على أوروبا محاورة حماس بدلا من شيطنتها
يعتبر تدخل الاتحاد الأوروبي في مشكلة الشرق الأوسط والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي ضروريا، فالاتحاد يعتبر أكبر جهة مانحة للسلطة الفلسطينية ولوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). كما يعد الاتحاد الأوربي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، حيث يصل التبادل التجاري بينهما إلى حوالي ثلاثين مليار يورو.
ويتم نقد الاتحاد الأوروبي لأنه "مانح وليس فاعلاً" في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنه لا يكف عن تكرار موقفه لتسوية الصراع على أساس حل الدولتين. ويعتبر دعم حكومة فلسطينية مستقلة أثناء عملية بناء المؤسسات بواسطة الخبرة والأموال، مهماً لتحقيق حل الدولتين. كما أن إسرائيل تقربت أكثر من أوروبا، ونتيجة لذلك أصبحت مجبرة وبشكل متزايد على الالتزام بقوانين ومواقف الاتحاد الأوروبي، خصوصاً تمييز الاتحاد الأوربي بين دولة إسرائيل وبين المناطق الفلسطينية المحتلة.
إسرائيل هي الدولة الوحيدة خارج الاتحاد الأوروبي التي تشارك في برنامج البحث الأوروبي "هوريزونت" Horizont 2020، الذي سينطلق هذا العام 2014 إلى غاية عام 2020. ويشترط الاتحاد الأوروبي على إسرائيل عدم تحويل الدعم المخصص للبرنامج إلى الجامعات الإسرائيلية الموجودة في المناطق المحتلة في الضفة الغربية. وتعتبر ألمانيا من بين أوائل دول الاتحاد التي تتبع هذه السياسة. ولم يحصل على الدعم سوى بعض المشاريع الموجودة خارج المناطق المحتلة.
الاتحاد الأوروبي الاحتلال الإسرائيلي
ورغم هذه الأنشطة التي تدعمها أوروبا في إسرائيل، إلا أنه يجب إدراج أوروبا ضمن الجهات التي تساهم في بقاء الوضع على ما هو عليه بخصوص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فدول الاتحاد الأوروبي قدمت الدعم المادي والسياسي لوضع ساهم في بقاء الاحتلال الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه كان يتم بناء المؤسسات الفلسطينية، على أمل إقامة دولة فلسطينية مستقبلا. فدافعو الضرائب من مواطني الاتحاد الأوروبي مولوا أنشطة اجتماعية وخدمية كان يجب تمويلها من قبل إسرائيل، بحسب القانون الدولي. كما تعتبر عودة القتال بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في غزة من بين العوامل التي تساهم في استمرار الوضع القائم.
غير أن هذا الوضع غير ثابت وهش لعدة أسباب: أولا أصبحت الأحوال في الشرق الأوسط أكثر خطورة، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعرف جيداً أنه لن يحقق نصرا تاما على حماس، من دون المخاطرة بتزايد التشدد في الجانب الفلسطيني. ثانيا: يتراجع التأييد الشعبي للتعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ثالثا: أظهرت السنوات الماضية أن محاولات إنعاش الاقتصاد الفلسطيني غير مجدية في ظل غياب السيادة والسيطرة على الحدود وأفق سياسي واضح يمنح الأمل بالمستقبل. وعلاوة على ذلك فإن الرأي العام الأوروبي في حيرة من أمره في ظل تزايد عدد الضحايا بين المدنيين، وهو ما يساهم أيضا في تكريس الوضع القائم.
ما العمل؟
الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر. فوقف إطلاق النار والتوازن في التهديدات كما كان الحال عام 2012 ليس في مصلحة أوروبا، كما أن ذلك لن يدوم طويلا. ثم إن الجانبين يقدم مطالب من المرجح أن لا يتم تحقيقها إلا في مفاوضات لاحقة. فبينما تريد حماس إنهاء حصار غزة، تطالب إسرائيل بإنهاء التواجد المسلح في قطاع غزة. أوروبا يمكنها أن تساعد على إيجاد بيئة أكثر ملاءمة للمفاوضات النهائية.
فيما يتعلق بإسرائيل، ينبغي على أوروبا أن تعمل على إجبار الحكومة الإسرائيلية على اتخاذ أحد القرارين: إما التمسك باحتلال الأراضي الفلسطينية أو العمل على تحقيق حل الدولتين. كما يتعين على أوروبا أن تدرك أن صناع القرار في إسرائيل ليس لديهم رغبة كبيرة في التوصل إلى حل الدولتين، فالرئيس الجديد روفين ريفلين، يتحدث عن حل الدولة الواحدة، مع ضمان بعض الحقوق للسكان الفلسطينيين. كما أن العديد من حلفاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي يعارضون علانية إقامة دولة فلسطينية.
في الجانب الفلسطيني، على أوروبا العمل على إدماج حماس والفصائل الأخرى، في مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. ويتعين أيضا على دول الاتحاد الأوروبي أن توضح أن فوائد السلام أكثر من الحرب. وهذا قد يتطلب رفع الحظر عن الحوار مع حماس وبدء التفاوض معها. فالوصول إلى حل للنزاع القائم عن طريق الدبلوماسية الفعالة يتطلب إجراء اتصالات مع جميع الأطراف.
الدور القيادي لألمانيا
داخل دول الاتحاد الأوروبي، يمكن أن تلعب ألمانيا دورا مميزا، نظرا لدعمها الطويل الأمد لإسرائيل وأيضا مساهمتها الكبيرة في بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية. ويمكن لألمانيا أن تقول وبوضوح إنه ليس في مصلحة دافعي الضرائب دعم الوضع الراهن الذي لا يحتمل. هذا ويمكن تفهم تردد الحكومة الألمانية والاتحاد الأوروبي حيال الصراع في إسرائيل والدول المجاورة، ولكن البديل لألمانيا وأوروبا، هو التكلفة العالية للوضع الراهن بما في ذلك الصور المرعبة المتكررة كالتي شهدناها في الأسابيع الأخيرة.
ماتيا توالدو
ترجمة: ع.ع
تحرير: ع.ج
حقوق النشر: دويتشه فيله 2014
ماتيا توالدو، خبير في برنامج شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى المفوضية الأوروبية في مجال السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.