عقلية الحرب الإسرائيلية لا يمكن أن تنتصر
سواءٌ أرغبتُ في ذلك أم لم أرغب، صرت أصطدم مرارًا وتكرارًا منذ عدة أيَّام بشعار يقول "اُتركوا جيش الدفاع الإسرائيلي ينتصر". وفي الواقع يعتقد الكثيرون من شباب إسرائيل الذين يقتبسون هذا الشعار ويوردونه على صفحات الفيسبوك الخاصة بهم، أنَّ هذا الشعار قد تم اختراعه بمناسبة العملية العسكرية الأخيرة في قطاع غزة. ولكنني مُتقدِّم في السنّ بما فيه الكفاية لكي أتذكَّر أنَّه قد ظهر قبل ذلك بزمن أطول بكثير، فقد ظهر في البداية بصورة ملصق يتم إلصاقه على السيارات، ثم غدا في وقت لاحق بمثابة شعار شائع يعرفه كلُّ طفل في إسرائيل.
هذا الشعار غير موجَّه أيضًا إلى أتباع حركة حماس ومؤيِّديها، أو إلى المواطنين في أوروبا، بل هو موجَّهٌ فقط إلى الناس في إسرائيل - وهذه هي عقيدتهم اللعينة التي تهيمن الآن على كلّ شيء هنا منذ أربعة عشر عامًا. وذلك لأنَّ طريقة التفكير هذه لا تقوم إلاَّ على مجرَّد فرضيات خاطئة.
إنجاز العمل حتى النهاية؟
تتمثَّل أولى هذه الفرضيات في أنَّ هناك أشخاصًا في إسرائيل يَحُولون دون النصر ودون ما سيرافقه من راحة وهدوء. يرى أصحاب هذه الفرضية أنَّ هؤلاء المخرِّبين - ويقصدونني أنا شخصيًا وجميع الأشخاص الذين يفكِّرون بشكل مختلف عن تفكيرهم - يعملون على منع جيشنا من تحقيق النصر. وذلك لأنَّنا نقوم - مثلما يزعمون - بتقييد عضلات عساكرنا القوية بمقالاتنا اللاذعة ودعواتنا الانهزامية الداعية إلى المزيد من الإنسانية والرحمة. فلو أنَّنا نحن، أي الخونة مثلما يصفوننا، لم نكن موجودين، لكان جيش الدفاع الإسرائيلي قد انتصر منذ فترة طويلة ولكانت الراحة والهدوء اللذان نشتهيهما كثيرًا قد تحققا أخيرًا.
وأمَّا الفرضية الأخرى والأخطر بكثير والكامنة خلف شعار "اتركوا جيش الدفاع الإسرائيلي ينتصر" فهي تفيد بأنَّ الجيش الإسرائيلي هو قادر أصلاً على تحقيق النصر. وفي كلّ مرة تأتي عائلة نموذجية تلو الأخرى من جنوب إسرائيل لتقول: "نحن مُسْتَعدِّون لتحمُّل جميع الصواريخ، فقط من أجل القضاء أخيرًا على كلّ هذا الخوف والرعب".
وبعد أربعة عشر عامًا، بعد أربع عمليات عسكرية في قطاع غزة - لا نزال مُتَعَلِّقين بنفس الشعار الأعوج. والأطفال الذين دخلوا إبَّان "عملية الدرع الواقي" في عام 2002 إلى الصف الأوَّل الابتدائي، هم اليوم الجنود الذين يجتاحون قطاع غزة. وفي كلّ عملية عسكرية يوجد سياسيون من معسكر المحافظين ومعلقون سياسيون، يقولون لنا إنَّ وقت التعامل بلطف قد انتهى، ويجب الآن أن يتم أخيرًا إنجاز هذا العمل حتى النهاية.
عندما يراهم المرء على الشاشة، يتساءل: أية نهاية تقصدون؟ وماذا تستهدفون؟ فحتى لو تم قتل كلّ فرد من مقاتلي حماس فإنَّ لا أحد يعتقد في الواقع أنَّ رغبة الفلسطينيين في الحصول على اعتراف وطني سوف تزول مع زوال حماس. فقبل ظهور حركة حماس، كنا نقاتل ضدّ منظمة التحرير الفلسطينية، وعندما سيتم تدمير حماس - ونأمل أن نكون حينها لا نزال موجودين هنا جميعنا - سوف نقاتل حينئذ ضدّ تنظيم فلسطيني آخر.
يمكن للجيش الإسرائيلي أن يكسب المعركة، ولكن التسوية السياسية وحدها يمكن أن تجلب للمواطنين الإسرائيليين الأمن والسلام. بيد أنَّ هذا أمر لا يجوز قوله، طبقًا لإرادة القوى الوطنية الإسرائيلية التي تقود المعركة الحالية. ولهذا السبب سيشير المرء بأصابع الاتِّهام إلينا، عندما تسكت المدافع ويتم إحصاء عدد القتلى على كلا الجانبين.
صحيح أنَّ ارتكاب خطأ ما يكلف العديد من الأرواح يعدّ أمرًا سيئًا. ولكن الأسوأ من ذلك هو تكرار هذا الخطأ. أربع عمليات عسكرية، والكثير من القتلى - وها نحن نعود مرة أخرى إلى النقطة نفسها مثل ذي قبل. الشيء الوحيد الذي تغيَّر وتحديدًا إلى الأسوأ هو قدرة المجتمع الإسرائيلي على تقبُّل النقد.
ففي الأسابيع الأخيرة تعرَّض المتظاهرون اليساريون مرارًا وتكرارًا للضرب من قبل المتطرِّفين اليمينيين؛ كما تم فتح صفحات على الفيسبوك بأسماء مثل "الموت لليساريين"، وكذلك تم إطلاق دعوات لمقاطعة جميع الأشخاص الذين لا تتّفق آراؤهم مع الرأي القائل بانتصار إسرائيل. وعلى ما يبدو فإنَّ الطريق الدموي الذي يقودنا في إسرائيل من عملية عسكرية إلى أخرى، ليس طريقًا دائريًا مثلما كنا نعتقد، بل هي دوامة - تتَّجه إلى الأسفل، إلى الهاوية التي أخشى من أنَّنا سوف نشهدها ذات يوم.
إتغار كيريت
عن الألمانية ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ/ قنطرة 2014
يعدّ الكاتب الإسرائيلي إتغار كيريت المولود في عام 1967 من أشهر الكتَّاب في إسرائيل، نُشرت له مؤخرًا ترجمة ألمانية لمجموعته القصصية "فجأة، طرق على الباب".