الخواجة: النظام البحريني يضطهد كل مُعارِض مَهْما يكُنْ مذهبه
صدر حكمٌ في أيلول/سبتمبر 2012 يقضي بالسجن مدة 15 عامًا على 13 طبيبًا وممرضةً لأنهم عالجوا مناهضين للنظام في إحدى المظاهرات. وكانت لائحة الاتهام تنصّ على أنَّهم قاموا بأعمالٍ ضد الدولة.
إضافةً إلى هؤلاء، حوكِم سبعةٌ من الكوادر الطبية في محكمة استثنائية وصدرت بحقهم أحكامٌ تتراوح بين خمسٍ وعشر سنوات. ألا تزال ممارسة القمع ضد الأطباء والممرضات مستمرة في البحرين؟
مريم الخواجة: تابعَت مجموعات حقوق الإنسان مقاضاة الأطباء عن كثب وانتقدتها بشدّة لأنَّ الحكومة في البحرين استعانت بمحاكمَ عسكريةٍ استثنائيةٍ تعمل مع قضاة ومدَّعين عامِّين عسكريين بغية ملاحقة المدنيين جنائيًا.
كان الأطباء والممرضات معظمهم يعملون في مركز السلمانية الطبي في المنامة الذي اقتحمته وحدات من الجيش في آذار/مارس 2011، وذلك بعد طرد المتظاهرين من مركز حركة الاحتجاج في ساحة اللؤلؤة القريبة من المركز.
لا تزال الاحتجاجات مستمرةً منذ عام 2011، وهناك تجمعاتٌ شعبيةٌ بشكلٍ يوميٍ تقريبًا. ومع ذلك ثمة تغيُّر حاسمٌ يتمثّل في استعادة حكومة البحرين ثقتها بنفسها، فهي تعتقد الآن أنها غير مضطرةٍ للخوف من أية عواقب على أفعالها، وأنها قد تواجه بعض الاحتجاجات الدولية، لكنها لن تتعرض لعواقب سياسيةٍ فعلية.
لذا تشعر الحكومة بالحُرية في فعل ما تشاء وتتخذ الآن إجراءاتٍ ضد ناشطين معروفين في مجال حقوق الإنسان، الأمر الذي لم تكُن تجرؤ على الإقدام عليه أبدًا في العام الماضي 2011.
يُعتبر والدُك عبد الهادي الخواجة من أبرز الناشطين في مجال حقوق الإنسان في البحرين. وكان قد عاد إلى المنامة عام 1999 بعد 12 عامًا قضاها في المنفى.
إلا أنه يقبع في السجن منذ قمع حركة الاحتجاج من أجل الديمقراطية، وفي تموز/يوليو الماضي 2012 جرى أيضًا اعتقال نبيل رجب صديق وشريك عبد الهادي الخواجة منذ سنوات طويلة لأنه انتقد قيادة البلاد على موقع تويتر.
وتم اتهامه بتنظيم احتجاجاتٍ غير قانونية. كما تمّ اعتقال أختك زينب، المعروفة أيضًا باسم "العربية الغاضبة" بسبب مشاركتها في الاحتجاجات. ما الذي تعرفينه عن مكان وجود المعتقلين وعن أحوالهم الصحية؟
مريم الخواجة: كان والدي في السنوات الأخيرة هدفًا لمضايقاتٍ مستمرةٍ، سواء كان ذلك عبر الاعتداءات الجسدية أو عبر حملات التحريض الإعلامية. كما تعرّض في السجن للتعذيب. وهناك قرَّر مؤخرًا البدء بإضرابٍ عن الطعام.
أما نبيل رجب فقد حُكِم عليه قبل فترةٍ وجيزةٍ بالسجن ثلاث سنوات. هذا وقد طالبت منظمة العفو الدولية بإطلاق سراح المعارضين وسجناء الرأي السلميين، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
أنا الشخص الوحيد في عائلتي الذي يمكنه التحرُّك والتحدث بحرية، لأنني غادرت البحرين وأعيش حاليًا في الدنمارك. لو كنت في البحرين لكان حالي مماثلًا لحال الآخرين.
العائلة السُّنيّة المالكة في البحرين تحكم أغلبيةً شيعيةً في البلاد. وهناك من يدعي أنَّ المتظاهرين في البحرين تلقوا التعليمات من إيران، في حين يرى آخرون أنَّ السعوديين يدعمون النظام في المنامة. ما هو دور الشيعة والسُّنّة في هذه الانتفاضة؟
مريم الخواجة: البحرين ليست دولة شيعية. البحرين دولةٌ لجميع البحرينيين. كما أنَّ الاحتجاجات لا تقتصر على فئةٍ معينةٍ.
تسعى الحكومات في الكثير من الدول الاستبدادية لتقسيم الشعب على أسسٍ دينيةٍ من أجل السيطرة عليه على نحوٍ أفضل. فمثلاً كانت هناك محاولات في مصر لإقناع العالم بوجود صراع بين المسلمين والأقباط، ويدّعون في سوريا أنَّ العلويين يقفون ضد السُّنّة. إلا أنَّ الأمر ليس على هذا النحو.
يقمع النظام في البحرين كل الناس بغض النظر عن مذهبهم ويحاول إظهار الاحتجاجات وكأنها نزاعٌ قوميٌ طائفيٌ، بيد أنَّ هذا لا يطابق الواقع. عندما ينتقد سُنّيٌ النظام، يُلقى به في السجن ويتعرض للتعذيب.
وعندما يدافع شيعي عن الحكومة، تكون لديه الفرصة لأن يتبوأ منصب وزير. إذًا ليس المهم أنْ تكون شيعيًا أو سُنّيًا إنما المسألة الحاسمة هي أنْ تكون مؤيدًا أو مناهضًا للنظام.
ما هي أساليب مناهضة العائلة الحاكمة اليوم، بعدما قـُمِعَت الاحتجاجات بشكلٍ دمويٍ في آذار/مارس 2011 على يد النظام وبمساعدة القوات السعودية؟
مريم الخواجة: بينت الاحتجاجات أنَّ الجيل الشاب ليس ناشطًا وحسب، بل إنه قادر على تنظيم نفسه أيضًا، حيث دعا الشباب عبر فيسبوك إلى احتجاجاتٍ في الرابع عشر من شباط/فبراير، أي في اليوم الذي عدَّل فيه الملك الدستور لصالحه قبل عشر سنوات ليصبح بذلك أعلى سلطةٍ في البلاد.
لم يكُن الناس يعرف بعضهم بعضاً في "ساحة الشهداء" (الاسم الذي يطلقه المحتجون على ساحة اللؤلؤة بعدما لاقى عدد من المتظاهرين حتفهم هناك) إلا أنَّ الناس نظموا أنفسهم في مجموعات مختلفة. وافتتحت إحدى هذه المجموعات في الساحة مركزًا لوسائط الإعلام مثلًا، ومجموعة أخرى استعدت لتنظيف الشوارع أثناء الاحتجاجات وبعدها.
ما هو دور النساء في الانتفاضة في البحرين؟
مريم الخواجة: للمرأة دورٌ محوريٌ. يظن المراقبون الغربيون أحيانًا أنَّ النساء يقُمن بدورٍ مهمٍ لمجرد وقوفهن في صفٍّ آخر مغاير لصفِّ الرجال، إلا أنَّ هذا له أسبابه الثقافية.
أعتقد أنَّ علينا أنْ لا نعتبر النساء مُضطهدَات لمجرد تظاهرهن في مجموعة غير مجموعة الرجال، فالمرأة تكون أكثر راحةً في بعض الأحيان حين تسير في المظاهرات دون أنْ تكون منحصرة بين رجلين.
يتمثل أحد أهداف الربيع العربي في القضاء على الصور النمطية الغربية. وفيلم الفيديو الذي يتناول الربيع العربي المفضّل لدي فيلمٌ يعرض نساءً من البحرين يكتُبن بالبخَّاخ عبارة على الجدار تقول: "سوف تستمر النساء في الاحتجاج حتى وإنْ توقّف الرجال!".
أجرت المقابلة: أزورا ميرينغولو
ترجمة: يوسف حجازي
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: ريسيت دوك 2012
مريم الخواجة، قائمة بأعمال رئيس "مركز البحرين لحقوق الإنسان" ومديرة المكاتب الدولية "لمركز الخليج لحقوق الإنسان". تعيش مريم الخواجة حاليًا في كوبنهاغن.