نضال على كل الجبهات..."لا نملك حق التخلي عن الأمل"
تعتبر جائزة نوبل البديلة، التي تمنحها مؤسسة Right Livelihood، من الجوائز المهمة، وراجي الصوراني يعتبر أول فلسطيني يحصل عليها. وبالرغم من ذلك، فإن رد فعله على هذا الخبر غير المتوقع، الذي وصله من ستوكهولم في العاشرة صباحاً يوم السادس والعشرين من سبتمبر 2013، أبعد ما يكون عن المفاجأة والفرح.
لكن عندما يُسأل عن شعوره، فإنه بالطبع يعبر عن سعادته لأن مثل هذه الجائزة بمثابة حافز له، مضيفاً: "هذه الجائزة مهمة بالنسبة لسكان قطاع غزة في الأراضي المحتلة، لأنها تسلط الضوء على أوضاعنا".
وإلى جانب ذلك، يشير الصوراني إلى أن أسوأ ما يمكن أن يحصل للفلسطينيين هو أن يقلّ اهتمام العالم بهم شيئاً فشيئاً، وأن يصبح الاحتلال أمراً طبيعياً بالنسبة للمجتمع الدولي. هذا ما يراه المحامي والناشط الحقوقي الفلسطيني والأب لطفلين، الذي يبلغ من العمر 59 عاماً ويدافع عن حقوق الإنسان في قطاع غزة والضفة الغربية منذ عقود.
ومن خلال دعم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الذي أسسه الصوراني، فهو يقوم بتمثيل ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وعائلاتهم في المحاكم. ويعتبر الصوراني أن الوضع "أسوأ من ذي قبل. نحن نعيش كابوساً".
نضال على جميع الجبهات
وربما يمكن تفهم رد الفعل المتواضع لراجي الصوراني إذا رأى المرء بأم عينه ما يمرّ به هذا المحامي يومياً، ذلك أنه يقاتل على ثلاث جبهات في الوقت ذاته: فهو يواجه المحتل الإسرائيلي ذي السيطرة المطلقة، الذي يحوّل حياة البعض إلى معاناة مستمرة وينتهك الحقوق الأساسية. ويقول راجي الصوراني إن الأمر يتعلق "بحرية الحركة وحق التعليم والرعاية الصحية والعمل"، مضيفاً أن الأمر ببساطة يتعلق بإنهاء الاحتلال الذي بدأ قبل 47 عاماً.
وفي ذات الوقت، يضطر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، على المستوى المحلي، إلى التعامل مع حركة حماس المتصلبة في مواقفها. على هذا الصعيد أيضاً، هناك العديد من القرارات والأوامر التي تزيد من صعوبة الحياة اليومية الصعبة أساساً، مثل عدم إصدار تصاريح السفر. أما في الضفة الغربية، فإن القضايا الأكثر إلحاحاً هي حرية التعبير وتعقيد حياة المواطنين على يد الشرطة، بالإضافة إلى الفساد والرشوة في مؤسسات السلطة الفلسطينية.
تجربة شخصية في السجن
درس راجي الصوراني الحقوق في بيروت والإسكندرية، وهو يعيش حالياً في مدينة غزة وقد مثّل عدداً لا يحصى من المسجونين والمتهمين في المحكمة. ويقول الصوراني إنه ليس خائفاً من التعبير عن آرائه واعتقاداته "أمام أي شخص". وعندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، فهو غير مستعد لتقديم أي تنازلات، الأمر الذي جعله يدفع ثمناً باهظاً. حول ذلك يقول الصوراني: "لقد سجنت عدة مرات وتعرضت أيضاً للتعذيب".
أول مرة كانت سنة 1979، حين قضى راجي الصوراني ثلاث سنوات في سجن إسرائيلي. وفي السنوات التي تبعتها، تمت إدانته في عدد من القضايا وقضى فترات مختلفة في السجن. كما مُنع من السفر لثلاثة عشر عاماً وكان عليه تقبل عمليات تفتيش مفاجئة لمنزله ومكتبه. كما تعرض إلى ما يمكن اعتباره منعاً عن ممارسته لمهنته، مضيفاً أنه "لم يُسمح لي بزيارة موكليّ".
كما لم يكن راجي الصوراني محبوباً لدى السلطة الفلسطينية، بسبب انتقاده المتواصل للنظام القانوني الذي أسس بعد اتفاقية أوسلو للسلام، ولذلك تعرض للسجن في عهد السلطة أيضاً. وما فاجأ الصوراني هو أن المحاكم الفلسطينية والإسرائيلية تشترك في فهمها القمعي للقوانين. وفي سنة 1995، أصبح الصوراني أول معتقل سياسي لدى السلطة الفلسطينية.
آنذاك قال راجي الصوراني: "لقد اعتقدتُ بأن المعركة ضد الاحتلال كانت أصعب معركة. لكن المعركة من أجل الديمقراطية والقانون والنظام وحقوق الإنسان ضد حكومتي هي أكثر تعقيداً". وعندما يتذكر تلك الفترة، فهو يعتبر أنه كان ساذجاً آنذاك.
وبعد الإفراج عنه، أسس راجي الصوراني المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الذي ظل لسنوات عديدة منظمة ذات اعتبار كبير يعمل فيها 64 شخصاً في عدد من المدن، من بينها غزة ورام الله. ولا يقتصر عمل المركز على التمثيل القانوني في المحاكم وكتابة العرائض، بل ويتعداه إلى مراقبة وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان وتنظيم ورشات العمل للمحامين من كافة أرجاء العالم العربي.
كما يعتبر راجي الصوراني لاعباً مهماً على الساحة الدولية أيضاً، فهو يعمل مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى منظمة الصليب الأحمر ومحكمة العدل الدولية. حول ذلك يقول: "نريد السلطة الفلسطينية أن توقع على معاهدة روما كي نتمكن من طرح انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين على محكمة العدل الدولية".
كما أن الصوراني من الشخصيات غير المرحب بها في الولايات المتحدة، واسمه على القائمة السوداء هناك وممنوع من دخولها. هذا الأمر غريب بالنظر إلى أنه نال جائزة روبرت ف. كينيدي لحقوق الإنسان، وهي إحدى أرفع جوائز العدالة وحقوق الإنسان في الولايات المتحدة.
لكن راجي الصوراني يقول إن مثل هذه الأمور لا تقلقه، مثلها مثل العقبات التي واجهها على مر السنين والتي كادت تجعله يحيد عن دربه، ويضيف أن "الأمر بسيط للغاية. نحن لا نمتلك الحق في التخلي عن الأمل".
أولريكه شلايشر
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله/ قنطرة 2013