"الفن ميدان"...متنفس ثقافي مولود من رحم ميدان التحرير
رسم ومسرح وموسيقى وعزف وغناء وأعمال يدوية وفنون تشكيلية وأخرى تقليدية وأيضا كاريكاتور ساخر. حشد ثقافي وفنون متنوعة تحت اسم "الفن ميدان" يشهده ميدان عابدين الثوري العريق بالقاهرة في أول يوم سبت من كل شهر، وتستمتع به جموع الناس. بعض الحاضرين ليست لديهم ميول للمشاركة السياسية الفاعلة لكنهم يبحثون عن متنفس ثقافي كما الحال مع غادة، التي تعمل موظفة في إحدى شركات الإلكترونيات. وذلك رغم أن الفكرة الأساسية للاحتفالية تعتمد في الأصل على أشخاص جمعهم ميدان التحرير خلال ثورة يناير عام 2011.
غادة حضرت مع صديقاتها احتفالية "الفن ميدان" في أول يوم سبت من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، وتوضح سبب مجيئها قائلة:" كنت معتادة على حضور مهرجان الكربة بمصر الجديدة، الذي توقف بسبب الظروف التي تمر بها البلاد. ولذلك أحضر إلى هنا للاستمتاع بالأجواء الثقافية في الهواء الطلق".
وكانت فكرة احتفالية "الفن ميدان" رأت النور بعد شهور قليلة من انطلاق شرارة ثورة يناير، حين نظم عدد من المثقفين المتطوعين أولى فعالياتها في الثاني من إبريل/ نيسان عام 2011 بحضور العديد من الفنانين، من بينهم المطرب المصري علي الحجار. وجاء ذلك بعد أن أسس مثقفون وفنانون عقب الثورة ما عرف بائتلاف الثقافة المستقلة كمظلة تشمل المؤسسات المصرية العاملة في مجال الثقافة.
فن تطوعي في ميدان ثوري عريق
يتذكر الشاعر المصري زين العابدين فؤاد نقاشات دارت بين المثقفين خلال ثورة يناير لوضع الإطار المناسب لاحتقالية ثقافية تضمن تواصل الأعمال الخلاقة، التي انطلقت شرارتها في ميدان التحرير أثناء الثورة. ويقول زين العابدين فؤاد لموقع قنطرة في هذا السياق: "فكرنا (حينها) في الاستفادة من حالة الإبداع التي ظهرت في ميدان التحرير خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 من خلال حشد الجماهير في حدث ثقافي تُعرَض فيه فنون مختلفة، وانتهينا إلى فكرة الفن ميدان وهو اسم اقترحه أحد الشباب خلال المناقشات".
نضجت الفكرة وتبلورت لتنتقل الفعاليات الثقافية لاحقا من ميدان التحرير إلى ميدان عريق آخر من ميادين الثورة في العاصمة المصرية، وهو ميدان عابدين، وذلك لعدة أسباب، من بينها: مساحته الشاسعة وسهولة تأمينه نظراً لوجود قصر عابدين. علاوة على أنه ميدان ثوري بامتياز، إذ شهد هو الآخر حالة ثورية في القرن التاسع عشر عام 1881 حين وقف أحمد عرابي (الزعيم المصري الذي قاد أول ثورة في تاريخ مصر) ليقول جملته الشهيرة: "لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، فوالله الذي لا إله الا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم". وبعد أكثر من قرن من الزمان ها هو الميدان يشهد حالة جديدة من الثورة الثقافية.
متنفسات ثقافية في أنحاء مصر
ولا تقتصر فعاليات "الفن ميدان" على العاصمة القاهرة فحسب بل تمتد إلى 18 محافظة يتولى تنظيمها جميعا مجموعة من الشباب المتطوعين، كما أن جميع الفنانين المشاركين أيضا لا يتقاضون أجرا عن عملهم.
وفي إطار العملية التنظيمية للمشروع تم تشكيل مؤسسة الفن ميدان كما يوضح زين العابدين فؤاد: "أجرينا انتخابات لاختيار مجلس الأمناء الذي ضم أشخاصا من خارج القاهرة أيضا وتم اختياري كرئيس لمجلس الأمناء لكني لا أنوي الاستمرار في المنصب طويلا".
رفض للتمويل الخارجي وقبول للهدايا
ويقدر زين العابدين فؤاد تكلفة اليوم الواحد من احتفالية "الفن ميدان" بما يصل إلى نحو 20 ألف جنيه مصري، كلها من أموال التبرعات. وينشر القائمون على "الفن ميدان" على شبكة الإنترنت بشكل مستمر تفاصيل ميزانيتهم والتبرعات التي يتلقونها بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الشفافية.
ويرفض القائمون على "الفن ميدان" الحصول على أية تبرعات مالية من خارج مصر ويحاولون في الوقت نفسه الحصول على دعم من وزارة الثقافة المصرية، إلا أن الهدايا العينية التي يمكن الاستفادة منها مباشرةً مقبولة. إذ حصلت فعالية "الفن ميدان" على هدية من معهد غوته الألماني بالقاهرة كانت عبارة عن منصة مسرح.
التبرعات مستمرة رغم المعاناة
وبالرغم من تردي الوضع الاقتصادي لمصر حاليا ووجود العديد من الجهات التي تحتاج للتبرعات كالمستشفيات ومصابي الثورة، إلا أن الإقبال على التبرع لتنظيم احتفالية "الفن ميدان" لم يتراجع، بحسب فؤاد، الذي يرى أن الحماس المتزايد للفكرة يدل على أن الثقافة المصرية حاضرة بقوة وأن الشعب مازال يتنفس الحرية في ميادين الثورة.
ابتسام فوزي
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013