الجيش المصري والإخوان المسلمون- تنافس وتعاون منذ الأربعينيات
في عام 2013، أطيح بأول رئيس مُنتخب ديمقراطياً في مصر، محمد مرسي. زعم الجيش أنّ الإخوان المسلمين كانوا خطراً على المجتمع. هل كان هناك دليل على ذلك بعد الربيع العربي؟
سارة تونسي: أثبت الإخوان المسلمون أنهم، إن لزم الأمر، قادرون على استنساخ نظام مبارك بقسوته و"نظام الحاشية" الخاص به. حتى قبل ثورة عام 2011، كان هناك رفض حقيقي لأجندة الإخوان المسلمين ولمرسي، أي أنّ القطيعة مع أنصاره الشعبيين في عام 2013 لم تكن سوى غيض من فيض. نشأ الشرخ من فشل الإخوان المسلمين في البقاء حاضرين اجتماعياً واقتصادياً لأتباعهم بمجرد أن أصبح مرسي رئيساً، وهي نقطة سلّطت الضوء عليها ماري فانيتزل في كتابها: "الإخوان المسلمون في المجتمع: الحياة السياسية اليومية والعمل الاجتماعي والإسلاموية في مصر مبارك".
يذكّرنا التنافسُ بين الإخوان المسلمين والجيش، الذي تجدّد بوضوح بعد عام 2011، بالوضع في مصر في أعقاب انقلاب عام 1952، إذ صمّم كل طرف على الهيمنة على الخطاب و"استمالة" الشعب. في نهاية المطاف، انتهى الأمر بكليهما باللجوء إلى العنف؛ وأولئك الذين سيطروا على سيرورة الأمور، أي الجيش بقيادة السيسي، تولّوا السلطة. ومنذ عام 2013، صُنِّفت كل معارضة للنظام الحالي بوصفها "خطراً على المجتمع". وحتى العناوين التي تضمُّ كلمة "الإرهابيون" تعيد إلى الأذهان مقالات نشرتها صحيفة الأهرام في عام 1954.
ما هي جذور هذا التنافس؟ كيف يُنظر إلى الإخوان المسلمين منذ تولّي عبد الفتاح السيسي الرئاسة؟
تونسي: يعودُ التنافسُ إلى أربعينيات القرن الماضي وطموحات مجموعة من ضباط الجيش "الضباط الأحرار"، إضافة إلى طموحات قيادة الإخوان المسلمين، في الحصول على مزيد من السلطة السياسية. وينبغي قراءة مثل هذه الطموحات في سياق الحركة القومية في مواجهة الاحتلال البريطاني في ذلك الوقت. وخلال هذه الفترة بدأت أعداد المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين في النمو، ويعود ذلك جزئياً إلى الأجندة التي تبنّاها المؤتمر الخامس للجماعة في عام 1939. وكثيراً ما يُذكرُ الضباط الأحرار في الأعمال المكتوبة حول مصر والمشهد السياسي في أربعينيات القرن الماضي، بما في ذلك كتاب طارق البشري: "الحركة السياسية في مصر".
في مذكرات خالد محيي الدين، وهو واحد من الضباط الأحرار وصديق مُقرّب لجمال عبد الناصر، يذكر حادثة لقاء ناصر مع مؤسس جماعة الإخوان المسلمين المرشد الأعلى حسن البنا. ويَسْخَرُ ناصر من البنّا لاقتراحه أنّ يتعاون الإخوان المسلمون والضباط الأحرار ضدّ الاحتلال. صرّح أحد الذين قابلتهم، وهو عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين في مكتب الإرشاد، أنّ الضباط الأحرار وجماعة الإخوان المسلمين لم يتمكنوا من الاتّفاق على موعد لما أصبح في النهاية انقلاب عام 1952.
بالعودة إلى عام 2011، إلى أي مدى تعتقدين أنّ العلاقةَ بينهما قد تغيّرت؟
تونسي: تجدّد التنافسُ فيما بينهما في عام 2011، حين أصبحت كلتا المجموعتين عبارة عن متنافسين سياسيين في الصراع على السلطة. فالعلاقات بينهما -أكثر من أي شيء آخر- تقوم على خبرة وتفاهم متبادلين.
وقد فشلت محاولات التعاون أو التفاوض بعد عام 2011، وذلك بسبب عدم القدرة على المساومة عن السلطة والمركز. ومثل أي نظام معاصر، فالسياسة هي عملية تتميز بالاستمرارية والانقسام. والشيء المثير للاهتمام فيما يتعلّق بديناميكية قوة الجيش المصري/الإخوان المسلمون هو إعادة إحياء هذه العلاقة. كيف تفاعلت خطاباتهم الخاصة؟ كيف أثّرت جوانب التشابه التنظيمي بينهما ونشر رسالتهما السياسية على التنافس بينهما، وفي نهاية المطاف على السياسة في مصر؟
في المقدمة تصفين الكتاب بأنّه "محاولة لاستعراض"تناقضات الوعي" وتؤكدين أنّ الأحداث التي جرت في مصر هي "جزء من نمط واستمرار للدولة المصرية". هل يمكن أن تشرحي المقصود بـ"تناقضات الوعي"، وهل يوحي هذا المصطلح بأنّ الثورة المصرية كانت فاشلة؟
تونسي: أعتقد أنه من المبكّر للغاية إعلان الهزيمة أو "الفشل". يوجد الكثير من الناس الذين لا يزالون يواجهون عواقب ثورة عام 2011، بحيث لا يمكن تحديد ذلك. إنّ استمرارها هو في الديناميكيات التي تلعب دوراً، والفاعلين السياسيين في الواجهة، وغياب السكان المدنيين حين يتعلقُ الأمرُ بتحديد قواعد اللعبة السياسية. وكما ذكرت سابقاً، إنه نمط يتكرّرُ، وهو يتعلّق باستمرارية الدولة المصرية بقدر ما يتعلّقُ بالفاعلين السياسيين المعنيين.
بالنظر إلى ما حدث في عام 2019 والمظاهرات في القاهرة وفي مدن أخرى، هل تعتقدين أنّها كانت استمراراً أم قطيعة مع ثورة عام 2011؟
تونسي: لا يمكن مقارنة المظاهرات في عام 2019 بالربيع العربي لعام 2011. إذ أنّ الدولة والفاعلين السياسيين قد تغيّروا. ولكن إن نظرنا إلى الأحداث على مدار العامين الماضيين في بلدان أخرى مثل الجزائر أو السودان، نجد الكثير من أوجه التشابه التي يمكن أن تجعل المقارنة المستقبلية وجيهة. ففي كلتا الحالتين، كما في عام 2011، كان هناك انتفاضات ومظاهرات حاشدة. كان الناس قادرين على التجمّع، وكان الجيش في كل بلد متردّد إلى أي جانب سينحاز. وهذا لا يزال يؤثر على مجرى الأحداث في السودان والجزائر اليوم.
كيف تغيّرت علاقات مصر مع الغرب منذ عام 2011؟
تونسي: بعد عام 2011، كان العديد من الأكاديميين، ولا سيما الموجودين في مصر في ذلك الوقت، من بين أول من استدعى أولئك الذين زعموا أنّ البلاد ليس بها مجتمع مدني أو حركات شعبية. وعلى مستوى أكثر استراتيجية، زادت روسيا مشاركتها في المنطقة، مع تدخلات واضحة في سوريا، ومن خلال أنماط مختلفة من الدعم المادي، في مصر. ولفترة من الزمن بعد الربيع العربي، كانت العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية متوترة، ولكن هذه العلاقات عادت في نهاية المطاف، مع دخول مصر في مجموعة من التحالفات المختلفة مع دول غربية أخرى.
حاورها: توغرول فون مينده
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2022
اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة
الأنظمة العربية.... من مشاريع قومية الى مزارع عائلية
الثورات المضادة أحدثت انتكاسة هائلة في العالم العربي
عودة مصر إلى العسكريتاريا الشعبوية: مصر من ثورة يناير إلى الإخوان ثم السيسي
الدكتاتوريات العسكرية هي العدو الأول لثورات الربيع العربي