الهجوم الحوثي على عدن...القشة القاصمة لظهر الوحدة اليمنية؟
في 22 مايو/آيار 1990 أعلنت الوحدة اليمنية بين شطري اليمن في اتفاق بين الشمال: الجمهورية العربية اليمنية، وبين الجنوب: جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وكان علي عبدالله صالح رئيساً لدولة الوحدة: الجمهورية اليمنية، وعلي سالم البيض نائباً للرئيس.
وفي صيف عام 1994 وبسبب "مظلومية أبناء الجنوب" بعد الوحدة نشبت الحرب الأهلية أو كما يسميها البعض بحرب الانفصال، بسبب الممارسات العبثية والخاطئة التي وقعت خلال الفترة الماضية منذ قيام الوحدة، حيث خلقت قناعة عند عدد كبير من أبناء الجنوب أن الوحدة السلمية مع الشمال قد تم تقويضها. فقد تم تسريح مئات الآلاف من الموظفين العسكريين والمدنيين في الجنوب إلى التقاعد المبكر، وزاد انتشار الفساد، ولم يتم تنفيذ بنود اتفاقية الوحدة التي اتفق عليها الطرفان في عام 1990.
وفي عام 2007 تشكل "الحراك الجنوبي" كأول نواة منظمة لما أصبح يعرف بـ"القضية الجنوبية"، وهو يعتبر من وجهة نظر أبناء الجنوب إطار شعبي نضالي سلمي حامل لقضيتهم الجنوبية، وللدفاع سلميا عما أجهضته الوحدة وعن مشروعها القائم على التكامل والشراكة في صياغة المستقبل الأفضل.
تشبث صالح والحوثيين بالمركزية السياسية والإدارية
وجاءت "القضية الجنوبية" في المحور الأول من ضمن تسعة محاور شملتها وثيقة الحوار الوطني الشامل (الذي تم بعد ثورة عام 2011 الشبابية السلمية) وبمشاركة بنسبة 50 في المائة لأعضاء من المحافظات الجنوبية، ومثلها من المحافظات الشمالية. وقد خرج مؤتمر الحوار بوثيقة تنص على المناصفة بين الشمال والجنوب في المناصب القيادية في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. كما نصت الوثيقة على تأسيس نظام فيدرالي على أساسه يتم تقسيم الجمهورية اليمنية إدارياً إلى أقاليم. وكان الجنوبيون يصرون على أن يكون التقسيم على أساس إقليمين: شمال وجنوب، وهو ما لم يحظَ بالموافقة.
ورغم موافقتها على وثيقة مخرجات الحوار الوطني، إلا أن بعض الأطراف السياسية، المتشبثة بالمركزية السياسية والإدارية، بما لها من مكاسب تتمثل في التحكم بـ والسيطرة على الثروة والنفوذ، عملت على تقويض ما أتفق عليه وتعطيل تنفيذه، وفي مقدمتها مكون (أنصار الله) الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وشنت هذه الأطراف حملة على مخرجات الحوار الوطني تحت مبرر أن الفيدرالية ستقود إلى تقسيم وتفتيت البلاد إلى دويلات. وكان هذا المبرر هو أحد أهم مبررات الانقلاب على شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي.
اجتياح عدن للمرة الثانية...سبب للانفصال؟
بعد اجتياح "مليشيات الحوثي" للعاصمة صنعاء وسيطرتها على مرافق ومؤسسات البلاد في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس هادي وحكومته، تمكن هادي من مغادرة العاصمة إلى عدن التي أعلنها عاصمة مؤقتة في 7 مارس/آذار 2015، معتبراً صنعاء "عاصمة محتلة" من قبل "مليشيات الحوثي". وواصلت هذه المليشيات بدعم من القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح اجتياح البلاد، حتى وصلت إلى مدينة عدن في 19 مارس/آذار 2015، وقامت بقصف دار الرئاسة في مدينة عدن، وهنا نشبت الحرب بين "المقاومة الشعبية الجنوبية" من جهة وبين الحوثيين وحلفائهم من جهة أخرى، حرب اعتبرها الكثير من الجنوبيين حرباً شمالية على الجنوب، فكانت هذه الحرب بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر الوحدة اليمنية.
وما أن تم تحرير مدينة عدن في منتصف يوليو/تموز 2015 من "مليشيات الحوثي" وقوات صالح بدعم عسكري ولوجيستي من قبل قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، حتى تصدر المشهد من جديد نقاشات جادة حول بقاء اليمن موحداً، أو فك الارتباط بين الشمال والجنوب، في الوقت الذي لم يكتمل تحرير بقية المدن اليمنية من قبضة "مليشيات الحوثي" وقوات صالح.
فأبناء المحافظات الجنوبية يشعرون أن فرصة تقرير مصيرهم وفك ارتباطهم بالشمال أصبحت مواتية لهم الآن أكثر من أي وقت مضى. فهم يرون أن الوحدة اليمنية قد تعرضت لشروخ كبيرة، وأصبحت الهوة بين مكونات المجتمع كبيرة وتتسع يوماً بعد يوم.
وقد اعترف ثاني أكبر مسؤول بالدولة، وهو نائب رئيس الجمهورية رئيس الحكومة خالد بحاح، في مقابلة تلفزيونية مع قناة "بي بي سي" في 14 يوليو/تموز 2015 أن "مشروع إقامة دولة اتحاد فيدرالية بين جنوب اليمن وشماله، أفشله غزو المليشيات الحوثية والتابعة لصالح للجنوب، وأن الموضوع الآن صار بأيدي الشعب".
فالسياسة "الانتقامية" التي أتبعها صالح عقب حرب 1994، واجتياح "مليشيات الحوثي" وصالح للمحافظات الجنوبية ترتب عليها تزايد النزعة الانفصالية لدى كثير من الجنوبيين، والذين طالبت كثير من فصائلهم سابقاً ومنهم "الحراك الجنوبي" بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، واستعادة دولة الجنوب السابقة.
وحدة فيدرالية أم فك الارتباط؟
الناشط في "الحراك الجنوبي السلمي" الدكتور جمال الحسني من جامعة عدن يقول لموقع قنطرة إن مستقبل بقاء الوحدة اليمنية اليوم أصبح أكثر صعوبة ولن يقبل أبناء الجنوب استمرارها بالشكل الحالي. فالحرب قد تركت آثاراً سلبية كبيرة في نفوس أبناء الجنوب، وزادت من جراحهم فوق ما عانوه بعد حرب صيف 1994، الذي تحالف فيه حزب الرئيس السابق صالح، المؤتمر الشعبي العام، مع حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمون) في شن حربهم على الجنوب. ويضيف "وجاءت اليوم الحرب الجديدة بتحالف "مليشيات الحوثي" وصالح في حربهم وعدوانهم على المحافظات الجنوبية لتعمق حالة الانقسام الموجودة في السابق، مما جعل ما يسمى "بالفئة الصامتة" قد خرجت عن صمتها وأصبحت تنادي بفك الارتباط بين الدولتين"، حسب تعبيره.
ويشدد الحسني على أن حل المشكلة اليمنية، وبقاء اليمن موحداً لا يمكن إلا أن يكون في إطار النظام الفيدرالي "دولة اتحادية" من إقليمين شمالي وجنوبي، ووفقاً للحدود التي كانت قائمة قبل الوحدة، بحدود عام 1990، ومُزَمَّنة بفترة من ثلاث إلى أربع سنوات، بعدها يعطى أبناء الجنوب الحق في تقرير المصير، إما باستمرار الدولة الاتحادية من إقليمين، أو بفك الارتباط. بينما يرى آخرون أن "النظام الفيدرالي" ليس لصالح اليمن، فهو سيصب في نهاية المطاف لصالح سيناريو فك الارتباط.
من جانبه يعتقد المحلل السياسي اليمني، البروفيسور فؤاد الصلاحي، أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، أن انفصال الجنوب عن الشمال في ظل الظروف الحالية سيزيد من مشاكل انهيار الدولة اليمنية المتبقية، مؤكدا في حديث لموقع قنطرة أن ذلك سوف يعمق الفجوة الاجتماعية بين أبناء اليمن شمالاً وجنوباً. فالوحدة "ضرورة سياسية واستراتيجية وبدونها سيعيش اليمن في دوامة العنف والحروب الأهلية. ولإعادة بناء دولة وطنية، يجب بناء الدولة بنظام سياسي جديد، تتوحد فيه القوى الحديثة في الشمال والجنوب". والحل السياسي، كما يرى الصلاحي، هو في بناء تكتل سياسي واسع من كل الأطياف ليدعم خيار الدولة المدنية على أسس جديدة في " المحليات أو الفيدرالية".
الموقف الدولي والإقليمي من وحدة اليمن
لا يبدو أن مشروع انفصال جنوب اليمن عن شماله يلقى ترحيباً دولياً ـ على الأقل في الوقت الحالي ـ فقد نص قرارا مجلس الأمن (رقم 2014 لعام 2011، ورقم 2051 لعام 2012) على "وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية". وأكدت الدول الخليجية، وفي مقدمتها السعودية التي تقود التحالف العربي، أنها مع وحدة اليمن.
ويتفق كثير من المراقبين والمحللين السياسيين أن موقف دول الخليج العربية وعلى رأسها السعودية مع الخيار السياسي الذي سيضمن لها ولمصالحها الحماية الأمنية، وهي حريصة ـ على الأقل في الظروف الإقليمية الحالية ـ على بقاء اليمن موحداً، حتى لا يتحول شمال اليمن حاضناً لتدخل وتمدد إيران الذي يهدد أمن وسلامة المنطقة. كما أن السعودية بالذات تتخوف من احتمال نشوب صراع جديد على حدودها بين الدولتين اليمنيتين في حال الانفصال، أو نشوب حروب أهلية متفرقة داخل كلا الشطرين، بحسب تحليل البروفيسور عبد الله أبو الغيث، أستاذ التاريخ في جامعة صنعاء، في حديث لموقع قنطرة.
لكن هناك من المراقبين من يرى أن دول الخليج العربي ليس من مصلحتها بقاء اليمن موحداً، كما يقول البروفيسور أحمد الصائدي، أستاذ التأريخ بجامعة صنعاء، والذي يعتقد ـ في حديث لموقع قنطرة ـ أن بعض وسائل الإعلام العربي ربما هي التي توحي بأن دول الخليج العربية متمسكة بالوحدة اليمنية، بينما الواقع في نظره هو أن هناك رغبة لدى دول الخليج العربية في عدم رؤية اليمن موحداً وقوياً إلى جوارها "فهذا أفضل لمصالحهم"، حسب رأي الصائدي.
ويقول الصلاحي، أن الواقع يؤكد هناك خيارات مفتوحة لما بعد "عاصفة الحزم"، والقرار الأهم أصبح اليوم بيد دول الخليج العربية، "فالوحدة أو الانفصال خياران في أجندة الخليج العربي".
بشار المأخذي، المؤيد لجماعة "أنصار الله" الحوثية يضيف قائلاً أن دول الخليج العربية تظهر أنها متمسكة بالوحدة اليمنية في الوقت الراهن وذلك "لتبرير استمرارها للحرب في اليمن، من خلال قصفها الجوي والبري، وبحجة الشرعية لدولة الوحدة، والقضاء على الثورة اليمنية ذات النزعة الاستقلالية"، في إشارة منه إلى سقوط صنعاء في يوم 21 سبتمبر/أيلول 2014، وهو اليوم الذي يعتبره الحوثيون "ثورة".
الموقف الإيراني من وحدة اليمن
سعت إيران في وضع يدها على واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية، المطلة على مضيق باب المندب والطريق البحري العالمي الواصل من البحر الأحمر إلى البحر العربي والمحيط الهندي، بدعمها للفصيل المتطرف في "الحراك الجنوبي" في جنوب اليمن بزعامة علي سالم البيض الذي كان نائباً لرئيس الجمهورية بعد الوحدة. كما لا يخفي دعمها للحوثيين في شمال اليمن. يذكر أن مسؤولاً إيرانياً اعتبر سقوط صنعاء بيد الحوثيين بمثابة انضمام العاصمة العربية الرابعة إلى الثورة الإيرانية، وهذا ما سبب قلقاً كبيراً سواء على مستوى الداخل، أو على مستوى دول الجوار والعالم بسب افتعالها الأزمات السياسية والأمنية في المنطقة.
وقد اتهم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في أكثر من مناسبة إيران بالتدخل في شؤون بلاده، وفي آخر خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 سبتمبر/أيلول 2015 اتهم هادي إيران بالسعي إلى"تدمير" اليمن، وقال: "إننا نقاتل في معركة الدفاع عن اليمن ومقدراته وشرعيته، وحتى لا يسقط البلد في أيدي التجربة الإيرانية، التي لديها طموحات كبيرة، منها السيطرة على باب المندب".
ويتفق كثير من المراقبين في الشأن اليمني على أن إيران ليس من مصلحتها وحدة اليمن واستقراره، وعلى أن طهران هي من دفعت في اتجاه إثارة القلاقل والصراعات المذهبية والسياسية، سواء في شمال اليمن بدعمها للحوثيين، أو في جنوب اليمن بدعمها لإحدى الفصائل، لكن يبدو أن الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية قد خفف من طموحات إيران في اليمن على حدها الأدنى.
ويرى مراقبون في الشأن اليمني أن مشاكل اليمن اليوم ليس في بقاء الوحدة أو الانفصال، وإنما يرجعه الكثيرون إلى غياب هيبة الدولة، وانتشار الفساد، وعدم وجود شراكة وطنية، وانعدام العدالة الاجتماعية، وحقوق المواطنة المتساوية بين أبناء اليمن جميعاً، شمالاً وجنوباً. وجاءت الحرب الأخيرة لتعمق مشاكل هذا البلد الفقير.
عميدة شعلان
حقوق النشر: قنطرة 2015 ar.qantara.de
الدكتورة عميدة شعلان، أستاذة آثار وتاريخ الجزيرة العربية، جامعة صنعاء