تركيا بين فكي كماشة
لعقد من الزمن كانت تركيا سليمة من الإرهاب إلى حدّ كبير. والآن يعود إليها الإرهاب مباشرة على جبهتين: ففي بداية الأسبوع الماضي قام تنظيم "الدولة الإسلامية" بهجومه الأوَّل في تركيا في بلدة سوروج الحدودية. وحتى ذلك الحين أبقى تنظيم "الدولة الإسلامية" تركيا بعيدة عن إرهابه. وفي يوم السبت أعلن حزب العمال الكردستاني عن إلغائه وقف إطلاق النار مع الدولة التركية، بعدما قامت الطائرات التركية بقصف مواقعه في شمال العراق. وبهذا فقد باءت عملية السلام بين أنقرة والأكراد بالفشل - بعدما ازدهرت إلى حدّ بعيد جدًا.
لقد كان من الممكن ألاَّ تصل الأمور إلى هذا الحدّ. إذ كان يبدو أنَّ تركيا قد تعلمت من تاريخها الدموي. فقد أخذت تركيا درسًا من حقبة التسعينيات، يفيد بأنَّ الصراع مع الأكراد لا يمكن أن يتم حله إلاَّ عبر طرق سياسية وليس عسكريًا. وكان الدرس الثاني أنَّ قبول الإسلاميين كسلاح ضدَّ الأكراد يعدُّ أمرًا خطيرًا. لقد قامت الدولة التركية في جنوب شرق المنطقة الكردية بدعم "حزب الله" التركي الكردي، وذلك بهدف تضييق الخناق على حزب العمال الكردستاني. ولكن بعد ذلك سار حزب الله بطرقه الخاصة وبات يرعب منشئيه.
واليوم بات السلام والرخاء في تركيا معرَّضين للخطر من جديد، حيث أصبحت هناك "كمَّاشة إرهابية" تهدِّد تركيا. ومن هذه الناحية فقد تجدَّدت مرة أخرى المعركة بين الدولة التركية والحركة الكردية.
يشارك في المسؤولية عن ذلك حزب العمال الكردستاني، الذي لم يقم بعمله الانتقامي ضدَّ تنظيم "الدولة الإسلامية" كرد فعل على الهجوم الذي وقع في بلدة سوروج، بل ضدَّ ممثِّلي الدولة التركية التي يتَّهمها حزب العمال الكردستاني بالتعاون مع تنظيم "الدولة الإسلامية". وبما يتجاوب مع رغبة حزب العمال الكردستاني فسوف يكون لدى هذا الحزب مع التغيير في قيادة أركان الجيش التركي في شهر آب/أغسطس القادم خصمًا يتمثَّل في قائد الجيش الجديد، الذي يرى أنَّ الصراع مع الأكراد هو صراع عسكري.
حساب تنظيم "الدولة الإسلامية"
ولكن مع ذلك فإنَّ الأمر الأكثر خطورة هو الجانب الآخر في هذه "الكمَّاشة الإرهابية". يبدو أنَّ حساب تنظيم "الدولة الإسلامية" يتحقَّق في أنَّ عملية الانتحاري الكردي في بلدة سوروج التركية سوف تؤدِّي إلى تقسيم المجتمع التركي بين أتراك وأكراد. ولكن لا يتحقَّق في ذلك الحساب الثاني: فالصراع الجديد بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني لن يؤدِّي إلى صرف نظر الدولة التركية عن تنظيم "الدولة الإسلامية"، كما أنَّه لا يؤدِّي إلى توسيع مجال عمل تنظيم "الدولة الإسلامية"، بل على العكس من ذلك: حيث أعلنت أنقرة الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية".
لقد سبق وأن خسر تنظيم "الدولة الإسلامية" أهم المعابر الحدودية مع تركيا وبات يسيطر عليها الأكراد السوريون - أي القوَّات البرية الناجحة في قتالها ضدَّ تنظيم "الدولة الإسلامية". وبهذا لقد خسرت تركيا من أهميَّتها بالنسبة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وبالتزامن مع ذلك فقد اتَّخذت أنقرة إجراءات مشدَّدة ضدَّ مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" في تركيا. وهذا أنذر خلايا داعش النائمة في تركيا. يُقال إنَّ عدد المتعاطفين داخل هذه الخلايا يبلغ سبعة آلاف فرد. ولفترة طويلة كانوا يعتبرون بالنسبة للدولة التركية بمثابة الأغبياء المفيدين، وذلك لأنَّهم يريدون - مثل رجب طيب إردوغان - إسقاط نظام بشار الأسد. ولذلك فقد تركتهم أنقرة وشأنهم.
وخلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" هي أيضًا استمرار لحزب الله التركي الذي لم تتم معالجته تمامًا، والذي يختلف قليلاً فقط من الناحية العقائدية عن تنظيم "الدولة الإسلامية" الحالي. و"حزب الله التركي" هو المارد الجهادي، الذي خرج من قمقمه ولا يريد العودة إليه. واليوم بات الخطر الشديد هو أنَّ هذه الخلايا سوف ترُدّ على الغارات الجوية التركية بهجمات إرهابية.
من الممكن لحزب الله التركي المولود من جديد أن يتمرَّد على الدولة التركية، ومن الممكن كذلك أن يشكِّل فرعًا تركيًا من تنظيم "الدولة الإسلامية" وأن يخلق بالتفجيرات الانتحارية حالة من الفوضى - أيضًا في المدن التركية. في الماضي كان إرهاب حزب العمال الكردستاني موجَّهًا ضدَّ مؤسَّسات الدولة التركية، ولكن اليوم يتم توجيه إرهاب تنظيم "الدولة الإسلامية" ضدَّ المدنيين.
الحرب فوق الأراضي التركية
تركيا تُجَرّ إلى داخل الحرب الأهلية السورية. وهذا وحده سيء بما فيه الكفاية. ولكن ذلك يحدث أيضًا فوق الأراضي التركية. فالحرب تمتد إلى تركيا. ومن الممكن أن يكون المنتصر السياسي هو الرئيس رجب طيب إردوغان. ففي الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في السابع من شهر حزيران/يونيو 2015 خسر حزب العدالة والتنمية الأغلبية المطلقة. وعلى نحو يزداد وضوحًا باستمرار تظهر في الأفق بوادر إجراء انتخابات مبكِّرة، من المفترض أن تُصحِّح هذا الحادث المؤسف.
وسوف يقول إردوغان مبرِّرًا إنَّ الحكومة القوية فقط يمكنها السيطرة على حالة الفوضى. ومن أجل تمكُّن حزب العدالة والتنمية من الحصول على الأغلبية المطلقة، يتعيَّن على حزب الشعوب الديمقراطي الكردي أن يفشل هذه المرة في تجاوز حاجز العشرة في المائة الانتخابي.
وفي حال تمكُّن أنقرة من جعل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي يفقد سمعته باعتباره حزبًا مسالمًا، من الممكن حينها أن تتحقَّق هذه اللعبة. وحينئذ سوف تكون تركيا هي الخاسرة في مثل هذه السياسة.
راينر هيرمان
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ/ موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de