سقوط أسطورة الإنترنت: أداة تسهل صعود الديماغوجيين والشعبويين
ولد حسين درخشان في إيران عام 1975، وفي عام 2001 سافر إلى تورنتو في كندا للدراسة وبدأ هناك بالتدوين تحت اسم "هودر" وترجم دليلاً يتضمن الخطوات المطلوبة لكيفية بدء مدونة. وفي عام 2004 كانت إيران من بين الدول الخمس الأولى في العالم من ناحية عدد المدونين. لكن المدونين يعيشون في ظل خطر دائم، إذ قامت السلطات الإيرانية بسجن درخشان في عام 2008 لمدة ستة أعوام.
ومنذ عام 2015 يعيش درخشان في العاصمة طهران، حيث يقوم بكتابة المقالات وإلقاء المحاضرات عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وتراجع التواصل السياسي على الإنترنت.
سيد درخشان، لقد قضيت ستة أعوام في السجن كنت خلالها غائباً عن عالم الإنترنت. ما هي التغيرات التي طرأت على عالم الإنترنت والمدونات التي لاحظتها بعد الإفراج عنك؟
حسين درخشان: لاحظت تحولاً في شبكة الإنترنت من شبكة لامركزية ومتنوعة تعتمد على روابط الصفحات والنصوص وتمتاز بنظرة انفتاحية مترابطة وفضولية، إلى شبكة مبنية على الصور تهدف إلى التسلية أكثر منها إلى النقاش والحوار والتفكير. لقد باتت شبكة مركزية تسيطر عليها شبكات التواصل الاجتماعي، وأصبحت أقل تنوعاً. لقد باتت تخدم التسلية بشكل رئيسي، فيما تراجع المحتوى الجدي فيها، لاسيما السياسي.
ماذا عن المدونين الذين كنت تعمل معهم؟
درخشان: العديد من المدونين السابقين والناشطين أجبروا إلى الانضمام إلى هذا الفضاء الجديد، وفي الحقيقة أعتقد بأنهم قد نسوا أن السياسة كانت تلعب دوراً أساسياً في حياتهم يوماً ما. هم الآن سعداء بما يجدون على الشبكات الاجتماعية، وأعتقد بأن عدد المهتمين بالأخبار السياسية أو المواضيع الجدّية قليل جداً. (ملاحظة المحرر: العديد من الناشطين والمدونين الإيرانيين في السجن - مثل درخشان - ولم يتم الإفراج عنهم حتى الآن).
عندما ظهر الانترنت في التسعينيات، خلق معه نافذة فرص جديدة للمناقشات الجدية. والآن بعد 20 عاماً، فإن هذه النافذة في طريقها للإغلاق، ليصبح الإنترنت كالتلفاز.
في الواقع، إنه يتحول إلى شكل من أشكال التلفاز الذي يستند على الإنترنت مع خدمات شخصية ومتوفر على جميع الأجهزة. أنا حزين جداً لأن الجميع يميلون لمشاهدة مقاطع الفيديو أكثر من القراءة، وذلك لأن الفيديو وسيط محدود غير قادر على إيصال الرسائل المعقدة، فهو يقوم بتبسيط كل شيء، وبذلك يكون البيئة الملائمة لصعود الديماغوجيين والشعبويين.
هل تعتقد بأن وسائل التواصل الاجتماعية عديمة الجدوى كلياً؟ فهناك حركات سياسية جديرة بالملاحظة احتشدت عبر الشبكات الاجتماعية في السنوات الأخيرة..
درخشان: شبكات التواصل الاجتماعي قد تكون مفيدة للحصول على ردود فعل عاطفية على أخبار أو أحداث معينة، أو حتى لإخراج الناس إلى الشوارع في بعض الحالات. ولكن، وكما قال ناشط مصري لامع، فإن ذلك لم يساعد الثورة المصرية. نجحت الشبكات الاجتماعية بإخراج الناس وإعطائهم صوتاً سلبياً حول الوضع الراهن، إلا أن ذلك لم يؤد إلى نتائج إيجابية، بل أصبحوا يقاتلون بعضهم البعض.
بمجرد أن سقطت حكومة حسني مبارك، أصبحت الشبكات الاجتماعية نفسها أفضل وسيط لإثارة الخصومات والخلافات. لذلك، أعتقد بأنها قادرة على تنظيم الناس ضد شيء معين، ولكنها غير قادرة على جمعهم للقيام بشيء إيجابي.
كيف ترى التطور والتنمية في إيران؟
درخشان: كأي مكان آخر في العالم، يوجد عدد قليل جداً من الأشخاص المهتمين بالقراءة، وهذا واضح للغاية من خلال التداول المنخفض للكتب والصحف والمطبوعات بشكل عام، والذي ينحدر بشكل سريع.
في الوقت ذاته، هناك ارتفاع هائل وملحوظ في عدد مستخدمي بعض أنواع شبكات التواصل الاجتماعي، مثل "إنستغرام"، الذي يحظى بشعبية كبيرة في إيران، وأيضاً "تليغرام" - أحد التطبيقات الذي يستخدم لإرسال الرسائل، التيلغرام، والذي يتجاوز عدد مستخدميه 25 مليون شخص. كل هذا يشكل اختلافاً هائلاً عما كانت عليه الأمور قبل عشرة أعوام، حين كانت القراءة والمواضيع الجدية أكثر تداولاً. تم التخلي عن الكثير من الأشياء التي كانت تستخدم على شبكة الإنترنت سابقاً، فقد كان للعديد من الناس وجود واضح بأسمائهم، ولكنهم سمحوا لذلك بالانتهاء.
لقد تحول الإنترنت إلى مقبرة، وفي أفضل الحالات ستجد بعض القبور قد كتب عليها: هنا كان يوجد أحد المدونين.
هل تستخدم أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي؟
درخشان: أستخدم حالياً "تويتر" لأنه أكثر انفتاحاً نسبياً ويدعم الروابط التشعبية، ومن المكن أن يكون مفيداً وتثقيفياً للربط بأماكن أخرى ولتقديم ومشاركة الأفكار والمقالات. لكن بشكل عام يمكنني القول بأنه يميل أيضاً لمقاطع الفيديو بالرغم من كونه منبراً كتابياً، إلا أنه يتجه إلى عالم الفيديو ويشجع على البث المباشر.
ما الذي يجب أن يحدث للحفاظ على الإنترنت الذي عرفته وقدرته؟
درخشان: يجب علينا القيام بعدة أمور لتعطيل هذا الحاجز المبني على الخوارزميات الرياضية، والذي خلق مناطق راحة للجميع. لا أعرف ما هي الحلول الممكنة لأنني أعتقد بأنها مشكلة عامة للغاية ومن الممكن حلها فقط عبر الهياكل الاجتماعية الكبيرة كالدول.
أما على الصعيد الفردي، فلا يمكننا فعل أي شيء إلا أن نكون غير راضين عما آلت إليه الأمور. ومع ذلك يمكننا دفع الحكومات للتدخل إذا ما كانت تُقدر الديمقراطية التمثيلية والمواطنة المستنيرة والمشاركات السياسية الواعية.
أجرت الحوار: يوليا هيرتز
حقوق النشر: دويتسه فيله 2016