الديمقراطية في مصر السيسي...حلم بعيد المنال
بعد نحو عام من الانقلاب العسكري على محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في تاريخ أكبر دولة عربية، يعود المصريون لانتخاب رئيس جديد. لكن من يظنّ بأن الانتخابات الحالية منافسة سياسية نزيهة تجري حسب قواعد لعب ديمقراطية، فإن ظنه سيخيب بمزيد من التدقيق.
فهذه الانتخابات تذكّر أكثر بالاستفتاءات الشعبية التي كانت تقام في عهد مبارك. فالمشير عبد الفتاح السياسي، الذي يحكم البلاد فعلياً منذ يوليو/ تموز 2013، ضمن الفوز بالانتخابات مسبقاً، ناهيك عن حصوله على 94 في المئة من أصوات الناخبين المصريين المقيمين في الخارج، وهي نسبة قد يُنظر إليها على أنها مفاجئة وقياسية. لكن بالنظر إلى التطورات في مصر خلال الشهور العشرة الأخيرة، لا تشكل هذه النتيجة مفاجأة. لكن سنتطرق إلى ذلك فيما بعد.
شيطنة المعارضة
بعد عزل مرسي بالقوة في يوليو/ تموز 2013، لم تتم الإطاحة بقيادة البلاد فحسب، بل وتم أيضاً إبطال الدستور الذي أقرّه الإخوان المسلمون. إثر ذلك، أوْكَلت قيادة الجيش برئاسة السيسي إلى لجنة من اختيارها مهمة صياغة دستور جديد. ومن خلال عملية غير شفافة وغير معبرة عن رأي الأغلبية ولم يشارك فيها الرأي العام، تم التوصل إلى أسس لـ"ديمقراطية" يقودها الجيش، تم تفصيلها لتناسب احتياجاته وتضمن امتيازاته.
ما حصل بعد ذلك لا يرتبط على الإطلاق بالآمال الديمقراطية والحرية التي قامت عليها ثورة 25 يناير 2011، فقد تم تجريم الإخوان المسلمين وشيطنتهم وتجسيدهم كخطر محدق بالوطن من قبل حملة إعلامية هستيرية تقودها أجهزة الإعلام الموالية للنظام. كما لوحقت المعارضة الليبرالية والعلمانية بوحشية، لاسيما ناشطو الديمقراطية والثوار الأوائل.
وفي الوقت نفسه، رصدت منظمات حقوق الإنسان عدداً مهولاً من الانتهاكات وحالات متزايدة من التعذيب الممنهج في سجون البلاد، ناهيك عن أحكام الإعدام المرتجلة وتعسّف القضاء بحق من يزعم أنهم من أنصار الإخوان المسلمين.
السيسي ليس خادماً متفانياً للشعب
في الانتخابات الحالية، لا يوجد أمام المصريين خيار جدّي، لأن المعارضة الحقيقية إما حُظرت أو قُمعت. أما حمدين صباحي، الذي لا يملك أية فرصة للفوز، فهو يقوم بحملة انتخابية مشرفة ولكنها خاسرة في مواجهة آلة البروباغاندا لوسائل الإعلام الموالية للنظام، وهو بذلك يلعب – دون وعي منه – دور ورقة التوت التي تمنح تلك الانتخابات صورة ديمقراطية.
إن السيسي بالطبع ليس خادماً متفانياً للشعب كما يحب تصوير نفسه. فهو ما زال وسيبقى رجل المؤسسة العسكرية، ومعظم مؤسسات الدولة تدعمه، خاصة المؤسسة القضائية المسيّسة ووزارة الداخلية سيئة الصيت والجهاز الإداري الضخم ووسائل الإعلام الحكومية الهجومية المروّجة للبروباغاندا. ومن المفارقة أن حزب النور السلفي المتزمت والعاجز عن المشاركة السياسية الفعالة يعتبر من أهم المجموعات الداعمة للرجل القوي الجديد في مصر، ومن غير المعروف إنْ كان ذلك سببه المصلحة الفردية أو الضغط التي تمارسه المملكة العربية السعودية على الحزب.
وإلى جانب إعادة بناء كامل لدولة القمع، التي تفوقت بكثير في العنف والقمع على دولة مبارك الأمنية، من المهم الإشارة إلى افتقار المشير السيسي للخبرة السياسية وعدم امتلاكه رؤية مستقبلية واضحة لمصر الجديدة. فهو لم يقدم حتى الآن برنامجاً سياسياً لحل المشاكل الاقتصادية الضخمة التي تعاني منها البلاد. كما لا يمكن توقّع أية إصلاحات جذرية منه لإعادة هيكلة الاقتصاد ومؤسسات الدولة.
على أوروبا عدم الشرعنة اللاحقة للانقلاب
إن النظام السياسي الجديد في مصر ما بعد مرسي تدعمه وتموّله القوى المناوئة للديمقراطية في المنطقة العربية. فالسعودية والممالك الخليجية المحافظة، على وجه الأخص، تدعم النظام المصري الجديد لأنها تخشى ديناميكية ثورية قد تلهم الشباب في تلك الممالك للمطالبة بالمزيد من الحريات. يضاف إلى ذلك خوفها من فقدان الشرعية عبر صعود الإخوان المسلمين، ذلك أن الجماعة شرّعت نفسها ديمقراطياً وإسلامياً في الوقت نفسه. ولولا الدعم المالي من شبه الجزيرة العربية، لكانت مصر قد أفلست منذ وقت طويل.
ولأن التحول الديمقراطي في مصر بات حلماً بعيد المنال وفرص تحسن الوضع في البلاد تبدو سيئة في الوقت الراهن، على الاتحاد الأوروبي أن يربط التعاون المشترك مع النظام الجديد بشروط واضحة وألا يقوم بمنح شرعية لانقلاب يوليو/ تموز 2013 لاحقاً بأي حال من الأحوال.
ومن هذا المنطلق، كان الأولى بالاتحاد الأوروبي التخلي عن إرسال مراقبين للانتخابات، لأن هذه البعثة الدولية ستخدم فقط أصحاب السلطة الجدد والأقلية الحاكمة.
لؤي المدهون
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله/ قنطرة 2014