنف نظام الأسد موجَّه ضدَّ شرائح واسعة من الشعب السوري.
لقد اعتقل النظام جرحى المظاهرات من داخل المستشفيات. وكذلك لاحق الأطباء السوريين، الذين بقوا أوفياء لقَسَم أبقراط وكانوا يعالجون الجرحى بصرف النظر عن مواقفهم السياسية، واستهدف بهجماته المستشفيات، حيث باتت جميع مستشفيات شرق حلب مدمَّرة من دون استثناء. وفي الوقت نفسه قطع النظام عن آلاف المواطنين أية إمدادات، بينما يقوم سلاح الجو السوري والروسي بقصف المحاصرين هناك من دون هوادة. وتحوَّلت الرسالة: "التجويع أو الاستسلام" إلى "الاستسلام أو الموت".
لقد بيَّن النظام كثيرًا أنَّ الأمر لا يتعلَّق بتحقيق مكاسب عسكرية، ولا حتى بدرء الخطر الذي يكثر الحديث حوله والنابع مما يعرف باسم تنظيم "الدولة الإسلامية" - بل يتعلَّق بتلقين السكَّان المدنيين درسًا مؤلمًا بقدر الإمكان. وبما أنَّ الناس في سوريا لم يعودوا يستسلمون رغم الأوضاع الكارثية، فهذا يعود إلى عدم وجود أي خيار حقيقي في أكثر الأحيان: إذ إنَّ مَنْ يستسلم، يُعرِّض نفسه مع ذلك لخطر الاعتقال أو القتل.
ويمكن ملاحظة ذلك على نطاق واسع في حلب. حيث قام النظام باعتقال رجال في سنِّ الخدمة العسكرية بعد هروبهم من شرق حلب، ونقلهم إلى معتقلات. ومن المفترض أنَّ عددهم قد بلغ في أوَّل يومين من الحملة العسكرية الكبيرة الأخيرة ألفي معتقل. وأعلن الدفاع المدني السوري (رجال الخوذ البيضاء) عن مقتل خمسة وأربعين شخصًا، تم قتلهم أثناء هروبهم رميًا بالرصاص من قبل النظام.
الأمم المتَّحدة العاجزة
ولذلك من السخرية أنَّ ألمانيا من بين دول أخرى قد تحوَّلت في هذا العام 2016 إلى منح اللاجئين الهاربين من سوريا الحماية المؤقَّتة فقط - وهي حماية تسري فقط طالما استمرت أوضاع الحرب العامة، وذلك لأنَّ هؤلاء اللاجئين المعنيين يتم اعتبارهم غير "مضطهدين بشكل شخصي".
ومع ذلك من الواضح أنَّ النظام أيضًا، وغيره يضطهدون الأهالي بشكل شخصي. فمن أجل اعتقال شخص ما، يكفي أن يكون مكان ولادته المذكور في بطاقة هويَّته هو أحد معاقل الثورة السورية. وكذلك يتم اعتقال الكثيرين، من أجل الضغط على أقاربهم وأفراد أسرهم - أو ببساطة حتى يتوفَّر لدى النظام مجال أوسع من المناورة في عمليات تبادل الأسرى.
وحتى في يومنا هذا لا يوجد في الغرب قدر كبير من الاهتمام بهذه الأشكال المتعدِّدة من الوحشية والرعب. وهذا يعود أيضًا إلى الكليشيهات الراسخة هنا في ألمانيا، والتي تُحدِّد كيف يبدو الاضطهاد: فهو يصيب -بحسب التصوُّرات الشائعة- أقليَّات مهدَّدة دائمًا. ولكن أن تسعى أقليةٌ مُدجَّجة بأعتى الأسلحة ومدعومة دعمًا كبيرًا من قبل روسيا وإيران بالقوَّات والأسلحة إلى قصف الغالبية وقتلها من أجل إخضاعها، فهذا لا يَرِد في تصوُّراتنا النموذجية.
ففي حين يحدث كلُّ هذا، (لا يزال) الاتِّجاه العام في أوروبا يطالب باستقالة الأسد، وبدورها تدعو هيئة الأمم المتَّحدة العاجزة في نداءات تزداد إلحاحًا الأسد وروسيا إلى حماية السكَّان المدنيين. يبدو أنَّ مفاوضات جنيف الثالثة، أي العملية الدولية للبحث عن حلّ سياسي للأزمة السورية، قد فشلت، وذلك لأنَّ الأسد وحلفاءه على ما يبدو يُصرُّون على الحسم العسكري. ولكن حتى إذا أعلن النظام النصر من دون مفاوضات، فهذا لا يعني نهاية العنف في سوريا.
ضغط سياسي داخلي كبير
وتنظيم "الدولة الإسلامية" لا يزال موجودًا وسيحصل على المزيد من الإقبال، نظرًا إلى أنَّ الغرب يترك الأسد وشأنه. ومع ذلك من الممكن أن يكون استنفاد النظام لكلِّ سلطته -على حساب المواطنين الذين قاوموه طيلة أعوام- أكثر قتلاً من حرب عصابات محتملة يخوضها المتطرِّفون.
ومن الجائز أنَّ هذا لا يصيب فقط الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي يستعيدها النظام، بل وحتى اللاجئين الذين ستتم إعادتهم إلى سوريا. وفي لبنان يوجد أكثر من مليون لاجئ سوري، يتم التسامح معهم ولكن لا يُعترف بهم كلاجئين، وذلك لأنَّ لبنان لم يعترف باتِّفاقية الأمم المتَّحدة ذات الصلة.
هناك ضغط سياسي داخلي كبير من أجل التخلُّص من اللاجئين السوريين. وإذا أعلن الأسد انتهاء الحرب، فمن الممكن أن يمثِّل هذا -وحتى في أوروبا- ذريعة مناسبة من أجل ترحيلهم. وبالتالي يستمر موت المدنيين السوريين. ولكن فقط بشكل غير علني.
بينته شيلَر
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2016