القصر الملكي...ضابط الإيقاع الحكومي المغربي
تظهر استطلاعات الرأي التي أُجريَت في 29 آذار/ مارس 2013، أن حزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي في المغرب، لايزال يتمتع بشعبية مُقَدَّرة عند الرأي العام. وعلى الرغم من تعثر أبرز مشاريعه الإصلاحية – (مثل تنزيل دفاتر التحملات لإصلاح القنوات العمومية، وإصلاح القضاء، محاربة الفساد، وإصلاح برنامج الضمان الاجتماعي وصندوق المقاصة، إلخ...)
لا تزال أسهم الحزب الإسلامي مرتفعة في البورصة السياسية، ولم ينضب بعد رصيده السياسي. واقع الحال أن شعبية الحزب في ارتفاع مطّرد، تعكسها النتائج الإيجابية التي حصل عليها في الانتخابات الجزئية الأخيرة في عدد من المدن (طنجة ومراكش وفاس). كذلك، وسّع الحزب أنشطته التنظيمية وأنشأ فروعاً في القرى التي كان يحتكرها بعض الأحزاب التقليدية.
تأييد شعبي
لقد تمكن حزب العدالة والتنمية من المحافظة على التأييد الشعبي من خلال مقاربته السياسيّة ضمن الحكومة وخارجها. فأول انطباع يوحيه وزراؤه هو كون المسؤولية الحكومية لم تغير من جلدتهم شيئاً، إذ لايزالون يتمتعون بحسّ شعبيّ. ويلقي رئيس الحكومة، الذي يتّهمه خصومه بالشعبوية، قبولاً جيداً لدى الرأي العام لعفويته وصراحته. فهو يوظف اللقاء التواصلي الشهري مع البرلمانيين لتوجيه رسائل مطمئنة إلى المواطنين، من حيث إصراره على الإصلاح ومقاومة جيوب الفساد.
إن الخطاب البنكيراني يوحي للمواطنين بأنه يقود معركتهم ضد هذه الجيوب- التي يصفها بـ "التماسيح والعفاريت" من المسؤولين الفاسدين -ويحتاج إلى دعمهم ومساندتهم. هذا الخطاب الذي يجعل منه "الضحية"، يلقى صدى في التأطير الاجتماعي لأتباع الحزب وعموم المواطنين كلما واجه صعوبات ذاتية أو موضوعية في تحقيق إنجازات.
كما أن برلمانييه والمنتخبين منه محليّاً، لم يغيروا من سلوكهم في التواصل المباشر مع سكّان دوائرهم الانتخابية أو في تقديم الخدمات الاجتماعية التي شكّلت وأسّست لرصيدهم الشعبي. وقد أطلق البرلمانيون الإسلاميون من 28 إلى 31 من آذار/ مارس 2013، كعادتهم كل سنة، حملة "قافلة المصباح" التواصلية (اسم الحملة مستوحى من رمز حزب العدالة والتنمية، "المصباح")، التي جابت قرى ومدن المملكة للتواصل المباشر مع المواطنين، وكانت فرصة لشرح وتقييم التجربة الحكومية والصعوبات التي تواجهها.
هناك أيضاً الآلة الحزبية التي لم تتأثر كثيراً بانغماس قيادتها في شؤون تدبير العمل الحكومي نتيجة وجود طبقة مهمة من الأطر المتوسطة التي تشكّل العمود الفقري للحزب، تتولّى تدبير شؤون الحزب الوطنية والمحلية. كذلك، كان لشبكة من منظمات المجتمع المدني المرتبطة بحزب العدالة والتنمية، دوراً أساسيّاً في الاستقطاب والتعبئة.
انتقادات واسعة
أما في البرلمان، فيواجه الحزب انتقادات واسعة، تقودها قوى مختلفة تشكك في إمكانية نجاح تجربة حكومة الإسلاميين المغاربة. هذه المعارضة البرلمانية تتشكّل من فسيفساء من الأحزاب الإدارية التي صنعتها الدولة، والتي لا تزال تأتمر بأوامر المحيط الملكي، مايفقدها مصداقيتها وامتلاك قرارها الذاتي. أما الاستثناء الوحيد لذلك، فهو حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يتمتع ببعض المصداقيّة والاستقلاليّة، غير أنه يعيش حالةً من التفكّك والضعف نتيجة صراعاته الداخلية- التي يؤدّي المحيط الملكي أيضاً دوراً فيها بمحاولته إخضاع الحزب تحت دائرة نفوذه.
وبالإضافة إلى تعامله مع معارضة ضعيفة ولكن شرسة في البرلمان، يواجه الحزب أيضاً محاولات التحكّم والهيمنة الملكيّة. فقد انتقد رئيس الحكومة مرات عدة تدخلات المحيط الملكي، ما أسفر عن توتّرات في علاقتهما. من هنا، تولّدت منافسة بين الحزب والقصر تشمل مختلف الميادين السياسية والإدارية والاقتصادية.
أمّا التحدي الأكبر والأخطر فهو شركاء حزب العدالة والتنمية في الائتلاف الحكومي، ولاسيما حزب الاستقلال وحزب الحركة الشعبية. فعن طريق هذين الشريكين يتدخّل المحيط الملكي لضبط الإيقاع الحكومي. وهي ورقة سيلجأ إليها لتفجير هذا الائتلاف حينما يرى أن من مصلحته إسقاط الحكومة.
وفي الثالث من يناير/ كانون الثاني 2013، دعا حميد شباط، أمين عام حزب الاستقلال إلى إجراء تعديل وزاري لتدارك بطء الإنجاز. كما انتقد قياديون في الحزب نفسه سياسة الحكومة في مايخصّ إصلاح صندوق المقاصة، واعتبروا أنها تضعف من القدرة الشرائية للمواطنين.
خيوط المحيط الملكي
يمكن لخيوط المحيط الملكي (في الحكومة وفي إدارات الدولة) أن تعرقل مبادرات الإصلاح لحزب العدالة والتنمية، خصوصاً في حال تهديد مصالح القصر الملكي. وقد برز المثل الأول على ذلك خلال شهر نيسان/ أبريل 2011 عندما قام وزير النقل عبد العزيز رباح (من العدالة والتنمية) بنشر لائحة تضم المستفيدين من رخص النقل بين المدن (العديد من هذه الرخص تم توزيعه بشكل اعتباطيّ كخدمات زبونية، حيث قام المستفيدين منها ببيعها أو تأجيرها). فتعرّضت مبادرته إلى انتقادات شديدة من أحزاب التحالف التي اعتبرتها خطوة شعبوية لم يتم دراستها بشكل جيد.
مثال ثانٍ حصل عقب إقدام وزير الاتصال مصطفى الخلفي على إحداث تغيير في دفاتر التحملات الخاصة بوسائل الاتصال العمومي، (التي تضمنت المبادرة إلى بث الدعوة إلى الصلاة خمس مرّات في اليوم الواحد، كذلك منع الإعلان المتعلقة بالمقامرة). فبعد أن صادقت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري على مضامينها، كان من المفروض على القنوات الشروع في تنفيذ مضامينها، إلا أن مجموعة من الصحافيين النافذين داخل القناة المغربية الثانية والمقرّبين من المحيط الملكي تمرّدوا على القرار، وشنّوا حملة إعلامية على المبادرة متهمين حزب العدالة والتنمية بمحاولة أسلمة البث الإعلامي في المغرب.
غير أن بعض المراقبين أشاروا إلى أن هؤلاء الصحافيين يمكن أن يكونوا خائفين من اعتماد معايير جديدة للشفافيّة والحكم الرشيد. ليتم إعادة إطلاقها بعد تدخل ملكي ثمّ على إثره سوف تقوم وزارة الاتصال بمراجعة التعديلات.
هذه الاحتكاكات رسّخت لدى حزب العدالة والتنمية قناعة مفادها أنه لايمكن لحكومته أن تنجح من دون أن تحظى بدعم ملكي. لهذا لم يدّخر بنكيران جهداً لكسب ودّ الملكيّة وتفادي التصادم معها، ولو أدّى ذلك إلى تجاهل بعض مقتضيات الدستور والتنازل للملك عن بعض الصلاحيات التنفيذية التي كان قد نالها من خلال التعديل الدستوري الذي أُجري في العام 2011. إلا أن التردّد في استعمال كل الصلاحيات الممنوحة له، يؤدي إلى التأخّر في تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها الحزب في البرنامج الحكومي.
وفي محاولة لموازنة قدرة الحزب في الاستمرار على المدى القصير (من خلال استرضاء النظام الملكي) في مقابل السعي الجدّي لتحقيق الإصلاحات الهامة،( التي يأمل أنصار حزب العدالة والتنمية في تحقيقها)، بدا بنكيران ذو نزعة براغماتيّة واقعية. ولكن مرة أخرى، ربما تكون مراهناته على أن هذا هو الطريق السليم لكبح جماح معارضة المحيط الملكي، مجرد آمال قد لاتتحقق.
قد تشير مثل هذه السياسات إلى أن رئيس الحكومة ليس حقا القبطان الوحيد للسفينة الحكوميّة- فعجلة القيادة تبقى راسخة في يد الملك. واقع الحال أن بنكيران يحاول ببساطة الاستمرار، دون أن يفقد الكثير من مؤيديه.
محمد مصباح
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: صدى 2013
محمد مصباح باحث زائر في المعهد الألماني للدراسات الدولية - برلين.