المبادرة الخليجية- مخرج مشرف للرئيس اليمني أم التفاف على مطالب الثوار؟
بعد مناورات استمرت أسابيع أعلن حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن عن قبوله للمبادرة الخليجية التي تقضي بتسليم الرئيس علي عبد الله صالح للسلطة وفق جدول زمني مدته شهر مع منحه وأقربائه ومساعديه ضمانات بعدم الملاحقة القضائية. من جانبها رحبت أحزاب المعارضة اليمنية المنضوية في إطار ائتلاف "اللقاء المشترك" بالمبادرة مع تحفظها على بند تشكيل حكومة وحدة وطنية مشتركة مع الحزب الحاكم. لكن هناك طرفا ثالثا في المعادلة السياسية اليمنية، وهو الأهم في المرحلة الراهنة، أي الثوار المرابطون في "ساحات التغيير" أو ما بات يعرف بـ"القوة الثالثة".
ومع هذه "القوة الثالثة" هناك ملايين من اليمنيين الذين يتظاهرون منذ نحو ثلاثة أشهر مطالبين بـ"رحيل" صالح فورا و"إسقاط النظام" دون قيد أو شرط وبدون أية ضمانات، رافضين المبادرة الخليجية جملة وتفصيلا، وعاقدين العزم على مواصلة المظاهرات حتى يتنحى صالح. ولتسليط الضوء على المبادرة الخليجية، وعما إذا كانت ـ في ظل هذا الجدل حول مضمونها والتحفظات عليها من قبل المعارضة ورفضها من قبل الثوار ـ قد وصلت إلى طريق مسدود أم أنها ما زالت تشكل الأرضية لخروج اليمن من الوضع الحالي، حاورت دويتشه فيله محمد الظاهري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء.
في البداية ما تقييمك للمبادرة الخليجية في صيغتها الأخيرة؟ هل يمكن أن تشكل أرضية للخروج من الأزمة التي يعيشها اليمن؟
محمد الظاهري: أعتقد أن هذه المبادرة تشكل خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، لكن من مواطن ضعفها أنها ملئيه بالفخاخ؛ فهي لا تتحدث، مثلا، عن التنحي الفوري للرئيس صالح، ولكن بعد مضي شهر، وعلى هذه الفقرة يوجد تحفظا من قبل المعارضة ومن شباب الثورة. كما أنها أيضا تجاهلت شباب الثورة الموجودين في أكثر من سبعة عشر ساحة تغيير وميدان حرية، وتعاملت مع ثورتهم على أنها أزمة وليست ثورة، وصورتها على أنها توترات يجب إزالتها ثم طالبت برفع الإعتصامات قبل تنحي الرئيس. وأيضا منحت هذه المبادرة حصانات وضمانات قانونية للرئيس ومن معه، وهذا ما يرفضه الشباب، وأنا قريب منهم، بل إنني معهم كعضو اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية في صنعاء، وبالتالي أعرف أن هناك رفضا قاطعا من قبلهم وخاصة لهذه الضمانات.
المبادرة بهذه الصيغة والنواقص التي تقول عنها هل تعد بمثابة طوق نجاة للرئيس صالح ونظامه في هذه اللحظة الحرجة؟
الظاهري: نعم بالفعل جاءت لتحل مشاكل علي صالح وكطوق نجاة له، وذلك بما منحته من ضمانات وحصانات قانونية وأبقت على المحاصصة في إطار نظام يترنح ويحتضر. وعلى الدول الخليجية والسعودية بالدرجة الأولى الوقوف في هذه اللحظة إلى جانب الشعب اليمني وليس إلى جانب الحاكم. وفي هذا السياق أذكِر أشقائنا الخليجيين والسعودية بالتحديد بأنه ينبغي عليها أن تحدث نوعا من المصالحة التاريخية مع الشعب اليمني بعد أن كانت قد وقفت ضد ثورته في عام 1962.
هل تعتقد أن صياغة المبادرة بهذه الطريقة جاءت لتلبية رغبات كل الأطراف أم أن هذه الحلول التوفيقية الوسطية تعكس مخاوف من ثورة شعبية في اليمن يمتد لهيبها إلى دول الخليج المجاورة؟
الظاهري: مشكلة أشقائنا في الخليج أن هناك مطالب شعبية داخل دولهم، فهناك مطالب بإصلاح وتغيير وهناك الشيعة في المناطق الشرقية للسعودية مثلا وهناك ما يحدث في البحرين. الخشية هنا أن هاجس التغيير السياسي كان حاضرا عندما صيغت هذه المبادرة. وأنا كما قلت عن ثورة اليمن هي ثورة سلمية شبابية ولا أحدا يطالب بتصديرها إلى دول المنطقة.
في ظل "الموافقة الغامضة" للحزب الحاكم على المبادرة الخليجية، كما قيل، والترحيب المشروط بها من قبل أحزاب اللقاء المشترك المعارضة ورفض الثوار الكامل لها...فهل صارت هذه المبادرة عمليا بحكم الفاشلة؟
الظاهري: لا أستطيع أن أصل إلى هذا الاستنتاج. إذا حللنا الأمر على مستويات ثلاثة؛ فالشباب مطالبهم واضحة تتمثل كما قلنا بتنحي الرئيس وإسقاط النظام ويرفضون وجود ضمانات على ما ارتكبه صالح وأجهزته في حق الشباب وسقوط شهداء وجرحى. أما المعارضة فكما أشرت وافقت موافقة مشروطة. وأما صالح؛ وأنا أوافق على مصطلح "الموافقة الغامضة"، لأننا للأسف أمام خطاب إعلامي مراوغ مخاتل واتهامي، يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول، وهذه في الحقيقة إشكالية. لكني مع هذا لا استطيع الوصول إلى هذا الاستنتاج (فشل المبادرة)، لأنه وفي إطار المسار التفاوضي قد يتم التوصل إلى حل، بحيث يتم تعديل بعض البنود؛ مثلا استقالة أو تنحي الرئيس قبل تشكيل الحكومة وبداية المرحلة الانتقالية. كما يمكننا أن نتحدث عن سيناريوهات أو مشاهد كأن يمنح صالح ضمانات توافق عليها المعارضة فيستقيل، رغم أن المعارضة الشبابية رافضة تماما لأي ضمانات تمنح له وتمنحه طوق نجاة من المحاكمة. لذلك فلا أستطيع أن أصل إلى استنتاج بأنها ( المبادرة) قد فشلت بالفعل، لأن خصوصية المعارضة في اليمن أنها ما تزال قادرة على الحشد والتأثير على بعض شبابها في هذا السياق.
هل تملك هذه الأحزاب القدرة على التحرك والتفاوض باسم الثوار واتخاذ القرار نيابة عنهم أم أنها تتحرك أصلا في إطار يتناغم مع أهدافهم وبالتالي لن تتخذ أي موقف يرفضونه؟
الظاهري: يبدو لي أن تحرك أحزاب اللقاء المشترك أقرب إلى مطالب الثوار، وهي لن تتجرأ أن تتجاهل مطالب الشباب، وأنا هنا باعتباري مستقلا وقريبا من الشباب الحزبي، أعتقد أنهم مع أطروحات أو مطالب الشباب والمتمثلة بتنحي الحاكم وإسقاط النظام، ومن ثم فهي (أحزاب اللقاء المشترك) أقرب إلى التناغم مع مطالب الشاب وإن لم يكن موقفها متطابقا مع موقف الشباب، والدليل أنها قبلت المبادرة الخليجية قبولا مشروطا وقالت إنها ليس لديها القدرة على (ضمان) أن يرفع الشباب اعتصامهم أو يوقفون احتجاجاتهم أو ثورتهم في ميادين الحرية وساحات التغيير( وفقا لأحد بنود المبادرة). وأنا هنا أنبه اللقاء المشترك بأنه إذا تجاهل أو تجاوز مطالب الشباب، أو على الأقل المطالب الرئيسية للشباب، اعتقد أننا قد نسمع تمردا من شباب الأحزاب إذا وصلوا إلى مرحلة (شعروا فيها) أنه لا توجد آذانا صاغية لمطالبهم.
ولكن على افتراض أن المبادرة الخليجية فشلت، وهذه بالطبع هي المبادرة الثالثة حتى الآن، فما هي السيناريوهات المتبقية للخروج من الوضع الذي يعيشه اليمن؟
الظاهري: كما تعلم، ثمة ملاحظة منهجية وهي أنك لا تستطيع أن تتنبأ بسلوك كثير من اللاعبين السياسيين وخاصة لعلي عبد الله صالح، لأنه متقلب المزاج ولا توجد مؤسسات سياسية تصنع القرار، وهناك شخصنة للسلطة والرئيس هو من يصنع القرار. نستطيع أن نقول إن ثمة مشهدين أو سيناريوهين؛ أما أن تتم المحاولة بجهد خليجي ويتدخل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة (للضغط) لقبول المعارضة لهذه المبادرة مع نوع من التعديلات على أساس التسوية مع الآخذ بعين الاعتبار مطالب الشباب. وهذا هو السيناريو المرغوب فيه الآن. المشهد الثاني، وهذا ما أخشاه وهو غير مرغوب فيه، وهو اللجوء إلى استخدام العنف من قبل الرئيس صالح. وأنت لو لاحظت خطابه الأخير فقد كان فيه تهديد ووعيد وتجريم للمعارضة ولمح إلى حرب أهلية، كما كان هناك تصعيدا في الخطاب بأنه سوف يبقى حتى عام 2013.
وفي هذا السياق أخشى أنه إذا اقترب صالح من المعالجة باستخدام العنف، وهو يوزع السلاح على بعض الأفراد ولديه أيضا تأييد من قوات الحرس الخاص والحرس الجمهوري بقيادة ابنه وأقاربه، فإذا لجأ للتصعيد اعتقد سنتحدث هنا عن رفع كلفة انتصار الثورة، وعن "هدم المعبد" الذي تحدث عنه صالح كثيرا. وهنا تكون الخشية أن تتحول الثورة من سلمية إلى عنيفة وقد ينبثق عن هذا المشهد غير المرغوب فيه، سقوط النظام نتيجة للمبالغة في استخدام العنف. الخشية، إذا بالغت السلطة باستخدام العنف. والسيناريو المطروح حاليا هو حربنة (من حرب) الحياة السياسية والسعي إلى دفع ثورة الشباب السلمية إلى أن تتحول إلى ثورة دموية، الخشية هنا هي أن لا تأتي هذه المبادرات أكلها.
أجرى الحوار: عبده جميل المخلافي
مراجعة: أحمد حسو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011