آن الاوان لاستعادة الدور المحوري لمصر في ليبيا
منذ اندلاع الثورات في منطقة الشرق الأوسط اتخذت السياسة الخارجية المصرية منحي جديدا قائما على الارتباط بالسياسة الخارجية لمحور الثورة المضادة للربيع العربي في المنطقة، والتي تقودها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تحولت فيه مصر من دور القيادة إلى التابع.
وانعكس هذا التحول على مصالح مصر الخارجية وأمنها القومي. أولي تجليات هذا التحول وآثاره المدمرة كانت في التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وما تمثله هاتان الجزيرتان من أهمية استراتيجية لشبه جزيرة سيناء وأمن مصر القومي.
الأمر يتكرر اليوم مرة أخري مع الأزمة الليبية المعقدة، والتي ستلقي بانعكاساتها مجددا على الأمن القومي المصري، وستصبح خطرا على الحدود الغربية لمصر. منذ اللحظة الأولي للأزمة الليبية ومع انضمام مصر لمحور الثورة المضادة في دعم قوات الجنرال خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، فقدت مصر دورا مهما كان من الممكن أن تلعبه في حل الأزمة الليبية، وهو دور الوسيط بين الأطراف المتصارعة، واستخدام عدد من الأوراق السياسية المختلفة لتهدئة الأوضاع والوصول إلى حل سياسي.
حرب بالوكالة في ليبيا بصبغة إقليمية
ما يحدث الآن في ليبيا معقد للغاية حتى إن المجتمع الدولي يقف عاجزا أمام الوصول إلى الحل في ظل تعقيد الموقف على الأرض وتصاعد المواجهات العسكرية.
الصراع الآن في ليبيا له أطراف متعددة، فهناك الحلف المصري السعودي الإماراتي في مواجهة الحلف القطري التركي، وهناك الصراع الفرنسي الإيطالي بجانب الأجندة الروسية المضادة للأجندة الأمريكية.
هذه الأجندات المتصارعة والمتضاربة في ليبيا تمثل عثرة في سبيل الوصول إلي حل، وتؤكد عجز المجتمع الدولي عن الوصول لذلك. في ذات الوقت هذا التصارع وصل إلي الاتحاد الأوروبي الذي كان منوطا به أن يساهم في الحل، لكن الصراع بين الفرنسيين والإيطاليين كقوتين لهما أهدافا استعمارية قديمة في ليبيا عقد من قدرة الاتحاد الأوروبي علي فعل ذلك، ففي الوقت الذي تتبني فيه الحكومة الفرنسية موقفا معلنا من دعم حكومة الوفاق الشرعية، تتبني في الخفاء أجندة أخري تدعم من خلالها قوات الجنرال خليفة حفتر وحملاته العسكرية. وفي المقابل تتخذ إيطاليا موقفا مغايرا نكاية في فرنسا، باعتبار أن ليبيا أحد مستعمراتها القديمة ولها "حق تاريخي فيها".
تضارب المصالح هذا عطل من الوصول لحل، بل جعل الحكومة الألمانية برئاسة المستشارة الألمانية ميركل تبذل جهودا عدة للتوفيق بين الغريمين الفرنسي والإيطالي، لكن يبدو أن الجهود حتى اللحظة غير مثمرة، كما أن هناك شكوكا تتنامى بشأن قدرة مؤتمر برلين المقرر عقده هذا الشهر في القدرة علي جمع الفرقاء للوصول لحل يرضي جميع الأطراف المتصارعة.
وفي تطور جديد تدخل تركيا، الغريم الأيدلوجي لمحور الثورة المضادة على الخط، وترسل قوات تركية لدعم حكومة الوفاق. هذا الدعم التركي العسكري ليس بجديد، شأنه في ذلك شأن تدفقات السلاح المصري والإماراتي لحكومة حفتر، كما أن الدعم التركي لحكومة الوفاق لم يكن عسكرياً فقط وإنما كان سياسياً أيضاً بمنح الغطاء الدبلوماسي في المحافل الدولية، ما خلق توازناً للرعب بين الشرق والغرب في ليبيا وكذلك في صراع الأجندات السياسية في الشرق الأوسط.
في كل ذلك لا تأبه مصر بأمنها القومي وباعتبار ليبيا أحد امتداداته من الناحية الغربية، وتستمر في سياستها الخارجية المرهونة بالسياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة دون أي اعتبار آخر للأمن القومي المصري وأهميته.
مصر حتى اللحظة لا تملتك رؤية واضحة أو خطابا واضح المعالم حول الوضع في ليبيا، كما أن إعلام النظام لا يروج سوي لخطاب غوغائية لا يعرف معني وأهمية الأمن القومي والوضع الجيواستراتيجي وأهميته في صنع السياسة الخارجية وتحديد أولوياتها، كما أنه يروج لكلمة المؤسسات الليبية، في دولة لا تعرف المؤسسات حتي اللحظة.
صوملة ليبيا يهدد الأمن القومي المصري
النقطة الأخطر والتي تغيب عن صانع القرار المصري والمتحكم في سياستها الخارجية أن الصراع في ليبيا هو نوع من إعادة إنتاج لنموذج الصومالي وليس النموذج السوري، لأن الأطراف التي كانت متفقة في سوريا، هي اليوم أطراف متصارعة وغير متفقة في ليبيا، لذا فإن إعادة النموذج الصومالي في ليبيا هو الأقرب، والمشهد أقرب للمشهد الذي حدث في عام 1994 عندما دخل محمد فارح عيديد العاصمة الصومالية مقديشيو مما نتج عنه تشرذم في المشهد الصومالي وتفكك الدولة الصومالية.
وبكل وضوح وفي ظل الأزمات الداخلية والخارجية التي تمر بها مصر، فلن تكون قادرة على تحمل كلفة وجود صومال جديد (دولة فاشلة) علي حدودها الغربية، الوضع سيكون كارثي بالنسبة لها وسيكون هناك أوكار للجماعات المتطرفة، إلي جانب الخصوم السياسيين، وأقصد هنا الخصم التركي الذي سيستخدم ذلك بكل وضوح للضغط علي مصر، والتأثير علي أمنها القومي.
مصر تستطيع بالتنسيق مع الأوروبيين إيجاد حل مشترك وبلورة رؤيا للحل في ليبيا، ففي الوقت الذي أصبحت فيه علاقة الرئيس التركي سيئة بالأوروبيين، وأصبح هناك نوع من المساومة لهم بمسألة الهجرة وفتح الحدود، خاصة حينما هدد الرئيس التركي أردوغان أوروبا أكثر من مرة من قبل بفتح الحدود أمام اللاجئين وإغراق أوروبا بهم.
لذا فإن معني تمدده ووجوده في ليبيا أنه سيتحكم مرة أخري في ملف مهم متعلق بالهجرة الغير شرعية من السواحل الليبية وقد يستخدم ذلك كورقة ضغط سياسية ضد الأوروبيين، مما يعني أن مصر قد تلعب دورا تفاهميا مع الأوروبيين حول ذلك والضغط في اتجاه الحل، في ذات الوقت و انطلاقا من مبدأ أنه لا أعداء ولا أصدقاء في السياسة، تستطيع مصر فتح حوار مع النظام التركي حول الوضع في ليبيا للعب دوري مهم والوصول لتسوية للنزاع.
لكن هذا لن يحدث إلا بفك الارتباط بين السياسة الخارجية المصرية والسياسة الخارجية لكل من الإمارات والسعودي، فلو حدث وأصبحت ليبيا صومال جديدة على الحدود المصرية الغربية فالإمارات أو السعودية لن تتضرر، المتضرر الأساسي هو مصر وأمنها القومي.
تقادم الخطيب
حقوق النشر: قنطرة 2020
اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة
حفتر...مشروع إسقاط الإسلام السياسي في ليبيا
دور أوروبي خجول إلى متفرج ومتردد في الأزمة الليبية
الأنظمة العربية.... من مشاريع قومية الى مزارع عائلية
الثورات المضادة أحدثت انتكاسة هائلة في العالم العربي"
عودة مصر إلى العسكريتاريا الشعبوية: مصر من ثورة يناير إلى الإخوان ثم السيسي