شعب مصر صمام أمان للديمقراطية وحاجز صد للديكتاتورية
لقد وعد التحالف، المكون من الإخوان المسلمين والسلفيين، الناخبين بتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية والإصلاحات الاقتصادية وإقامة دولة تعمل بكفاءة. حتى الآن لم يتحقق أي من هذه الوعود. ما هو رد فعل المواطنين في مصر على ذلك؟
عمار علي حسن: عندما كان أحد يتحدث بصورة سيئة عن الإخوان المسلمين أو السلفيين قبل الثورة، كان الناس لا يقبلون ذلك، لأنه كان يعني في نظرهم إهانة للإسلام. لقد تغير هذا الآن تغيراً جذرياً.
الناس في المقاهي وفي الميادين يطالبوننا، نحن المثقفين، بتوجيه النقد الصريح للتيار الإسلامي. ويريدون منا أن نكشف عن الفضائح والدعاية السياسية التي يقومون بها. كان هذا في الماضي أمراً مستحيلاً. هذا شيء لم نسمعه إلا بعد وصول الإخوان إلى الحُكم.
وما هو رأيك بالدستور الذي تم إقراره في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بسرعة كبيرة؟
علي حسن: الدستور كارثي، حتى إذا نظرنا نظرة إيجابية إلى هذه المادة أو تلك. علينا قراءة النص ككل. فإذا كان هناك دستور يتضمن مئة مادة جيدة، ولكن هناك ثلاث مواد تنسخ أو تلغي كل المواد الأخرى، فإن الدستور يكون سيئاً.
فلنأخذ فكرة المواطنة كمثال. في دستور عام 1971 تكفل المادة رقم واحد حق المواطنةـ ولكن في الدستور الجديد لم ترِد هذه الفكرة إلا متأخرة. من ناحية أخرى يعزز الدستور نفوذ المؤسسات الدينية.
كما أن السلطة التنفيذية تُتاح لها، وللمرة الأولى، أن تحل النقابات المهنية أو الحرفية.
مثال آخر هو حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي: من الممكن الآن إغلاق مؤسسة صحفية بأكملها بعد صدور حكم قضائي بذلك. بهذه الطريقة يحاول الإخوان المسلمون أن يسيطروا على وسائل الإعلام ويكمموا أفواه المخالفين لهم في الرأي.
من المقرر أن يتم انتخاب برلمان جديد بمصر في شهر أبريل (نيسان) المقبل. هل تعتقد أن الإخوان المسلمين سيسلمون السلطة بسهولة في حالة ما إذا لم يصوت الناخبون لصالحهم؟
علي حسن: إذا جرت الانتخابات على نحو نزيه ونظيف فعلاً فسوف يُمنى الإخوان المسلمون بخسائر كبيرة. غير أنني لست متأكداً من أن الانتخابات ستكون نزيهة حقاً.
الرئيس مرسي يشعر بأن شعبيته تتضاءل، ولهذا يحاول أن يتحكم في مفاصل الدولة، أي أن يسيطر على الوزارات والمؤسسات التي لها علاقة مباشرة بالانتخابات.
كيف ترون إذَن، على خلفية ذلك، التشكيل الحكومي الجديد؟
علي حسن: التشكيل الحكومي الجديد وثيق الصلة بالانتخابات المقبلة. وزير التموين الجديد على سبيل المثال، باسم كمال، عضو في جماعة الإخوان المسلمين، وعليه أن يعمل قبل الانتخابات على توفير أهم السلع التموينية.
محمد علي بشر، وهو عضو في مكتب الإرشاد بجماعة "الإخوان المسلمون"، أصبح الآن وزيراً للتنمية المحلية. هذا جزء من الخطة، لأن التحكم في أسس اتخاذ القرار في المحافظات أمر مهم للغاية لنجاح الانتخابات.
يُلاحَظ في الوقت الحالي بمصر وجود استقطاب متزايد بين القوى والكتل السياسية: فهناك من ناحية الإخوان المسلمون المحافظون الذين يستطيعون التأثير على الناس، ومن ناحية أخرى هناك جبهة الإنقاذ الوطنية العلمانية الليبرالية التقدمية المهمشة إلى حد ما. كيف تنظر أنت إلى المشهد السياسي في مصر الآن؟
علي حسن: في الغرب يعتقد الناس أن المصريين صوتوا في الاستفتاء لصالح المشروع الإسلامي. هذا غير صحيح. بعد الخامس والعشرين من يناير 2011 صوّت المصريون لصالح القوة التي كانت منظمة ومستعدة لتولى السلطة، وهي القوة التي اعتقد الناس أنها ليست فاسدة وأنها ستقوم بخدمة البلاد.
المشهد السياسي الآن يشهد حراكاً معيناً. في البداية كان السلفيون لا يعملون سوى في مجال الدعوة تقريباً، كما كانوا بالأحرى غير مسيسين، أما الآن فقد أسسوا عدة أحزاب وهم بصدد التحول إلى قوة سياسية، ويستطيعون في المستقبل أن ينافسوا الإخوان المسلمين.
لقد استيقظ التيار المدني غير الديني، وأصبح أنصار حمدين صباحي على سبيل المثال أكثر نشاطاً بكثير في المدن المصرية. كذلك فإن حزب "الدستور" الذي يتزعمه محمد البرادعي أصبح يجذب عدداً متزايداً من الشباب في المدن.
الأمر نفسه ينطبق على الأحزاب التقليدية مثل حزب "الوفد" الليبرالي وحزب "مصر القوية" الذي يجمع المنشقين المعتدلين من الإخوان المسلمين تحت زعامة عبد المنعم أبو الفتوح الذي كان سابقاً عضواً في المكتب السياسي للإخوان المسلمين قبل أن يفصلوه.
ما زال الإخوان المسلمون يعملون وكأنهم جماعة سرية، فتنظيمهم يعتمد بشكل كبير على التراتبية الهرمية، كما أن آليات اتخاذ القرار داخل الجماعة لا تتمتع بالشفافية، وهو ما ينطبق أيضاً على العلاقة بين التنظيم وحزب "الحرية والعدالة".
لكن مصر تغيرت، وأصبح مسموحاً للمنظمات السياسية أن تعمل. وكثير من الشباب، على وجه الخصوص، يريدون تنظيمات ونشطاء يتمتعون بقدر أكبر من الشفافية ويمكن محاسبتهم. فهل ترى لدى الإخوان المسلمين مؤشرات على قيامهم بإصلاحات ديمقراطية؟
علي حسن: قد تأتي التغيرات من جهتين: فمن ناحية قد يتفكك التحالف القائم بين السلفيين والإخوان المسلمين، وهو ما يحدث الآن بالفعل، لأن الإخوان المسلمين يمنحون الوظائف السياسية المهمة لأتباعهم فحسب.
لقد اتهم حزبُ "النور" السلفيُّ القياديَّ النافذ في الإخوان المسلمين، خيرت الشاطر، بأنه يرزع بذور الفرقة بين السلفيين.
من ناحية أخرى هناك صراعات داخلية في صفوف الإخوان. وقد انشق حوالي 250 عضواً، وأغلبهم من الشبان، عن جماعة "الإخوان المسلمون" بعد أحداث قصر الاتحادية في مصر الجديدة، وذلك عندما أرسل مكتب إرشاد جماعة "الإخوان المسلمون" فرقاً من البلطجية لطرد المتظاهرين من أمام القصر الرئاسي. أولئك الأعضاء لم ينشقوا علانيةً، ولكنني أعلم ذلك من مصدر موثوق به.
عديد من المراقبين يخشون أن يتحول الرئيس مرسي إلى مبارك جديد. هل تتبنى هذه الرؤية المتشائمة؟
علي حسن: لا، لست متشائماً إلى هذا الحد. لقد كشف الإخوان المسلمون خلال شهور قليلة عن وجههم الحقيقي، وبدلا من الشرعية الثورة أو الدستورية اختاروا طريق الاستيلاء السريع على مفاصل الدولة. لكن الشعب لم يعد يقبل بكل شيء. لقد انهار حاجز الخوف.
هناك تيار سياسي مدني بدأ في تنظيم نفسه ويزداد قوةً يوماً بعد يوم. ليس لدى الإخوان المسلمين حلول حقيقية للمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. ولهذا فإنني متفائل بأن الإخوان المسلمين لن يؤسسوا ديكتاتورية جديدة في مصر.
حاورته: مارتينا صبرا
ترجمة: صفية مسعود
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013
عمار علي حسن باحث في العلوم الاجتماعية وروائي. درس علي حسن علم الاجتماع السياسي في جامعة القاهرة، وشارك بفعالية في الاحتجاجات ضد نظام مبارك كعضو في حركة "كفاية".
له دراسات عديدة عن عملية التحوُّل الديمقراطي، وله كذلك عدة روايات. وهو يعمل في الوقت الحالي على تأليف موسوعة باللغة العربية عن علم الاجتماع السياسي. في أوائل صيف 2013 ستظهر في القاهرة سيرته الذاتية الروائية عن الثورة المصرية.