''غوته'' والثورات العربية.....من ميدان التحرير إلى ''صالون'' التحرير
السيد ليمان، يعيش العالم العربي مرحلة انتقالية - وكذلك الحال بالنسبة للحياة الفنِّية والثقافية. فكيف يستطيع معهد غوته دعم هذه العملية؟
كلاوس ديتر ليمان: كان من المفاجئ بالنسبة لنا جميعنا اعتماد هذه الثورة في مصر وتونس كثيرًا على فعاليَّات ثقافية وعلى فنَّانين. يشاهد المرء في ميدان التحرير في القاهرة الذي يبعد عن معهد غوته خمسين مترًا فقط، مسرح الشارع ومغنِّين ورسَّامين وراقصين. يأتي الكثير من هؤلاء الأشخاص إلى معهد غوته، وذلك لأنَّنا أنشأنا هناك "صالون التحرير".
وعلى الرغم من أنَّنا لم نوفِّر في الواقع إلاَّ صالة واحدة، بيد أنَّ الكثير من الفنَّانين يعرفون الصالون، وذلك لأنَّهم كانوا هناك من قبل كمستمعين في معهد غوته، وكمشاهدين أو متعلمين للغة. والآن يتم استخدام هذا الصالون من أجل بناء العصر الجديد بناءً ثقافيًا - كمساحة مفتوحة أو ملتقى للنقاش وتبادل الآراء. وحتى أنَّنا أحضرنا إلى القاهرة موظَّفين من "دائرة غاوك" التي تقوم وظيفتها على تدقيق ملفّات جهاز أمن دولة ألمانيا الشرقية سابقا، لأنَّ موضوع "أمن الدولة" له دور هناك أيضًا. وهكذا من الممكن الحديث حول كيفية التعامل مع الملفَّات السرِّية، وكيف تم إجراء ذلك في ألمانيا. وهذا يعني أنَّ عملنا يمتد من المجال الفنِّي إلى مجال السياسة الاجتماعية.
ماذا يستطيع معهد غوته أن يفعل هنا من دون الخوض في المجال السياسي؟
ليمان: أعتقد أنَّنا نستطيع النجاح أكثر في هذا المجال، من خلال قيامنا بمهام تعليمية. وهذا يعني أن نمكِّن الناس من تعلّم اللغة الألمانية، لتكون لديهم الفرصة للمجيء إلى ألمانيا. ولكننا كذلك نجمعهم مع ممثِّلين عن الثقافة الألمانية ومع فنَّانين أو مخرجين - أشخاص يمكِّنوهم من الاستفادة من مواهبهم الخاصة وقدراتهم. نحن نخلق فرص إنتاج، وهذا يسير بشكل جيد. والإمكانية الأخرى على سبيل المثال تكمن في المشاركة في بناء قطاع النشر هناك، هذا القطاع الذي كانت تتم إدارته حتى الآن من قبل الدولة. ولدينا أيضًا برنامج لتبادل الصحفيين.
يعمل معهد غوته في المنطقة بنشاط منذ فترة طويلة؛ كما ساهم في ربط الفنَّانين هناك بشبكة دولية. إلى أي مدى نجح ذلك في هذه الظروف؟
ليمان: لم ينجح ذلك إلاَّ بشكل جزئي، لأنَّه لم يكن من السهل بسبب السياسة القمعية الوصول إلى بقية الدول. وعلى الرغم من أنَّنا أتحنا للبعض إمكانية المشاركة في برامج تبادل دولي، إلاَّ أنَّني أعتقد أنَّ ذلك سيكون الآن أسهل بكثير من السابق. ولكن من الواضح أنَّ هذه البلدان يغلب عليها طابع الشباب، والأنشطة الثقافية والإنترنت. وهذا ما لاحظناه في اثنتين من مدوَّناتنا. المدوَّنة الأولى اسمها "ترانزيت" وتساهم في تمكين الناس المنتشرين في مناطق متفرِّقة والذين يريدون التغيير من التواصل فيما بينهم. ويتم استخدام موقع "ترانزيت" كثيرًا، وفي هذه المدوِّنة يتم تدوين كلِّ شيء من الظروف المعيشية وحتى الفرص المهنية والسياسية. ولدينا أيضًا منذ فترة طويلة موقع الشباب العربي الألماني "لي لك". وبالتالي يشكِّل المدوِّنون البداية الحاسمة بالنسبة لهذا التطوّر.
لا شكّ في أنَّ معهد غوته لا يهتم فقط بدعم التواصل في شبكة دولية، بل كذلك بتشجيع الحياة الفنِّية والثقافية. كما أنَّ معهد غوته يهتم دائمًا بالعمل مع شركاء محليين. فعلى أي شركاء يمكنكم المراهنة في هذه المرحلة الانتقالية؟
ليمان: نحن نعمل مع الأفراد ولا يوجد سوى القليل من العلاقات الهيكلية. ويشكِّل هذا كذلك ضعفًا في الوقت الحاضر. والعمل مع الأفراد يعد أمرًا رائعًا. ولكن يجب علينا إيجاد أشكال تنظيمية من أجل ربط الأمور ببعضها، حتى تزداد قوتها وتتطوّر. وحاليًا نهتم بكيفية تنظيم الفنَّانين ضمن جمعيَّات أو بمعرفة الهياكل السياسية الاجتماعية الموجودة في المنطقة. إذ يوجد اهتمام كبير الآن؛ ولكنه سوف يتضاءل في وقت ما ويتشتَّت ويفقد الاتجاه. ولهذا السبب نحاول الآن تقديم أمثلة على كيفية تطوير عمل تنظيمي. وفي أثناء ذلك لا نتحدَّث حول المضمون - فهذا من شأن العالم العربي، إذ يجب أن يكون لدى العرب أفكارهم الخاصة. لكننا نقدِّم المساعدة التي تمتد إلى بعض القضايا مثل "التغلّب على النزاعات" و"المساواة" أو"الدستور".
يرى الآن الكثير من الفنَّانين في المنطقة أنَّ حكوماتهم هي المسؤولية عن دعم الثقافة والفنون. هل يعني ذلك بالنسبة لمعهد غوته أنَّه ربما يجب عليه الانسحاب والكف عن التخلي عن بعض نشاطاته؟
ليمان: هذا سؤال صعب. أعتقد أنَّ الفنَّانين يأملون أن نستمر في توفير خدماتنا. وأعتقد أنَّهم يخرجون عن وعي من القيود الضيِّقة وأنَّهم يريدون أن يصبحوا قادرين على مقارنة ما يحدث في أماكن أخرى. وفي الواقع ليس صدفة أن يغادر البلاد حاليًا الكثير من الأشخاص الحاصلين على تعليم جيد. نحن موجودون في الواقع هنا من أجل تشجيع الناس على البقاء في البلاد لأنَّه في حال استمرار هذه الهجرة، فعندها ستصبح هذه البلدان من دون أمل، ولن تبقى فيها بعد نخب هي بحاجة إليها. ومن دون وجود تنمية اقتصادية سيكون أيضًا المفهوم الثقافي الذاتي غير كافٍ للنهوض حقًا في عالم جديد أفضل.
أجرت الحوار: آية باخ
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011