تشويه لسمعة المسيحيين بين المسلمين

أقدم سلوان موميكا -وهو لاجئ عراقي متطرف من أصل مسيحي- على حرق نسخة من القرآن في العاصمة السويدية ستوكهولم. وكان هدفه من هذا العمل تصفية حسابات مع أبناء وطنه العراقيين.
أقدم سلوان موميكا -وهو لاجئ عراقي متطرف من أصل مسيحي- على حرق نسخة من القرآن في العاصمة السويدية ستوكهولم. وكان هدفه من هذا العمل تصفية حسابات مع أبناء وطنه العراقيين.

أحرق لاجئ عراقي آشوري مسيحي في عيد الأضحى نسخة من القرآن بشحم الخنزير عند مسجد في ستوكهولم بهدف تصفية حسابات مع مواطنيه العراقيين. متابعة الصحفية الألمانية بيرغيت سفينسون من بغداد لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Birgit Svensson

مزَّق صفحات من المصحف ورماها على الأرض وداس عليها. ثم فتح علبة من شحم الخنزير وأخرج منها شريحة ووضعها داخل المصحف وأشعل النار في كتاب المسلمين المقدَّس وهو يحمله بيديه. من المعروف أنَّ لحم الخنزير محرَّم على المسلمين. لقد حدث كلُّ ذلك في اليوم الأوَّل من عيد الأضحى أمام مسجد في العاصمة السويدية ستوكهولم - وفي منطقة تقع مباشرة قرب السفارة التركية. لا يمكن أن يكون لهذا العمل رمزية أكثر من ذلك. وعلى الفور، رد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وهدَّد من جديد بمنع انضمام السويد إلى حلف الناتو.

كثيرًا ما تؤدِّي عمليات حرق مصحف القرآن في الدول الغربية إلى إثارة مشاعر المسلمين. وعادةً ما تكون النتيجة اندلاع موجات غضب ومظاهرات ومقاطعة بضائع في الدول الإسلامية. وحتى أنَّ الرسومات الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد المنشورة في إحدى الصحف الدنماركية قد أدَّت في عام 2015 إلى وقوع هجمات إرهابية وكذلك إلى عدم العثور على الزبدة الدنماركية طيلة أشهر في محلات السوبر ماركت في الشرق الأوسط.

لقد تم في السويد أيضًا حرق مصحف القرآن مرَّتين في عامي 2020 وَ 2021. وكان يُنظر دائمًا إلى هذا الموضوع باعتباره حربًا ثقافية، بمعنى: حرية التعبير عن الرأي ضدَّ ديكتاتورية الرأي. ولكن الأمر مختلف هذه المرة؛ لأنَّ المسؤول عن حرق المصحف في ستوكهولم لم يكن مواطنًا من دولة غربية بل كان مواطنًا عراقيًا.

 

مِن زوار الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في بغداد بمناسبة انتقال السيدة العذراء إلى السماء  - 8 ديسمبر / كانون الأول 2020. Besucher in der chaldäisch-katholischen Kirche Maria Himmelfahrt in Bagdad, 8. Dez. 2020; Foto: Ahmed al Rubaye/AFP/Getty Images
أدَّى إحراق المصحف بشكل عام إلى تشويه سمعة المسيحيين كثيرًا: علَّق النائب البرلماني العراقي السابق مثال الألوسي، وهو مؤسَّس حزب الأمة العراقية الذي يعتبر نفسه حزبًا ديمقراطيًا ليبراليًا، على الوضع قائلًا: "إنَّ المسيحيين في العراق مرتبكون وخائفون جدًا. فإمَّا أنَّهم يبتعدون تمامًا عن الأجواء الإسلامية التي تُميِّز السياسة والحياة في العراق أو أنَّهم يتودَّدون للأحزاب والميليشيات الإسلامية ويرتبطون حتى بالحرس الثوري الإيراني". الصورة داخل المقال لزائرَيْن من زوار الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في بغداد بمناسبة انتقال السيدة العذراء إلى السماء - 8 ديسمبر / كانون الأول 2020.

 

يقول البعض إنَّ سلوان موميكا لم يكن يعرف ما الذي كان يفعله. وسلوان موميكا هذا شاب عمره سبعة وثلاثون عامًا وأصله مسيحي آشوري وينتمي إلى الأقلية المسيحية الأشورية في العراق المتعدِّد الأعراق. أمَّا هو نفسه فيقول عن نفسه إنَّه ملحد، وربَّما بسبب عائلته التي ما يزال أفرادها في العراق وصاروا يواجهون الآن عداءً قويًا. وقد تبرَّأ والده صباح متى موميكا من ابنه سلوان رسميًا.

الوضع صعب بالنسبة للمسيحيين في العراق

لقد أدَّى عمله هذا بشكل عام إلى تشويه سمعة المسيحيين كثيرًا وبات يتم التشهير بهم على وسائل التواصل الاجتماعي إلى حدّ غير مسبوق. ومن بين الأشخاص الذين يراقبون بعناية ردود الفعل على الإنترنت النائب البرلماني العراقي السابق مثال الألوسي، وهو مؤسَّس حزب الأمة العراقية الذي يعتبر نفسه حزبًا ديمقراطيًا ليبراليًا.

ويعلِّق مثال الألوسي على الوضع قائلًا: "إنَّ المسيحيين في العراق مرتبكون وخائفون جدًا. فإمَّا أنَّهم يبتعدون تمامًا عن الأجواء الإسلامية التي تُميِّز السياسة والحياة في العراق أو أنَّهم يتودَّدون للأحزاب والميليشيات الإسلامية ويرتبطون حتى بالحرس الثوري الإيراني".

مع أنَّ عدد المسيحيين يتراجع باستمرار في بلاد الرافدين. فقد انخفض عددهم منذ الغزو الأمريكي والبريطاني قبل عشرين عامًا إلى أكثر من النصف. والمسيحيون الذين كان يبلغ عددهم في العراق مليونًا ومئتي ألف شخص لم يبقَ منهم سوى نحو نصف مليون مسيحي. وكذلك غادر سلوان موميكا العراق قبل خمس سنين. وقد ألحق من خلال حرقه القرآن ضررًا كبيرًا بأبناء جلدته المسيحيين. وهناك خوف من أن يهاجر الآن المزيد منهم إلى خارج العراق.

بينما يقول الآخرون إنَّ سلوان موميكا كان يعرف جيِّدًا ما الذي كان يفعله. فقد بيَّن دوافعه في مقطع فيديو نشره على الإنترنت في اليوم التالي لحرقه كتاب المسلمين المقدَّس. وذكر أنَّ "إخوانه وأخواته المسلمين" ليسوا السبب الذي دفعه إلى هذا العمل بل المتشدِّدون الشيعة وفي مقدِّمتهم مقتدى الصدر.

وقال إنَّ مقتدى الصدر يُحرِّض على قتله. وكذلك اتَّهم إيران باستغلال أبناء بلده العراق منذ سنين وبسرقة أموالهم ونفطهم واضطهاد الشعب. وأضاف محاسبًا أبناء بلده العراق: "إيران تنكحكم … وأنتم لا تقدرون على فعل أي شيء… لأنَّكم بوخة (جبناء)". وتابع قائلًا للعراقيين إنَّه ليس خائفًا "مهما كان عددكم".

احتجاجات أمام السفارة السويدية

واحتشد ليومين أنصار مقتدى الصدر أمام بوابات البعثة الدبلوماسية السويدية في بغداد حاملين ملصقات عليها صورة مقتدى الصدر ورجال دين شيعة آخرين، وطالبوا بتسليم سلوان موميكا للعراق وإلغاء لجوئه في السويد. وقد أرسلت المحكمة العراقية العليا طلبًا إلى ستوكهولم لتسليمها سلوان موميكا.

وخرجت في هذه الأثناء أيضًا مظاهرات أمام السفارة السويدية في طهران. وبحسب مصادر رسمية في طهران فإنَّ إيران لن ترسل في الوقت الحالي سفيرًا إلى السويد، على الرغم من قرار استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قريبًا بعد انقطاع استمر فترة طويلة. كما حمَّل السيِّد آية الله العظمى الشيعي علي السيستاني في النجف بالعراق السويد بشكل خاص المسؤولية عن حرق القرآن.

 

 

Iraq has called on Sweden to extradite Salwan Momika, an Iraqi who burned the Quran outside a Stockholm mosque this week. It comes after Iraqi protesters breached Sweden's embassy in Baghdad yesterday, spraying "Yes, yes to the Quran" on the compound's gates

 

: @Reemkhabbazy pic.twitter.com/v55DLiZYg3

— The New Arab (@The_NewArab) June 30, 2023

 

هذا وقد أدان مكتب السيستاني في رسالة وجَّهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ترخيصَ الشرطة السويدية الرسمي القيام بهذا العمل. وجاء في هذه الرسالة أنَّ "احترام حرية التعبير عن الرأي لا يُبرِّر أبدًا الترخيص في مثل هذا التصرُّف المخزي الذي يُمثِّل اعتداءً صارخًا على مقدَّسات أكثر من ملياري مسلم في العالم".

ودعا مكتب السيستاني في رسالته الأمم المتحدة "إلى تثبيت قيم التعايش السلمي بين أتباع مختلف الأديان والمناهج الفكرية مبنيًا على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين الجميع". ولكن لم تُذكَر في الرسالة أية كلمة حول العراقي الذي حرق نسخة من مصحف القرآن.

غير أنَّ سيرة حياة سلوان موميكا نفسه تسلِّط الضوء على خلفية عمله هذا. فقد وُلِدَ في قرقوش، وهي بلدة مسيحية تقع في منتصف الطريق بين الموصل ومدينة أربيل الكردية. وكان سلوان موميكا في العشرين من عمره عندما كان تنظيم القاعدة الإرهابي السنِّي المتطرِّف يعيث فوضى وفسادًا في العراق ويدعو إلى اضطهاد المسيحيين.

وكان إرهابيو تنظيم القاعدة يسيرون في تلك الفترة عبر الموصل بمكبِّرات الصوت مطالبين المسيحيين إمَّا بمغادرة المدينة أو بدفع الجزية المفروضة على غير المسلمين في الآية التاسعة والعشرين من سورة التوبة. وتضخَّم عدد سكَّان قرقوش التي تعتبر مسقط رأس سلوان موميكا من خمسة عشرة ألف نسمة إلى أكثر من أربعين ألف نسمة. وانتقل المسيحيون المهدَّدون من جميع أنحاء العراق إلى قرقوش. ووعدتهم قوَّات البشمركة الكردية بحماية المدينة.

أصبح متطرِّفًا خلال الحرب

عمل سلوان موميكا حارس أمن في مقر الحزب الديمقراطي الآشوري. ولكن في شهر آب/أغسطس 2014 جاء تنظيم الدولة الإسلامية واختفت قوَّات الأمن الكردية لتترك المسيحيين بمفردهم. ولحسن الحظ فقد تمكَّن جميع الأهالي تقريبًا من الفرار وكانت البلدة خالية عندما اجتاحها الجهاديون. وهرب الكثير من المسيحيين إلى مدينة عنكاوة، التي تعتبر من ضواحي أربيل اليوم، وقدَّموا طلبات هجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.

وبادر سلوان موميكا بالهجوم وانضم إلى الميليشيات الشيعية. وأسَّس فصيلًا مسيحيًا مسلحًا -اسمه صقور السريان- بالتحالف مع جبهة الحشد الشعبي التي كانت تحارب تنظيم الدولة الإسلامية بدعم إيراني. واستمر دوران دوامة التطرُّف بالنسبة له. وبينما كان في البداية يمدح قادة الميليشيات الشيعية الخاضعة للهيمنة الإيرانية، مثلما يتضح من مقاطع فيديو وتغريدات على موقع تويتر، دخل بعد ذلك في صراعات متزايدة معهم. ويُقال إنَّه سُجن ثلاث سنين في سجن بادوش المركزي شمال الموصل بسبب حادث سيارة كان هو نفسه المذنب فيه.

 

⭕️عاجل: مكتب السيد السيستاني (دام ظله) يستنكر جريمة حرق القرآن التي حدثت في السويد ويطالب الأمم المتحدة باتخاذ خطوات فاعلة لمنع تكرار هذا الفعل#العتبة_العباسية_المقدسة pic.twitter.com/ouwZdDYXbZ

— العتبة العباسية المقدسة (@AlkafeelAbbas) June 29, 2023

 

 

وهناك ورقة داخلية موجَّهة من السفارة السويدية في بغداد إلى وزارة الخارجية العراقية -اطلع موقع قنطرة عليها- وهي تشير إلى أنَّ سلوان موميكا قد انضمَّ بعد لجوئه إلى السويد إلى حزب الديمقراطيين السويديين اليمينيين المتطرِّفين. ويُذكر في هذه الورقة أنَّه قد أحرق مصحف القرآن مرتين في منطقة سودرمالم في ستوكهولم وذلك في الثامن والعشرين من حزيران/يونيو 2023 الساعة الواحدة والنصف ظهرًا وكذلك في التاسع والعشرين من حزيران/يونيو 2023 الساعة السادسة مساءً.

وقد أعلن في هذه الأثناء العراقي سلوان موميكا أنَّه ينوي تكرار هذا العمل للمرة الثالثة أيضًا. وقال في مقطع الفيديو الذي نشره بعد حرقه المصحف إنَّه ينوي في الأيَّام القادمة حرق العلم العراقي والمصحف أمام السفارة العراقية في ستوكهولم. وقد بدأت الشرطة السويدية التحقق معه بتهمة التحريض على الفتنة والكراهية.

 

 

بيرغيت سفينسون

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de