توظيف سياسي لفرض عقوبات جماعية ونسف الوحدة الفلسطينية
في الثاني عشر من يونيو/ حزيران 2014، يُعتقَد بأن ثلاثة شبان إسرائيليين قد اُختُطِفوا بالقرب من مستوطنة غوش عتسيون. "يُعتقد"، لأنه لم تعلن حتى اللحظة أية جهة مسؤوليتها عن اختطافهم. حتى ملابسات اختفائهم لا تزال غير واضحة. لكن إذا كان اختفاؤهم خطفاً، فإن ذلك مرفوض بشدة، لأن الإرهاب والعنف ليسا وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية.
لا توجد حتى الآن أية دلائل تدعم موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تحميل حركة حماس المسؤولية. وما بدأ كعملية بحث عن الشباب المفقودين تحوّل إلى عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية، باتت تذكّر بفترة الانتفاضة الثانية.
إن تبعات هذه العمليات العسكرية على المدنيين الفلسطينيين مروّعة، إذ تم اعتقال 361 شخصاً حتى الآن، بحسب معلومات الجيش الإسرائيلي، من بينهم عدد كبير من أعضاء حركة حماس و50 معتقلاً سابقاً أطلق سراحهم عام 2011 بموجب اتفاق تبادل أسرى الذي أفضى إلى الإفراج عن الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط.
هجوم شامل على الفلسطينيين
لقد وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على تشديد ظروف الاعتقال لأعضاء حركة حماس في السجون الإسرائيلية، وتم تفتيش أكثر من ألف منزل، وفي أغلب الأحيان كان الجيش الإسرائيلي يقتحمها في ساعات الليل المتأخرة. حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو، عزز الجيش الإسرائيلي من وجوده.
في رام الله، مقر السلطة الفلسطينية، وفي بيرزيت، أكبر الجامعات الفلسطينية، حصلت مداهمات واعتقالات أدت إلى مواجهات واحتجاجات. حتى مكاتب منظمات غير حكومية محلية ودولية (مثل المكتب المحلي لمنظمة الإغاثة الإسلامية الدولية) ووسائل إعلام (كالعديد من المؤسسات الإعلامية الفلسطينية ومكتب مجلة "This week in Palestine" الناطقة بالإنجليزية ومكتب قناة "روسيا اليوم" (الروسية) تعرضت للتفتيش وللتخريب في بعض الأحيان على يد الجيش. كما تم إغلاق مدن كبرى مثل الخليل ونابلس. وحتى الآن، قتل خمسة فلسطينيين، بينهم عدد من الشباب، أثناء العمليات العسكرية والمواجهات التي اندلعت على إثرها. كما توفي فلسطيني سادس نتيجة أزمة قلبية عندما داهم الجيش منزله.
وقامت الحكومة الإسرائيلية بحملة محمومة ضد "الإرهابيين"، الذين لا تقصد بهم المقاتلين المسلحين فحسب، بل ومجمل حركة حماس وممثليها السياسيين ومناصريها. هذا يفتح المجال أمام اعتقالات تعسفية، إذ أعيد اعتقال رئيس المجلس التشريعي (البرلمان) الفلسطيني، عزيز دويك، وعدد من النواب الآخرين.
حقوق الإنسان وافتراض البراءة حتى ثبوت التهمة تنطبق أيضاً على أعضاء حركة حماس، حتى وإن كانت الحركة مسؤولة في الماضي عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
حجة مكافحة الإرهاب
تحت مسمى مكافحة الإرهاب تبرر الحكومة الإسرائيلية ما تقوم به. هذا التبرير يلقى قبولاً لدى بعض شرائح المجتمع الإسرائيلي، ما يتضح من خلال صفحة على موقع "فيسبوك" بالعبرية تحمل العنوان الساخر "حتى يعود الشباب، سنقتل إرهابياً كل ساعة"، جمعت -حتى كتابة هذا المقال- 20 ألف معجب. وفي المقابل، نظم نحو 250 إسرائيلياً في تل أبيب مظاهرة مناهضة لعمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.
من جانبها، نفت القيادة السياسية لحركة حماس مسؤوليتها عن اختطاف الإسرائيليين، خاصة وأنها اتفقت لتوها مع حركة فتح على تشكيل حكومة وحدة وطنية للخروج من عزلتها في قطاع غزة، التي فُرضت عليها عام 2007. الحكومة الجديدة قبلت بشروط اللجنة الرباعية، بما فيها نبذ العنف. لذلك، فإن اختطاف إسرائيليين سيعني نهاية محسوبة لحكومة الوحدة الوطنية، وهو ما لا يتفق ومصلحة قيادة حركة حماس.
لا يمكن استبعاد أن يكون اختطاف هؤلاء الإسرائيليين عملية قام بها أفراد، بغض النظر عن انتمائهم لحركة حماس أو عدمه، بهدف إجبار إسرائيل على إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين. لكن لم يتم الإعلان عن أية مطالب منذ اختفائهم. وفي الوقت ذاته هناك حوالي خمسة آلاف معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية، دخل 120 معتقلاً منهم منذ عدة أسابيع في إضراب عن الطعام للاحتجاج على سياسة "الاعتقال الإداري"، التي تستخدمها إسرائيل لإبقاء المعتقلين السياسيين لسنوات في السجن دون تهمة أو محاكمة.
كابوس نتنياهو
يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي من خلال الحملة العسكرية الواسعة النطاق، على ما يبدو، إلى نسف حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية. فمنذ أسابيع، يطالب نتنياهو الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوقف عملية المصالحة مع حماس، لأن وجود قيادة فلسطينية قوية ومتحدة -قادرة على تطوير استراتيجية سياسية جديدة وحشد الدعم الدولي، لاسيما بعد فشل آخر جولة لمحادثات السلام- سيكون كابوساً بالنسبة لنتنياهو.
أما عباس، فيبدو عاجزاً أكثر من أي وقت مضى. ففي الوقت الذي يؤكد فيه الرئيس الفلسطيني لنتنياهو أنه سيبذل قصارى جهده للعثور على المختطَفين وتقديم الخاطفين إلى المحاكمة، لا يستطيع عباس ضمان أمن شعبه، ذلك أن قواته الأمنية لا تستطيع الوصول إلى 80 في المئة من أراضي الضفة الغربية، ناهيك عن مداهمة الجيش الإسرائيلي للمناطق القليلة المتبقية المتمتعة بالحكم الذاتي.
كما أن وصف عباس للتنسيق الأمني مع إسرائيل على أنه "مقدس" جلب عليه الكثير من التهكم. إضافة إلى ذلك، تفقد القيادة الفلسطينية الثقة بشكل مستمر، لدرجة أن حملة انطلقت في رام الله وتحمل شعار: "أنا فلسطيني - محمود عباس لا يمثلني".
طابع عقوبات جماعية
الاستراتيجية الإسرائيلية المتمثلة في التصعيد العسكري تضع أمن الفلسطينيين وسلامتهم على المحكّ. كما أن تعامل الجيش الإسرائيلي مع المدنيين يتجاوز الحد ويحمل طابع العقوبات الجماعية، التي لا يمكن تبريرها بالبحث عن المختطفين الثلاثة. هذه العمليات تمثل انتهاكاً جسيماً لمعاهدات جنيف وتهدد بتصعيد جديد واسع النطاق.
إن حماية المدنيين الفلسطينيين يجب أن تحظى باهتمام المجتمع الدولي مجدداً، فمنذ سنوات زادت إسرائيل من وتيرة توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، إلى جانب ارتفاع حالات هدم المنازل الفلسطينية وهجمات المستوطنين. كما تشير الأمم المتحدة إلى مقتل 11 مدنياً فلسطينياً على يد الجيش الإسرائيلي منذ بداية الأزمة في عام 2014، بالإضافة إلى إصابة أكثر من ألف آخرين بجروح.
وقُتل في مايو/ أيار 2014 مراهقان فلسطينيان غير مسلحين، نقلت كاميرا مراقبة صور قتلهما البشعة. منظمة "هيومان رايتس ووتش" وصفت مقتلهما بجريمة الحرب. لكن الاحتجاج الدولي ظل غائباً. كثيرون من الفلسطينيين باتوا يشعرون بالعجز أمام ردود الفعل الدولية، التي تطالب بضمان سلامة المختطفين الثلاثة لكنها تهمل أمن ملايين المدنيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
مدنيون من دون حماية
يتعرض المدنيون الفلسطينيون لهجمات الجيش والمستوطنين الإسرائيليين دون أية حماية، كان آخرها هجوم لمستوطنين مسلحين في منطقة البيرة بمدينة رام الله، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "معاً".
مهاجمة مستوطني "بساغوت" لموكب جنازة فلسطينيين اثنين قتلا على يد الجيش الإسرائيلي يوضح لامنطقية هذا الوضع، ذلك أن الهدف المعلن لوزارة الدفاع الإسرائيلية هو العثور على الشبان وضمان أمن "سكان يهودا والسامرة"، الذين تعني بهم المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية.
قبل كل شيء، نتمنى العودة السريعة والسالمة للشبان الثلاثة إلى الحرية. لكن الطريقة التي يُستغل فيها مصيرهم من أجل تحقيق أهداف سياسية هي السخف بعينه.
لكن التوسع الهائل في بناء المستوطنات اللاشرعية في الضفة الغربية والقدس الشرقية -وتهديده لأمن الفلسطينيين وأمن المواطنين الإسرائيليين الذين يعيشون هناك- لا يزال غائباً عن النقاش العام.
لا يمكن لأي من تلك الإجراءات العسكرية الصارمة ضمان أمن مئات الآلاف من المستوطنين في الضفة الغربية، طالما لم يتم التوصل إلى حل سياسي ينهي الاحتلال.
رينيه فيلدأنغل
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014
يدير رينيه فيلدأنغل فرع مؤسسة هاينريش بول الألمانية في مدينة رام الله.